حقيقةً؛ ثمة قضايا لا يجوز أن نملّ من تناولها، وأسئلةٌ يتوجّب طرحها كلّما دعت الضرورة ذلك، إذ برغم بديهيّة تشييد الجدران و الأعمدة قبل سقف الغرفة، لا بدّ لنا، كلّما شرعنا في بناء غرفةٍ من تنبيه معمارٍ غير خبيرٍ قائلين له: كيف لك أن تضع سقفاً للغرفة قبل أن تشيد جدرانها وأعمدتها؟
وكذا هي حال الحكومة الإلكترونية، كلّما تحدّث بشأنها مهتمٌّ، أو كتب فيها من يدّعي الاختصاص، تتبادر إلى الذهن أسئلةٌ تبدأ بأداة الاستفهام: هل.
و هاكم بعض هذه الأسئلة:
1ـ هل تدرك إداراتنا امتداد طيف تأثير الحكومة الإلكترونيّة ليشمل إضافةً إلى الإجراءات و الطرق وجمع وتحليل المعلومات نواحي إداريّةً تدخل في صميم عمليّة الإصلاح الإداريّ، مثل: الصلاحيّات، و البنى التنظيميّة، وطرق اتخاذ القرار، و الرقابة، وتقييم الأداء و النتائج...الخ؟ و أنّ الموظّفين الذين اعتادوا قبض (إكراميّة) لقاء خدمة المواطن سوف يقاومون (شبح) الأتمتة و الحكومة الإلكترونيّة، لأنّ الحاسب سوف يقوم بأداء هذه الخدمات دون (إكراميّاتٍ)؟
2ـ هل تعي إداراتنا ضرورة البدء بالإعداد لدخول عصر الحكومة الإلكترونيّة، وأنّ الأتمتة خطوةٌ أولى لبناء هذه الحكومة؟ وهل قامت:
أ ـ بأرشفة أعمالها، ضماناً لسرعة الرجوع إلى المعلومات و الاستفادة منها.
ب ـ ببناء شبكةٍ داخليّةٍ للجهاز الإداريّ على المستوى الكلّيّ في المؤسسة، و على المستوى الجزئيّ الخاصّ بكلّ فرعٍ أو قسمٍ أو مديريّةٍ فيها، لتسهيل التعريف بالخدمات وتيسير الاتصالات الداخليّة الشبكيّة.
ج ـ بتوفير الأطر المختصّة بالأتمتة، وتأهيل العاملين الحاليين على مختلف التقنيّات الحاسوبيّة، وتوجيه برامج التدريب للعناية بهذا الأمر.
3ـ هل يعرف قادة مؤسساتنا أنّ عليهم أن يأخذوا بالحسبان كلّ ما تمارسه مؤسساتهم في العالم الحقيقيّ بعلاقاتها مع المواطن و المؤسسات و الجهات الأخرى، لأن الحكومة الإلكترونيّة هي إعادة هندسةٍ للواقع قبل وضعه تحت ولاية البيئة الرقميّة التفاعلية؟
4ـ هل رُسمت استراتيجيةٌ على أساس دراسة الواقع القائم لحلّ مشكلاته قبل المباشرة بنقله إلى العالم الرقميّ، حتى لا يتمّ نقل عيوب هذا الواقع إلى البيئة الإلكترونيّة؟
5ـ هل وُضعتْ خطّةٌ شاملةٌ لتأهيل أنشطة الحكومة اعتماداً على شبكات الاتصال و المعلومات، لخفض الكلفة، وتحسين الأداء، وتسريع الإنجاز وفعالية التنفيذ؟
6ـ هل تمّ تأهيل وتثقيف المواطن لربطه مع مختلف أجهزة الحكومة، وحصوله على الخدمات الحكوميّة بشكلٍ آليٍّ؟
7ـ هل هناك تصوّرٌ عن المتطلّبات و المعايير الحقوقيّة و القانونيّة لمباشرة الحكومة الإلكترونيّة نشاطها؟
8ـ هل تعرف الحكومة أنّ مفهوم الحكومة الإلكترونيّة "يعكس سعيها إلى إعادة ابتكار نفسها، حتى تؤدي مهامها بشكل فعال في الاقتصاد العالمي المتصل ببعضه عبر الإنترنت" ، و أنّ هذا الأمر يجسّد تحوّلاً جذريّاً (ثوريّاً) في الطرق التي تتبعها الحكومة لمباشرة أعمالها؟
9ـ ماذا حلّ بمشروع وزارة الاتصالات في وضع أسس ومراحل مشروع أتمتةٍ شاملةٍ لجميع مؤسسات الدولة، الذي اعتبرته وثيقة التعريف بالمشروع مرحلةً أولى ضمن خطّةٍ شاملةٍ متكاملةٍ تهدف إلى تأمين المناخ الملائم للحكومة الإلكترونيّة، علماً أن هذا المشروع انطلق في بدايات عام 2007؟
10ـ هل عرفتم الآن المسافة التي تفصلنا عن الحكومة الإلكترونيّة؟
Hsl.mahmoud@gmail.com