خاص - سيريانديز
في مشهد ينذر بانهيار أحد أبرز القطاعات الإنتاجية في سوريا يواجه قطاع الدواجن أزمة خانقة تهدد استمرارية عمله وتضع نحو مليون عامل في هذا القطاع في دائرة خطر البطالة وفقدان مصدر دخلهم، وذلك بعد أن شهدت تكاليف الإنتاج ارتفاعا غير مسبوق أفقد المنتج المحلي قدرته على المنافسة، خاصة في ظل تدفق كميات كبيرة من الفروج المجمد المستورد إلى الأسواق المحلية.
أرقام صادمة: تكلفة الإنتاج تتجاوز القدرة على المنافسة
قفزت أسعار مدخلات الإنتاج بنسبة 300%، بحسب رئيس لجنة الدواجن المركزية في اتحاد غرف الزراعة نزار سعد الدين، ما جعل المنتج المحلي غير قادر على مجاراة الأسعار المنخفضة للفروج المستورد مشيرا إلى أن الدراسات لديه تُظهر أن تكلفة إنتاج ألف دجاجة بمتوسط وزن 2.5 طن تبلغ نحو 4,275 دولارًا، أي ما يعادل 1.71 دولارًا للكيلوغرام الواحد من الفروج المحلي.
قرارات متضاربة... وسوق يغرق بالمستورد
رغم قرار وزارة الاقتصاد والصناعة قبل ثلاثة أشهر بمنع استيراد الفروج المجمد لحماية الإنتاج المحلي عادت الوزارة في 23 أيلول لتسمح باستيراده للمنشآت الصناعية المرخصة لصناعة اللحوم (المرتديلا) هذا القرار، وفق عدد من الاقتصاديين، استغله أصحاب بعض المعامل لتسويق الفروج المستورد في الأسواق المحلية ما أدى إلى كساد المنتج الوطني وهبوط أسعاره بشكل حاد.
السوق ينهار والتدخل ضرورة
تؤكد إحصائيات حصلت عليها شبكة "سيريانديز" أن قطاع صناعة الدواجن في سوريا يضم أكثر من 15 ألف منشأة، ويعمل فيه ما يزيد عن مليون سوري بشكل مباشر وغير مباشر ومع استمرار الأزمة يواجه هؤلاء خطر البطالة في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضغوط معيشية متزايدة حيث عبر عدد من مربي الدواجن في تصريحات لشبكة سيريانديز عن غضبهم مما أسموه "السياسات الاقتصادية المتخبطة" مؤكدين أن السماح باستيراد الفروج المجمد دون ضوابط واضحة أو مخصصات محددة للمعامل الصناعية فتح الباب أمام تسرب كميات كبيرة من الفروج المستورد إلى الأسواق ما تسبب في انهيار الأسعار المحلية وتكبدهم خسائر فادحة.
وأشار عدد من المربين إلى أن دورة إنتاج الفروج تستغرق نحو 45 يوما وتتطلب استثمارات كبيرة في العلف والمحروقات واللقاحات، ما يجعل أي تراجع في الأسعار كارثيا محذرين من أن المخاطر لا تقتصر على العرض والطلب، بل تشمل أيضا الأمراض التي قد تفتك بالأفواج وتؤدي إلى خسائر مضاعفة.
وطالب المربون الحكومة بالتدخل العاجل عبر ضبط الاستيراد وتقديم دعم مباشر لمدخلات الإنتاج، وتوفير الحماية المؤقتة للمنتج المحلي إلى جانب إطلاق برامج تمويلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في هذا القطاع الحيوي.
جدل اقتصادي: حماية الإنتاج أم تحرير السوق؟
الصناعي والمستشار السابق لوزير الاقتصاد والصناعة مازن ديروان دافع عن قرار عن قرار الوزارة، معتبرا أن معامل المرتديلا لم تستورد فروجا مجمدا كاملا، بل قطعًا مخصصة للصناعة فقط وأن ما يعرض في الأسواق من فروج غير سوري هو في الغالب مهرب نتيجة الفجوة السعرية الكبيرة
ودعا ديروان إلى تحرير السوق ورفع القيود عن الاستيراد، معتبرا أن حماية الإنتاج المحلي عبر المنع أثبتت فشلها وأن الحل يكمن في معالجة أسباب ارتفاع التكاليف محليًا لا في فرض قيود على السوق، بحسب تعبيره.
بين نارين: حماية المنتج المحلي أم حماية المستهلك؟
تضع هذه الأزمة الحكومة أمام معادلة صعبة: كيف يمكن حماية قطاع حيوي يشغل أكثر من مليون مواطن دون تحميل المستهلك المنهك أعباء إضافية؟ وهل يمكن تحقيق توازن بين دعم الإنتاج المحلي وضمان توفر الغذاء بأسعار مقبولة؟
الوقت يداهم وصناعة الدواجن تقف على حافة الانهيار، فهل تتحرك الحكومة لإنقاذ هذا القطاع قبل فوات الأوان أم تترك السوق لقوانين العرض والطلب في ظل غياب الدعم والإصلاحات الهيكلية؟