حظي إعفاء عدد من المديرين والمديرين العامين من مهامهم في محافظة حمص مؤخراً باهتمام واسع من الأوساط الشعبية والرسمية على حدّ سواء، وفتح النقاش واسعاً حول الأسس والمعايير والصيغة الفيصل في العمر الافتراضي والنموذجي لإدارة ما، وذلك استناداً إلى حيثية أن ثلاثة من المديرين الذين تم إعفاؤهم قضوا مايربو على اثني عشر عاماً في مواقعهم.
ففي حين هلّل كثيرون بالخطوة، آملين أن تكون إيذاناً بإعادة نظر شاملة في واقع إداراتنا القائمة ولاسيما الخدمية منها المتربعة على خط التماس مع الجمهور والتي كست بعضها طحالب البيروقراطية، أو علا بعض مفاصلها الصدأ -على الرغم من حداثة عمرها - ليغدو فرق المسافة شاسعاً بينها وبين شعارات من طبيعة «تبسيط الإجراءات» و«اختصار الورقيات» و«توفير الوقت والجهد» والهوة مابينهما سحيقة تستلزم بعد العضّ طويلاً على الجرح الاتكاء على مقولة: إذا مانفد العلاج فآخر الدواء الكي! لاحباً بفعل الكي ومايستبطنه من آلام مبرحة، ولكن نشداناً لشفاء ذي طابع جماعي لابدّ دونه من آلام.
ذهب البعض إلى اعتبار أن عمر الإدارة المديد يجب ألا يشكل مثلبة أو ينظر إليه كعيب فيها، فالإدارة المعمّرة المتمرسة أكثر نضجاً ومرونة وإحاطة بملفاتها وبمفردات عملها المادية والبشرية من نظيراتها غضة العود، إذ عركتها التجارب وزودتها الأيام بالخبرات بما يمكّنها من تفادي الوقوع في أزمات، وفي حال وقوعها هي أقدر- وبما لايقاس- على إدارة الأزمات في قطاع عملها من سواها، ليسجل البعض الآخر رأياً مغايراً يقضي بضرورة التغيير والتجديد من خلال ضخ الدماء الشابة في الجسم الإداري تجنباً للشيخوخة الإدارية المبكرة والآيلة إلى الترهل والاسترخاء السلبي كنتيجة مافتئت تثبتها يوماً بعد يوم صيرورة الأشياء المرتبطة بالإنسان كمحور لنشاطها، كما في القطاع الخدمي أو كمشغل لداراتها التي يتشابك فيها المادي بالبشري، كما في قطاع الإنتاج والصناعة أو حتى كحامل لمشروعها كما في قطاع الفكر والثقافة والأدب والفن. إذ يشكل الإنسان عماد هذه القطاعات جميعاً مايحتّم- من وجهة النظر هذه- تحديد عمر الإدارات بمستوياتها كافة وتقنينها بفترة زمنية محددة إفساحاً في المجال لطاقات وكوادر جديدة، وكحثّ على المبادرة وحضّ على الإبداع والتطوير.
والحال أن ثمة تقاطعات جوهرية في ارتسامات وجهات النظر المدرجة على الرغم من تباينها شكلاً، هاجسها الارتقاء بواقع الإدارة ومخرجاتها لتغدو قيمة مضافة تصبّ في خانة الصالح العام، وتفضي - فيما تفضي- إلى ضرورة التقييم المستمر لأداء الإدارات بمستوياتها كافة أياً كان عمرها، بالتالي معيار بقائها أو تجديدها، مايشكّل في النهاية حافزاً ذاتياً لها لتطوير نفسها بما يواكب النظم والمعايير الإدارية المتقدمة.