خاص-سيريانديز
مع اقتراب عام 2025 من نهايته لا تزال الموازنة العامة للدولة لعام 2026 غائبة عن المشهد وسط صمت رسمي وغياب تام لأي مؤشرات على بدء التحضيرات المعتادة التي تسبق عادة الإعلان عن الموازنة، وحتى اللحظة لم تصدر وزارة المالية أي مسودة تمهيدية ولم تعقد الاجتماعات التحضيرية مع اللجان الاستشارية ما يثير تساؤلات محلية ودولية حول أسباب هذا التأخير الذي يصفه خبراء الاقتصاد بـ"الفراغ المالي المقلق".
غياب الشفافية… ومطالب دولية مؤجلة
رغم الدعوات المتكررة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بضرورة الإفصاح عن البيانات المالية وتقديم مؤشرات واضحة للتعافي الاقتصادي لم تصدر أي جهة حكومية حتى الآن الوضع المقارن لوارداتها ونفقاتها، ويشير الخبير المالي الدكتور محمود العلي في حديث لشبكة سيريانديز إلى أن "الشفافية المالية ليست ترفاً بل شرط أساسي لأي دولة تسعى إلى استعادة ثقة المجتمع الدولي والانخراط في النظام المالي العالمي".
غياب الإحصائيات الرسمية عوضته أرقام ومؤشرات قادمة من خارج الحدود حيث أعلنت تركيا أن صادراتها إلى سوريا تجاوزت 2 مليار دولار، فيما صرح الأردن بارتفاع صادراته بنسبة 434% خلال عام 2025 في المقابل اكتفت الجهات السورية بالإشارة إلى أن صادرات البلاد حتى آب الماضي 500 مليون دولار، بينما تجاوزت واردات السيارات وحدها 5.6 مليارات دولار، وفق مصادر من غرفة تجارة دمشق وفي هذا السياق رأى العلي أن هذه الأرقام تكشف عن "فجوة كبيرة بين الصادرات والواردات تعكس خللاً بنيوياً في الميزان التجاري وتؤكد استمرار النزيف في ميزان المدفوعات" وهذا ما يمكن اعتباره معوقا وسببا رئيسيا للتأخر في مناقشة موضوع الموازنة.
الموازنة الاثنا عشرية… إدارة مؤقتة أم انسداد مالي؟
وفي ظل غياب مشروع الموازنة العامة يطرح خيار اعتماد الموازنة الاثني عشرية التي تقوم على تقسيم موازنة العام السابق إلى 12 جزءا شهريا تصرف بموجبها النفقات الجارية، وهو نفس الأسلوب الذي اعتمدته الحكومة السورية للعام 2025 ورغم أن هذا الإجراء يُعد قانونياً في حالات التأخير، إلا أن خبراء يرون فيه "حلاً إسعافياً لا يليق بمرحلة ما بعد الحرب".
ويحذر الخبير الاقتصادي نزار عبد الله في تصريح لشبكتنا من أن "الاستمرار في اعتماد الموازنة الاثني عشرية يُبقي الدولة في حالة إدارة يومية، ويُعيق تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبرى، ويُضعف قدرة الحكومة على التخطيط المالي طويل الأمد" منبها من أن هذا النمط من الإدارة المالية "يفقد الدولة ثقة الشركاء الدوليين ويضعف فرصها في الحصول على تمويل خارجي أو جذب استثمارات حقيقية".
ويتساءل عبد الله في حال اعتمدت الحكومة خيار الموازنة الاثن عشرية، ماهي الموازنة التي ستستند إليها خاصة في ظل التغيرات الهائلة التي طرأت على الاقتصاد السوري خلال العام الجاري مؤكدا أنه لا تصلح أي موازنة سابقة للتطبيق على الواقع الحالي.
الشكل المتوقع للموازنة… بين التصريحات والواقع
ورغم غياب المسودة الرسمية فإن التصريحات الحكومية السابقة توحي بأن الموازنة القادمة ستعتمد على موارد متعددة أبرزها الضرائب والرسوم الجمركية والمساعدات والمنح وصادرات النفط والفوسفات إلى جانب عائدات الاستثمارات التي تعلق الحكومة السورية الحالية آمالا كبيرة حيث تحدث وزير الاقتصاد والصناعة محمد نضال الشعار عن إمكانية جذب استثمارات تصل إلى 100 مليار دولار إضافة إلى الإعلان عن إنشاء صندوق سيادي.
وبحسب الخبراء تبقى هذه الأرقام "بلا قيمة ما لم ترفق ببيانات مالية دقيقة، تُظهر حجم الإيرادات الفعلية، وأوجه الإنفاق، وحجم العجز، وخطط التمويل، وانعكاسات ذلك على المستوى المعيشي، ونسب الفقر والبطالة والتضخم.
الإفصاح المالي… اختبار للثقة والمصداقية
الأمر المؤكد أن تقييم أداء الحكومة لا يمكن أن يتم بمعزل عن موازنتها العامة حيث تؤكد بديهيات وقواعد علم الاقتصاد أن الموازنة هي الوثيقة التي تكشف مدى نجاح أو فشل السياسات الاقتصادية، وتظهر مدى التزام الدولة بالشفافية والمساءلة، كما أن الإفصاح عن الوضع المالي يعزز من مصداقية الدولة أمام مواطنيها، ويرفع منسوب ثقة المنظمات الدولية بها، ويمهد الطريق أمام اندماجها في النظام المالي والاقتصادي العالمي.
خلاصة القول لا يمكن الحديث عن تعاف اقتصادي دون أرقام وزمن الأقوال انتهى وحان وقت المكاشفة فالموازنة ليست مجرد أداة محاسبية بل مرآة تعكس حقيقة الواقع، ويبقى مشهد الخلل في السيولة دليل خطير على هشاشة النظام النقدي ويضعف قدرة الدولة على تمويل نفقاتها الجارية دون اللجوء إلى أدوات تضخمية، الأمر الذي يحتم حلولا سريعة وشاملة للاقتصاد السوري بشكل عام.