|
|
|
|
أدونيس في يوم للشعر على الشعر في معرض بيروت الفرنكوفوني ..لوكليزيـو المتواضـع علـى الطريـق الطويـل إلـى نوبـل |
هو يوم شعري بامتياز. هكذا بدا معرض بيروت للكتاب الفرنكوفوني، يوم السبت الماضي، إذ شهدت قاعاته المختلفة، العديد من القراءات الشعرية التي تراوحت فيها الأسماء، ما بين الأسماء الحاضرة على الساحة الشعرية، وما بين الأسماء الشابة التي تطل، ربما لأول مرة، من بيروت. ولا أقصد فقط الأسماء اللبنانية التي تكتب بالفرنسية، بل أيضا الأسماء الغربية، التي وجدت في المعرض فرصة متاحة لتقديم نصها إلى الجمهور اللبناني. لنبدأ أولا، بالأمسية «المختصرة» التي جمعت أدونيس وفينوس خوري غاتا. صوتان كبيران حاضران في شعر اللغتين، العربية والفرنسية، أكان عبر الكتابة مباشرة بهاتين اللغتين، وإما من خلال ترجمة شعرهما إلى اللغة المقابلة. أقول مختصرة، لأن أدونيس لم يرغب في القراءة أكثر من خمس دقائق وقد فعل ذلك، مثلما قال، احتراماً «للذين حضروا» (ولم يكن العدد كبيراً في جميع الأحوال) قبل أن يعلن «إني أقاطع هذا المعرض منذ الآن نهائياً بسبب سوء التنظيم». هل من سوء تنظيم فعلي؟ -(وأعرف أن أدونيس أشار إلى عدم وجود حتى كأس ماء على الطاولة، ليصوب الكلام إلى ما هو أعمق) – من هنا سأترك هذا الأمر، لأتحدث عن شيء آخر. من المشكلات التي تبدّت أمس في المعرض ليست كثرة النشاطات – وهذا شيء إيجابي – ولكن عدم درس كيفية وضع النشاطات وعدم تنسيقها إذ يحتار المرء في أن يحسم خياراته للوهلة الأولى، قبل أن يقرر ما يراه هو مناسباً له ولمزاجه إذا أردتم. المقاطعة أدونيس ليس شاعراً عادياً (أأحببتم شعره أم لم تحبوه)، بل هو شاعر يملك أكثر من حضور، ومن المعيب بحق ثقافتنا أن يأتي الإعلان عن أمسيته بهذه الطريقة، أي في خانة القراءات العادية، ليتساوى بذلك مع مبتدئين بالشعر. لست هنا في وارد إطلاق معيار قيمي على الشعر (وإن كنت لا أرفضه وأصر عليه) بل أريد أن أشير أنه لا يمكن أن نساوي مطلقاً، على الأقل من خلال التجربة والعمر الشعريين، بين الجميع. أضف إلى ذلك، أن ما من شخص من مسؤولي المعرض، كان في استقباله، لدرجة أنه اضطر شخصياً إلى استقبال من جاء للاستماع إليه. فأن يوافق أدونيس على أن يقرأ في معرض للكتاب، هو بالتأكيد نقطة في صالح أي معرض، لكن ماذا تفعل حين يرغب هذا المعرض في التصرف بطريقة لا تدل على أنه يعرف فعلاً الثقافة الأخرى. وهذا الكلام الذي يصح على أدونيس يصح أيضاً على فينوس خوري غاتا، التي كانت شريكة أدونيس في القراءة، إذ هي أيضاً حاضرة في الثقافتين اللبنانية والفرنسية التي اعترفت بها هذه الأخيرة، على الأقل، بحيث أعطتها جائزة الأكاديمية الفرنسية مؤخراً، وهي ليست بالجائزة العادية. وأيضاً وأيضاً، المطب ذاته مع الزميل عباس بيضون، الذي وقع كتابه الأخير «أبواب بيروت» (الصادر عن أكت – سود» بترجمة فرنسية، في جناح فيرجين) إذ كان من المفترض أن يقرأ مقاطع منه بالعربية على أن تقرأ ريتا بدورة الترجمة الفرنسية، إلا أننا اكتشفنا أن القراءة كانت ستتم في الجناح نفسه، وسط العجقة، ما دفعه إلى إلغائها نهائياً، وحسناً فعل. أقول ذلك وفي ذهني ما جرى من إفراد لقاعة من القاعات لمدة ساعتين لفريق شعري بلجيكي – فرنسي (مايلستروم فيستيفال نوماد)، لا تستطيع أن تميز منه شاعراً حقيقياً واحداً، ولا أبالغ إن قلت جملة مفيدة واحدة، فهذا أمر يطرح أكثر من علامة استفهام. كلّ المسؤولين عن المعرض، من جانب البعثة الثقافية الفرنسية، تحدثوا قبل بدء المعرض عن أهمية أن يكون المعرض ليس فقط نقطة حوار وتفاهم بين الكتاب اللبنانيين والفرنسيين والفرنكوفونيين، بل أن يكون