ثمة ما يثير الشّبهة في مسلسل إعلانات كبرى شركات تصنيع السيارات في العالم، عن سحبها لأعداد هائلة من منتجاتها من الأسواق لخلل ما ظهر في أحد أجزاء السيارة!!.
المريب أن تأتي هكذا إعلانات مباشرة، بعد طول أحاديث وشكوى من إفلاسات وانهيارات «صاخبة»، وضعت مصنّعي السيارات على قائمة الشركات المشكوك في بقائها وصمودها أمام رياح الأزمة العالمية.
فمن أخبار الأزمة السوداء يحصل الآن تداول أخبار «متقنة الصياغة» عن إجراءات لا تحصل عادة إلّا في زمن البحبوحة والاسترخاء، فشركة تويوتا أعلنت أنها سحبت 1.8 مليون سيارة، وبيجو أعلنت عن نوايا سحب 100 ألف سيارة لخلل -تصوروا في ماذا -في دواسات البنزين، وهوندا حذت الحذو نفسه!!.
إنها الدعاية البيضاء في زمن الظروف السوداء، ونقول برافو لهؤلاء فهم ليسوا فقط حاذقين في صناعة السيارة، بل في ابتكار أساليب بالغة الدقة والحساسية، لكنها مضمونة النتائج، في التسويق وتسخير «سيكولوجيا» البشر في خدمة سمعة شركاتهم وتنظيفها من غبار أزمة صعبة.
ونكرر «برافو» فعلاً، ولا نتهكّم، بل نؤكد أن على شركاتنا وقطاع أعمالنا عموماً أن يتعلّم كيف يصوغ دعاية فاعلة حتى لو غابت الركائز والمسوغات الواقعية.
دواسات البنزين لم تكن يوماً كفيلة بسحب ولا سيارة من الأسواق، لكنها الآن أصبحت موضوع دعاية ساخنة، وحديث عن سحب 100 ألف سيارة، فكم 100ألف سيارة أو كم ألف سيارة باعت الشركة صاحبة الدعاية؟
سؤال صعب لا نعتقد أن الإجابة عنه مهمة بقدر أهمية الإيحاءات المراد إيصالها، وبالتأكيد لا أحد سيحصي عدد السيارات المسحوبة.
بعض شركاتنا ومنتجاتنا، معززة بميزات نسبية وبخصوصية إيجابية لكنها تعثرت لأنها افتقرت إلى أدوات تسويق ودعاية حقيقية.
بعضنا بل معظمنا برع في الإنتاج، وفشل في التسويق، كما فشل في دحض والرد على حملات دعاية مضادة لتدفقات بعض منتجاتنا المنافسة في الأسواق الخارجية.
شركات السيارات افتعلت أشكال خلل في منتجاتها، لتعلن عن سحبها من الأسواق، في تأكيد أنها ليست في أزمة، وأن كل ما تبقى من منتجاتها خالٍ من العيوب.
فماذا فعلنا نحن في مواجهة حملات التشهير التي لاقاها منتجنا الغذائي في الأسواق الأوربية مثلاً، ومنع مفعول المزاعم التي نشرت هناك، ونظنها كفيلة بالقضاء على كل أحلامنا في هكذا أسواق؟ كيف استفسرنا وكيف أجبنا، وتحرّينا؟ أي حملات مضادة قمنا بها، وكيف استفدنا من وسائل الإعلام للرد؟