سيريانديز – هيثم قحف
افتتح مساء يوم السبت 6/2/2010 في صالة النهر الخالد بحمص معرض للفنانين اسماعيل الحلو وسهام منصور ضمن ثنائيتهما التي جابت صالات العرض في القطر العربي السوري.
ضم المعرض 30 عملاً زيتياً مناصفة بين الفنانين، إذ كان كلاهما متباين الرؤية اللونية والنصية والأسلوب عموماً فإنهما متقاربا الرؤية الفكرية التعبيرية إلى حدّ ما ويلتقيان كثيراً في التأكيد على أن العمل الفني لديهما ليس مجرد قيمة لونية جمالية فحسب بل فكر ومبنى ودلالات، ربما يكون الخيط الرفيع الخفي الذي يربط كلا المجموعتين من الأعمال هو ذلك الانكفاء إلى الذات الصامت لشخوص الفنان اسماعيل الحلو وأحصنة الفنانة سهام منصور بالرغم من أن الأحصنة تريد أن تنطلق غالباً مقارنة مع الشخوص الحائرة والسلبية المنتظرة.
تغلب العفوية المدهشة على أعماله العقلانية في التعامل معها.. مساحات بسيطة... خطوط تختزل الأشكال... توجه نحو التحوير.. والتأكيد على التعبير من خلال استلهام الروح العفوية للفن الشعبي الفطري، ويستوحي الفنان الحلو مواضيعه من الحياة اليومية للريف حيث الطبيعة البكر والبساطة المخيمة تبدوفي أعماله العلاقة ووضوحها ما بين الإنسان والمكان والأشياء من حوله مع الحاح على الوحدة والعزلة والتوحد مع داخليات هذا الإنسان الحالم الذي يعيش حالة من الانتظار الدائم..
تطالعنا شخوصه هذه سامية متأملة، وديعة الملامح، عيون حائرة، يدان مترافقتان... أكف مضمومة... أقدام ثابتة الرسوخ.. عالمها أقرب إلى عالم الطفولة الرحب الفطري النظيف وتكاد تشبه شخوص الإيقونات في حركة الأيدي والأرجل المشار إليها آنفاً.
تحفل الأعمال بالرموز والعناصر "شجرة- عصفور- كرسي- قنديل- سمك..الخ" وقد تفصل بينهما خطوط أو تحددها وهي تتوزع على مساحات لونية صريحة تتنوع درجاتها على خلفية من التقطيعات الهندسية.. تميل هذه المساحات غالباً إلى أجواء اللون الترابي وما ينتج عنه مع تأكيد جريء على إضافة الأزرق الحاد أو أي لون آخر مغاير يمنح العمل حيوية وحركة في كسره لرتابة الألوان وشاعريتها من جهة وللصمت المرافق لعالم الأشكال الإنسانية في اللوحة من جهة ثانية.
استطاع الفنان الحلو اقناعنا في معالجة لإنسانه وعزلته وحواره الدافئ الحميمي مع الطير والشجرة والسمك والتصاقه بالمكان بحب في خصوصية جميلة أليفة مكنته من امتلاك أداوته الفنية والتعبيرية التي تخطت آفاقاً أرحب لتجربة سبقته كنا قد لمحنا بعض تأثيراتها في أعماله الأولى.
الفنانة سهام منصور:
على الرغم من أن الحصان يشكل المحور الأهم في تجربة الفنانة سهام منصور إلا أنه في مشاركتها هذه يتراجع قليلاً أمام رموز وإشارات وعناوين أخرى عبرت عن أفكارها ومواقفها ناهيك عن إبرازها للألوان كتيمة تعبيرية ذات مدلول وتجربتها الفنية يسيطر عليها معيارين "الحس التلقائي صورت من خلاله الواقع المحيط وكشفت من خلاله أيضاً العنصر النباتي في تصميم اللوحة، ففي أعمالها السابقة هنالك توتر حسي كانت تعانيه وصورته بإيقاعات جميلة وموحية، وينبض تعبير شديد التأثير، التكوين عندها هو شعر صامت له بلاغته وبيانه وتعبيره الخاص الذي يتميز بالحيوية والانفعال الدافئ حيناً والصاخب أحياناً وزعت ألوانها بحوار ذاتي وبحثت عن الانسجام الذي يبعث في النفس حالات من المشاعر والأحاسيس لونها بضوء القمر الهادئ بإضاءته ألوانه وأحياناً نراها تصدح وتتلألأ في قمم الإبداع.
تارة تستخدم اللوم بكثافة مع اختزال الشكل وتقدم الجانب التعبيري المأساوي للواقع وللإنسان بشكل خاص بصيغة الرمز المحبب "الحصان" حيث تدمج بين الأشكال والمضمون بقالب جديد ورؤية خاصة لها صلاتها بالتعبيرية من جهة وبالتجريدية أحياناً من جهة ثانية عبرت في أعمالها عن العالم اليومي- أحزان- الضياع- الصمت- مقاومة الغدر- الاستعمار.. الخ
كما عبرت عن السمو- الشهامة- الأصالة- الانطلاقة- كي تعطي فكرة واضحة عن ارتباطها بالأرض ومحاولة الانعتاق والتحرر.
أما من حيث صياغة اللوحة "بالحس النباتي" فهو يأتي مع التصميم والتكوين والتحوير وبناء اللوحة الذي يسعى به بالبحث والتأليف الجديد لتبتعد عن التكرار وليعطي رؤية لا متناهية وتوازنها الخاص وقيمتها التشكيلية والتجريدية المشخصة أحياناً مستخدمة الصياغة الحديثة لتريح عين المشاهد..