إحدى خصائص أسعار الطاقة، وخاصة النفط والغاز، هي ذلك التذبذب العالي والمتواصل. إحدى نتائج التذبذب هي استطاعته إخفاء بعض النواحي الهيكلية التي يترتب عليها نتائج مهمة للاقتصاد السعودي. سوق الطاقة كبير ومتنوع على درجة من التخصص وحالة من الاستبدال المرن أحيانا وبعيد المدى أحيانا أخرى. فمثلا يستخدم الفحم في أمريكا لتوليد نصف الكهرباء ولكن الغاز بديل لجزء مؤثر في حالة انخفاض أسعاره. مثال آخر يأتي في بطء استخدامات الغاز الطبيعي لقطاع المواصلات الذي يشكل حوالي نصف استهلاك أمريكا من النفط الخام. هذا التوجه بدا حثيثا ولكن التحول بطيء؛ يقابل ذلك أن الصين سجلت رقما جديدا بتفوقها لأول مرة في شراء السيارات الجديدة على أمريكا، ولذلك فإن الطلب العام على النفط سوف يغلب أهمية تحول قطاع المواصلات إلى الغاز في المدى المنظور.

 

هذه مقدمة لوصف الظرف الهيكلي الذي نحن بصدده: تغير العلاقة بين أسعار النفط والغاز. العلاقة الاعتيادية على مدى السنوات العشر الماضية هي أن سعر برميل النفط يعادل نحو 10 – 12 ضعف أسعار الغاز (سعر مليون وحدة حرارية بريطانية BTUS). لكي تكون المقارنة علمية ودقيقة يجب الإشارة إلى أن محتوى الطاقة في كل برميل يعادل تقريبا 5.35 مليون BTUS (طبقا لنشرة برتش بتروليوم). سعر برميل النفط اليوم يعادل حوالي 80 دولارا، بينما سعر وحدة الغاز المرادف لهذه الطاقة يعادل حوالي 26 دولارا للبرميل (الاختلاف في السعر يعكس المرونة الأعلى في استعمالات النفط وسهولة نقله). لذلك هناك خلل واضح وغير اعتيادي؛ فالأحرى أن يكون سعر الغاز حوالي 7 - 8 دولارات بينما السعر اليوم (إقفال 1/1/2010) حوالي 5.5 دولار لكل مليون BTUS، أو أن يكون سعر النفط 45 - 50 دولارا للبرميل. أيهما يعكس الواقع الاقتصادي؟ فهل سوف يرتفع سعر الغاز والذي فشل في الارتفاع الكبير المنتظر (سجل ارتفاعا من 2.5 إلى 5.5 في عدة أسابيع ماضية) على أمل زيادة الاستهلاك في الشتاء أو أن سعر النفط سوف ينخفض بمعنى أن هذا الارتفاع في أسعار النفط لا يعكس القيمة الجوهرية للسوق وإنما مزيج من المضاربة على المشتقات المالية والتوجس السياسي؛ والثاني هو هل أننا مقبلون على تغير هيكلي في نمط العلاقة بين الغاز والنفط؟

 

نزول أسعار النفط قياسا على توجهات هذه العلاقة تاريخيا يحمل استحقاقات على تخطيط الميزانية في المملكة والسياسة المالية والاقتصادية، بينما ارتفاع أسعار الغاز له تبعات أخرى لا تقل أهمية، فالعلاقة المباشرة مع الصناعات البتروكيماوية وحالة الاستبدال في توليد الكهرباء لها استحقاقات اقتصادية مؤثرة، خاصة أن إنتاج الغاز السعودي الجديد من البحر لن يكون رخيصا. لكل من الغاز والنفط عوامل مؤثرة مستقلة إلى حد ما، وهناك تقرير جديد لوكالة الطاقة العالمية يشير إلى ازدياد العرض في الغاز والذي قد يشرح هذه الفجوة جزئيا. لا يستطيع هذا العمود الإجابة عن هذه الأسئلة والعلاقات المتداخلة، ولكن أردنا فقط تركيز الأنظار على توجهات مهمة في أسعار الطاقة والتخطيط استباقيا لاستحقاقاتها على اقتصاد المملكة. لعل مختصي الطاقة في وزارة البترول وشركة أرامكو يسعفوننا باستقراء هذه العلاقة المهمة بين النفط والغاز ومن ثم استنباط الأوضاع المالية والاقتصادية المترتبة عليها. نكون أو لا نكون اقتصاديا بمدى درجة فهم ومواجهة التغيرات في اقتصاديات الطاقة على الأقل حتى نستطيع تقليل الاعتماد عليها وهذا لن يكون في المدى المنظور.

 

* نقلاً عن جريدة "الاقتصادية".