أب يذهب مع أولاده الأربعة إلى بحيرة ليغرقهم واحداً تلو الآخر ثم يعود من «سيران الموت» ليروي القصة مع النكات!!
لا أستطيع أن أتخيل الحوار الذي يدور بين الأب وابنه أو ابنته وهو يقتله.. ما أبشع هذا الخيال.
لا أستطيع أن أتخيل لغة العيون وقتها... وعيني طفلة صغيرة ترجو عيني أبيها استعطافاً ورعباً.
لا أستطيع أن أتخيل ذلك... بينما قصة القرآن عن سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عندما رأى في المنام أنه يذبحه تلح في رأسي سؤالاً... أما كان من الممكن «فداء» الأربعة الصغار من أب فيه من الشيطان أكثر مما فيه من الإنسان؟!
ليست هذه قصتنا هنا...
الملاحظة التي يمكن أن تكون قد وصلت إلى حد الحوار حولها مدى التغيير النوعي في الجرائم التي تحدث في مجتمعنا.
لا أتحدث عن العدد... وليس لدي أرقام يمكن الاعتماد عليها لكن ما نلاحظه وجود أنماط جديدة من الجرائم دخلت المجتمع بطريقة غير مسبوقة.
هي ملاحظة تبقى في حدودها وتبقى أيضاً على أطراف الصح والخطأ حتى تتم دراستها بطريقة علمية وجادة.
وهذا مجرد مدخل صغير لمناقشة موضوع كبير..
هل ما يحدث في مجتمعنا هو طارئ ومستحدث؟
ثلاثة احتمالات تقودنا في هذه المناقشة:
أولها: إن ما يحدث ليس جديداً وليس طارئاً، وأن الجديد- إن كان ثمة جديد- أننا أصبحنا نعرف ونتابع تفاصيل هذه الجرائم بفعل الإعلام الذي يضفي على الجريمة فوق الإثارة تشويقاً وتهويلاً!!.
الاحتمال الثاني: بل يوجد جديد وثمة طارئ أيضاً لكنه ليس أكثر مما حدث في المجتمع من تغييرات كثيرة... وهو أيضاً بالنسبة والتناسب طبيعي بحكم الزيادة السكانية.
وكذلك فإن المجتمعات عندما تتغير لا تمتلك حصانة من التغير في أحد جوانبها أو في أي من جوانبها!
الاحتمال الثالث: التغير النوعي حدث.... لكنه ليس أكثر من عرض ساخط لأمراض كثيرة في المجتمع... إنه نتيجة وليس سبباً. وأن ما يخرج على السطح وما يصل لوسائل الإعلام ليس إلا غيض.. من فيض!! وعندما تتحول الجرائم إلى قصص ما كانت تحدث في الخيال فعلينا أن نبحث أكثر في الواقع الذي أفرزها وأنتجها.
وأي الاحتمالات أقرب للتبني يبقى في حدود الملاحظة التي قلت إنها تقف على أطراف الصح والخطأ دون أن تجرؤ للدخول في حدود أي منهما لأن الموضوع أهم وأعمق من أن تحدده الملاحظات.. بل الاحتمالات.
بمعنى آخر: الموضوع يحتاج إلى دراسة.. ولعل المؤهل لدراسة هذا الموضوع أقسام علم الاجتماع في الجامعات السورية برعاية ودعم من وزارات مثل الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية.
لندرس.... نحلل... نستنتج كي نعرف الطريق إلى الحل فيما نحاول أن نتخيل كيف ولماذا يفعل أب بأولاده كبرى الكبائر!!