سيريانديز – فريال أبو فخر
جاء ظهور الأمثال في بداية نشأتها مرتبطاً بقصص لها بالغالب طابع الحكاية التي تتعلق بموقف محدد أو حادثة معينة ، وكانت كتب الأمثال العربية العريقة تحتوي على كثير من القصص التعليلية للأمثال ، فلكل مثل له قصة تعلل حدوثه أو بمعنى آخر كانت كل قصة تنتهي بعبارة مأثورة تصبح مثلاً .
وتضم قصص الأمثال كثيراً من الشخصيات التاريخية أو الخرافية ، وقد تكون محاور القصص الحيوانات أو النباتات أو الأماكن ، ولا يتحدد مضمون هذه القصص في الغالب بزمان أو مكان حيث كانت ترتبط بأسماء متغيرة وقوالب جامدة ، كما هي الحال في قصص التسلية بصفة عامة .
ويشكل الخيال عنصراً مهماً في نسج خيوط هذه القصص التي اعتمدت في كثير من الأحيان على المبالغة والغرابة في آن معاً . وقد أشار المستشرق " رودلف زلهايم " في كتابه " الأمثال العربية القديمة " إلى انتقال موضوعات هذه القصص في الآداب المختلفة ، فيرى أن بعض هذه القصص تصور اللخميين قبل الإسلام ومن هذا يمكن أن نستنتج أن بعض القصص والحكم الغربية في الأدب العربي قبل الإسلام قد دخلته عن طريق اللخميين في الحيرة ، وربما عن طريق الغساسنة في الشام كذلك ، ومن الممكن أن بنو تميم الذين كان مركزهم في إمارة اللخميين في الحيرة هم الذين نقلوا مثل هذه الموضوعات .
أما علاقة الأمثال بالقصص التي ارتبطت بها فهي علاقة أوجدتها ظروف العصر الذي نشأت فيه ، وهذا ما يشير إليه عبد الرحمن شلش في كتاب " عالم الأمثال الشعبية " حيث يقول : فالأمثال كانت في البدء قصصاً لكن كل مثل قديم لدى العرب كان له قصة تعلل حدوثه ، وعلى ذلك فإن القصة أسبق بالظهور من المثل إذ أن تلك القصة جاءت أقدم في النشأة من المثل ، وكانت تنتهي بعبارة مأثورة صارت مثلاً متداولاً ثم نسيت القصة ، وثمة تغيير أو تحريف في كثير من الأمثال الشعبية عن العرب وهي تختلف من بيئة إلى أخرى ومن لهجة لأخرى .
ومثال على تنويعات المثل العربي في بعض البيئات العربية فيقال مثلاً : جاء في المثل العربي إذا ذكرت الذئب فأعد له العصا ، في مصر يقولون : إذكر الذيب وهيئ له القضيب ، في العراق : تذكر الكلب فحضر العصا ، في الكويت : إذا اطيرت الكلب ولم العصا ، في السعودية : إذا أطريت الكلب فولم العصا .
وأخيراً فثمة ملامح مشتركة بين بعض الأمثال العربية ومرد ذلك إلى تشابه التجربة الإنسانية بصفة عامة وتشابه الأدب الشعبي بصفة خاصة .