سيريانديز ـ نجوى صليبه
غزال شارد هنا، وطيور راقدة على بيوضها إلى الأبد هناك، وفي منظر مهيب وحكمة إلهية، تساوى الأرنب والسّلحفاة في السّرعة، فما استطاع أحدهما الهروب من حرائق التهمت غابات وبيوت نزح أهلها إلى رجعة قريبة، مشهد تختصره بمفيد القول الأديبة أنيسة عبّود:
أشارك الغزالات
في الجري نحو ظلّي
والبحث عن وطني
وتقول أيضاً:
ماذا لو تحولت
إلى طائر فينيق
وخرجت من الرّماد
يا وطني
أمام هذه الفاجعة الوطنية والكارثة البيئية والطّبيعية والحدث الإنساني ـ وكما العادة ـ رأينا أنّ بعض المثقّفين والأدباء ينأى بنفسه عن الحديث عن هذه الحرائق التي تجتاح محافظات سورية عدّة، وأنّ بعضهم الآخر ينبري للتّنويه بهول الحدث، ويحلله ويقترح الحلول، ويشارك في حملات تطوعية سواء أكانت ماديّة أو معنوية، لكن يبقى الشّعراء الأسرع ها هنا، فهم لا ينتظرون تأسيس وبناء شخصيات ولا يخيطون حبكات، لأنّهم يسيرون ـ ليس الجميع طبعاً ـ وفق مشاعرهم وأحاسيسهم، تقول الشّاعرة نور الموصلي:
يتراءى لنا أنَّ ما يشعلُ الأرضَ من حولنا
جرةٌ من وقودٍ وعودُ ثقابْ
يتراءى لنا باعثٌ زائفٌ
من وراء الضّبابْ
بينما يتأجَّجُ في كلِّ صدرٍ
فتيلُ غليلٍ وعودُ شِقاقٍ
سيحرقُ أخضرَها ويقود الخرابْ
هي الأسباب ذاتها الذي يذكرها الشّاعر ثائر محفوض:
ستأكل النّار قلب الحقد في بلدي
تعمي عيونَ حسودٍ شدّةُ الرّمد
من أضرم النّار شيطانٌ بلينا به
يظنّ أنّ فساد الرّوح بالجسد
وقد تناسى بأنّ الرّوح خالدةٌ
فيها تجسّد حبّ الواحد الأحد
تبكي الصّخور فعين الأنس كاذبةٌ
تجمّد النّبض في قلبٍ من القتد
كلّ الكوارث ما فلّتْ عزائمنا
ولا رمتنا بوهم العجز والكتد
فما لفحتُ قلوب النّاس في كمدٍ
ولا حرقت جنان الخلد في البلد
ولا كفرت بآي الحقّ في سورٍ
كالحمد والنّاس والكرسيّ والصّمد
هذي البلاد أماناتٌ سنودعها
طوداً بأرضك كن ماعشت ياولدي
نعم هذي البلاد أمانات يدرك أبناؤها أهميتها وقداستها لذا نراهم هبّوا رجلاً واحداً لإطفاء هذه الحرائق بأبسط الأدوات والمعدّات، نعود إلى الأديبة أنيسة عبّود وقصيدتها التي وجهتها إلى كلّ السّوريين:
يطفئون النّار بمعول الصّبر
بنهدة
كشجر القمر ينمو في الصّدر
بمقل الخيبة
بالرّغيف والتّنور
بمنجل
بيد الأمهات
المقدودات من الصّخر
يطفئون النّار
أهلي
حتّى لا تحترق الفراشات
ولا تنطفئ الأغنيات
حتّى لا يبكي باب عتيق
ولا تغادر من جدرانه الغزالات
حتّى لا يحترق دفتر الأيام
وتبكي البدايات
يطفئون النّار
أهلي
ولأنّنا سوريون لا نعرف الاستسلام، وننهض دائماً من الرّماد، ينظر الباحث في التّراث الشّعبي واللامادي نبيل عجمية إلى المستقبل فيراه مخضوضراً أكثر، فيقول: "عندما يأتي الرّبيع ستعود الجبال للاخضرار.. حين تناهى إلى مسامعي بكاء السّماء أيقنت أنّ جبال سوريا تلتهمها النّيران وعلمت أنّ الجلطة أصابت قلب الحياة.. ستبقى جبالنا خضراء، فالشّجرة لا تبكي على غصنها الذي احترق فقط، لكنّها تنتظر الرّبيع لتنبت غصناً آخر وتُزهر.. ليس بالضّرورة أن تسترد ما تخسر، لكنك ستعثر على ما هو خير منه.. فانتظر ربيعك وأنبت غصنا آخر وأزهر كما يليق بك يا جبل".