قبل أي شيء نقطة لقاء بين كتاب لبنان الذين يكتبون بالعربية والذين يكتبون بالفرنسية، وهذا ما لم نشاهده حتى الآن. في أي حال وبالعودة إلى أمسية أدونيس وفينوس خوري غاتا، فقد بدأت غاتا بقراءة بعض القصائد من كتابها الأخير الحائز الجائزة، لتشدنا فعلاً قصيدتها أو لنقل «مرثيتها» للشاعر الراحل كلود استيبان، قبل أن تقرأ مقاطع لأدونيس بالفرنسية، الذي ختم – لدقائق – بمقطع من قصيدته «أبجدية ثانية». (وللمناسبة نذكر أنه بدعوة من الجمعية اللبنانية لتشجيع المطالعة ونشر ثقافة الحوار ومن بلدية الميناء كانت فينوس خوري غاتا قد أحيت، أمسية شعرية في بيت الفن في الميناء. حيث قدمتها زهيدة درويش جبور، التي نوهت فيها بأهمية المكانة التي تتمتع بها الشاعرة على الساحة الأدبية في فرنسا والعالم الفرنكوفوني، كما كانت كلمة لرئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين الذي أكد على أهمية الحوار بين ضفتي المتوسط مثمناً مساهمة الشاعرة في إرساء قواعده عن طريقة الكتابة الأدبية. ثم ألقت الشاعرة مجموعة من قصائدها بالفرنسية وواكبتها زهيدة درويش بقراءة من ديوان «ليل القراص» الذي قامت بترجمته وصدر عن دار النهار. وبالمناسبة قدّم رئيس البلدية لكل من الشاعرة وللدكتورة زهيدة درعاً تكريمية). أحلام شاهقة لم أكن أعرف أن العلم اللبناني مزروع فوق قمة الايفرست. من هنا شكل لي الأمر مفاجأة، بينما كنت أتجول بين أروقة المعرض، إذ لفتني جمهور غفير التف حول شخص كان يشرح أمراً وهو يعرض فيلماً. هي الحشرية التي قادتني لأكتشف «مغامراً» لبنانياً، يعمل في المجال المصرفي (بنك عوده)، استطاع الوصول إلى أعلى قمم العالم. مناسبة الشرح إطلاق كتابه «أحلام شاهقة: رحلة إلى أعلى قمة في العالم» من جناح بيروت عاصمة عالمية للكتاب. كتاب يروي، مثل الفيلم، الكثير من الجوانب المختلفة التي اعترضت شعيا في رحلاته المختلفة وصولاً إلى قمة إيفرست. من هنا و«تخليداً» لهذه المغامرات التي جعلت منه أول لبناني يصل إلى هناك، يأتي الكتاب ليروي لحظات الفرح والحزن، الخيبات والانتصارات، الجوانب الإنسانية التي تشعر بالوهن ومن ثم العزيمة. عالم ساحر يفرده المؤلف في 16 فصلاً وأكثر من 700 صورة ملونة، مليئة بثقافات مختلفة نكتشفها في كل مكان وصل إليه. لوكليزيو كأن مكاناً فرغ من ناسه في بيروت مساء أمس السبت، ليأتوا ويجتمعوا في القاعة التي شهدت تحية للروائي الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو (حائز نوبل للأدب عام 2008). إذ قد تكون من المرات القليلة التي يجتمع فيها هذا العدد من الجمهور لحضور أمسية حوارية مع كاتب ما. أمسية بدأت بتحية من تلاميذ الليسيه الفرنسية الكبرى الذين قرأوا في طقس مسرحي جميل ولطيف بعض المقاطع من كتب لوكليزيو الذي كان لطيفاً بدوره ورد التحية حين صعد فوق المنصة بأن شكر التلاميذ مردداً أسماءهم واحداً واحداً، وإن دل ذلك على شيء، فهو على هذا التواضع الذي يتمتع به أي كاتب حقيقي. الحوار مع لوكليزيو أداره الكاتب اللبناني ألكسندر نجار وقد تفرع إلى عدد من الموضوعات، انطلاقاً من سيرته الذاتية
وخياره في الكتابة باللغةالفرنسية بعد أن حاول في البداية أن يكتب بالانكليزية، وصولاً إلى أدبه وجائزةنوبل، وأبرز الموضوعات التي تطرق إليها. حوار أدخلنا عبر أجوبته، إلى هذا الوجهالذي تكتشفه، والذي يشبه بعمقه هذا الأدب الذي كتب طيلة مسيرته التي بدأت وهو لميصل بعد إلى الثلاثينيات. أدب تشعب بين الرواية والبحث وأدب الرحلة لكنه عرف كيفيلتقط تفاصيل الحياة التي يعيشها، أي هذا الواقع الراهن الذي عبر عنه.
|
|
الإثنين 2009-10-26 | 09:47:50 |
|
|
|
|
|
|
|