غيّرت الأمطار الغزيرة الأخيرة التي هطلت في كانون الثاني الماضي حال دمشق مع المياه بشكل عام ومياه الشرب بشكل خاص.. ومن تُتاح له اليوم فرصة زيارة نبع الفيجة، يجد مياهه تندفع إلى مجرى نهر بردى بغزارة كبيرة، إذ أشارت قياسات 31/1/2010 إلى أن غزارة نبع الفيجة وصلت في ذاك اليوم إلى اثني عشر متراً مكعباً في الثانية، علماً أن الحدّ الأقصى لاستهلاك مدينة دمشق من مياه الشرب هو سبعة أمتار مكعبة في الثانية، هناك إذاً خمسة أمتار مكعبة على الأقل تصبّ في مجرى بردى، علماً أن بردى ذاته يصل إلى نقطة محاذية لنبع الفيجة في بلدة تحمل الاسم ذاته، وهو بغزارة متر مكعب تقريباً.
إن هذه الأرقام جديدة، بالمقارنة مع سنوات الجفاف الثلاث الماضية ومع العام الفائت تحديداً.. ففي مثل هذه الأيام من العام (ألفين وتسعة) دعا الدكتور موفق خلوف، مدير عام المؤسسة العامة لمياه الشرب في دمشق وريفها، إلى اجتماع لأئمة الجوامع في المحافظتين بشكل خاص، وللإعلاميين وبعض العاملين في الوزارات المختلفة، وناشد الجميع تعبئة الرأي العام باتجاه عدم الإسراف باستخدام المياه، وأعلن أن دمشق لن تقوى بعد العام (ألفين وعشرة) على توفير احتياجات سكانها من مياه الشرب بالاعتماد على مواردها المائية الذاتية، وأنه يجب السعي جدياً إلى مصادر مياه أخرى جديدة من ريف دمشق أولاً ثم من الساحل أو الفرات.
بعد انتهاء الاجتماع سألته في مكتبه: هل الوضع مماثل لما جرى قبل عشر سنوات تقريباً، عندما غار نبع الفيجة ولم يعد يقوى على الخروج من حفرته الواسعة ما أخطركم إلى الضخ منه؟.
أجاب: تقريباً.. وإذا لم تهطل الأمطار، فإن الوضع سيكون خطيراً. وهطلت الأمطار آنذاك في أواخر شباط ثم آذار ونجحت في تعديل الموقف ووصلت المياه إلى بيوت دمشق بالتقنين إذ كانت تغيب عن الصنابير عشر ساعات على الأقل!!.
تبدو هذه السنة أفضل بكثير، فلقد ظهر النبع مرتين، وكانت الأولى في كانون الأول، وها هو يظهر مرة ثانية ونأمل ألا تنحبس، الأمطار وقد اعتدنا على التعويض في شباط وآذار.
ويرى الدكتور جميل فلوح /مدير الموارد المائية في محافظتي دمشق وريف دمشق/ أن مناسيب الأحواض الجوفية في دمشق وريفها قد تعافت، وأن معدل الأمطار فوق حوض الفيجة وصل إلى 80٪ من المتوسط السنوي في حين أنه في منطقة الحرمون وصل إلى 90٪، وعندما استفسرنا عن العجز في المياه، على الرغم من هذه الأمطار والثلوج، أجاب: إنه قد تقلص إلى ثلاثمئة مليون متر مكعب، ولاسيما في مجال الري. وأذ تُبهجنا هذه الوقائع الجديدة، فإنه لمن الضروري أن ننتبه إلى أن المطر هو السبب، فهل يجوز أن يرتهن مصير ستة ملايين نسمة للمطر وهو خاضع لدورة هيدرولوجية طبيعية شبه ثابتة؟.. إذ تشير القياسات إلى أن كمية الأمطار ذاتها تهطل كل عشر سنوات، لكن العامل الجديد هو الزيادة السكانية الكبيرة جدا وبقدر ما نحن سعداء بعام مائي جيد ونتمنى أن يتوج حتى نهاية الموسم في 15آيار بعلامة ممتاز، نُشدد على أن سنوات الجفاف القاسية لم تعد تُحتمل مع الزيادة السكانية في دمشق تحديداً، وفي ريفها الأكثر سكاناً على أية حال، لكن الكثافة السكانية في دمشق «هائلة» بسبب صغر تلك المدينة، ولهذا يجب ألّا يجعلنا الغدق العابر نتراخى عن الاضطلاع بأعباء كبرى لتوفير مصادر ثابتة لمياه الشرب، على الأقل لمدينة دمشق ولريفها لعقود كثيرة قادمة، مصادر لا تتأثر بانحباس الأمطار تحديداً.