سيريانديز- خاص
لا تزال تداعيات القرار المفاجئ لمصرف سوريا المركزي بشطب 1.6 مليار دولار من القيود المحاسبية للمصارف السورية تتفاعل في الأوساط الاقتصادية والمصرفية، وسط تباين واضح في الآراء بين من يراه خطوة إصلاحية جريئة، ومن يعتبره إجراء متسرعا يحمل ارتدادات ثقيلة على القطاع المالي الوطني.
القرار ألزم البنوك التجارية العاملة في سوريا بالاعتراف الكامل بنسبة 100% بانكشافها المالي على المصارف اللبنانية في خطوة تهدف إلى تصحيح البيانات المالية وتعزيز الشفافية بحسب تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي، الدكتور عبد القادر الحصرية الذي أقر بأن البنوك السورية تواجه انكشافًا ماليًا لا يقل عن 1.6 مليار دولار يشمل ودائع مجمّدة والتزامات قائمة تعود لأفراد وشركات سورية، وهو ما اعتبره أحد الأسباب الرئيسية لنقص السيولة وتراجع ثقة المواطنين بالقطاع المصرفي.
وجهات نظر متشائمة: التوقيت والضغوط
مصرفيون محليون أعربوا عن قلقهم من مهلة الأشهر الستة التي حددها المصرف المركزي لإعادة الهيكلة غير كافية لمعالجة أزمة بهذا العمق، خاصة في ظل القيود المفروضة على التحويلات الخارجية وسار معهم في هذه النظرة التشاؤمية بعض المساهمين الذين كشفوا عن تخوفهم من تأثير القرار على الأرباح، واحتمال اضطرار البنوك إلى بيع أصول أو تقليص عملياتها التشغيلية.
ويحذر مراقبون من أن القرار قد يفتح الباب أمام موجة اندماجات أو استحواذات، خصوصًا في المصارف ذات الأصول اللبنانية مثل "بنك الشرق"، "بيبلوس"، و"بيمو السعودي الفرنسي"، التي بدأت بالفعل بالبحث عن شركاء ماليين جدد لتعزيز ملاءتها المالية.
وجهات نظر متفائلة: خطوة نحو الإصلاح والانفتاح
في المقابل، يرى مؤيدو القرار أن قرار الشطب يمثل بداية إصلاح جريء في القطاع المصرفي السوري، ويعكس رغبة حقيقية في دمج الاقتصاد السوري بالمنظومة المالية العالمية وفي هذا السياق اعتبر حصرية أن هذه الخطوة "ستسهم في تحسين التصنيف الائتماني السيادي، وجذب الاستثمارات، خاصة مع خطة طموحة لرفع عدد البنوك العاملة إلى 30 بحلول عام 2030".
ومن وجهة النظر العلمية البحتة يعتبر القرار سليم محاسبيا، إذ أن إبقاء الأموال المجمدة ضمن بند "قيد التحصيل" يعطي انطباعًا خاطئًا عن قوة السيولة، ويخالف المعايير الدولية للشفافية المالية.
القرار صائب محاسبيا... لكن التوقيت مقلقا
الخبير الاقتصادي عامر شهدا وفي منشور له على صفحته في فيسبوك اعتبر أن القرار، رغم صحته المحاسبية، جاء في توقيت صعب، وقد يخلق حالة هلع بين المساهمين، خاصة أن المصارف تواجه تحديات في ترميم رؤوس أموالها وتكوين مخصصات تغطي الخسائر مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المبالغ العالقة في المصارف اللبنانية تتجاوز 70 مليار دولار، ما يجعل الأزمة أعمق من مجرد شطب 1.6 مليار، ويستدعي خطة إصلاح شاملة تتجاوز الإجراءات المحاسبية.
وأكد شهدا أن القرار لا يؤثر على حقوق المودعين، لكنه يكشف هشاشة السيولة المصرفية، ويضع المصارف أمام اختبار حقيقي في قدرتها على استعادة الثقة وتجاوز الأزمة.
خارطة طريق للتعافي
للتعامل مع تداعيات القرار، يقترح خبراء الاقتصاد السوريون خارطة طريق تشمل إعادة رسملة المصارف عبر أدوات مالية جديدة وشراكات إقليمية، وتعزيز الحوكمة والشفافية لضمان إدارة المخاطر بفعالية، وتحفيز الثقة الشعبية من خلال ضمانات حكومية للودائع الصغيرة وتنويع مصادر التمويل لدعم المشاريع الإنتاجية وتقليل الانكشاف الخارجي عبر ضوابط على التحويلات والودائع العابرة للحدود، كما يمكن دعم هذه الخطة بمؤشرات أداء واضحة، وجدول زمني للتنفيذ، وشراكات استراتيجية مع مصارف إقليمية ومراكز بحثية.
فرصة مشروطة
رغم ما يكتنف القرار من تعقيدات إلا أنه قد يشكل نقطة تحوّل في مسار إصلاح القطاع المصرفي السوري، فبين من يراه ضرورة تأخرت، ومن يخشى تداعياته، يبقى الرهان على قدرة المؤسسات المالية على التكيف وعلى الإرادة السياسية في توفير بيئة تشريعية ومالية داعمة والنجاح لن يكون سهلًا، لكنه ممكن إذا ما اقترن بالشفافية، والتخطيط، والجرأة في مواجهة الواقع.