سيريا نديز – علي محمود جديد :
يستمر معرض التصوير الضوئي للفنان عبد الحميد هلال في المركز الثقافي الروسي وبإقبال جيد لليوم الثاني على التوالي، حيث يضم هذا المعرض الذي افتُتِح مساء الثلاثاء الماضي 44 لوحة فوتوغرافية، كان قد شحنها بنفسه وبالسير العام من قريته " الدالية " في منطقة جبلة، متكبّاً عناء السفر، والتكاليف التي لايجد نفسه حملاً لها، وذلك كله لعرض تلك اللوحات في هذا الصرح الثقافي، البعيد عن قريته أكثر من 300 كيلو متر .
ويأتي هذا المعرض بعد غياب عبد الحميد نحو ثلاث سنوات عن دمشق، حيث كان آخر معرضٍ له في دمشق عام 2007 في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، ولكن هذا بالنسبة لدمشق، غير أنَّ عبد الحميد هلال لم ينقطع عن إقامة المعارض في جبلة واللاذقية وبانياس وفي العديد من المدن والمحافظات السورية .
وقد استطاع عبد الحميد هلال من خلال صوره أن يُعانق أحاسيس الناس ويلفتَ انتباههم إلى هذا النمط المختلف الذي يتعاطى فيه مع الطبيعة والأشياء، ومع الناس ومعاناتهم وأحوالهم الفريدة، الحلوة منها والمرّة، وقد لوحظ في معرضه الذي يستمر لعشرة أيام حتى الرابع والعشرين من حزيران الجاري، اهتمام إعلامي غير مسبوق بالنسبة لمعارضه السابقة، إذ لم يهدأ الأستاذ عبد الحميد طوال ساعات ما بعد الافتتاح من كثرة اللقاءات الصحفية والتلفزيزنية، التي كان يتحدّث فيها دائماً عن ولعه بالطبيعة وتعايشه معها بكثير من الإلفة والمتعة.
وقد عبّر عبد الحميد هلال لسيريا نديز عن تفاؤله بهذا المعرض، مسجّلاً ملاحظة بدت غالية عليه وهي أنَّ الناس قد بدأت تهتم أكثر بمثل هذه الأعمال، وعبّر هلال عن أمله في أن يُمكّنه هذا المعرض من كسر طوق المحلية ليخرج به وبأعماله إلى العربية والعالمية، لاسيما وأنه يثق بأنَّ أحداً آخر في العالم لم ينتبه إلى تفاصيل الطبيعة الدقيقة مثلما انتبه هو إليها وسجّلها عبر الكاميرا، وعبر عدسته التي سخرّها لفصفصة جزئيات رائعة لاتخطر على بال أحد..!
زوروا هذا المعرض لعبد الحميد هلال في المركز الثقافي الروسي بدمشق، ولن تنسوا روعة ما سوف تُشاهدون.
بورتريه:
عبد الحميد هلال .. قروي " قح " من قرية الدالية الجميلة، الغافية في أحضان طبيعة خلاّبة تُطل على جبالٍ ووديان وغاباتٍ وصخور لا أجمل ولا أروع، كانت هي الملهم الأكبر لأن تدبّ الروح في عدسة كاميرته.
وعبد الحميد اليوم عمره ثلاثة وستين عاماً، فهو من مواليد عام 1947 غير أنَّ قلبه ما يزالُ شاباً ينبضُ بالحيوية والحياة ، يتذوّقُ الجمال .. وتلفتُ انتباهه الصبايا الحلوة، ويشعر بالنشوى لوجودهنَّ حوله،حتى وإن كانت الواحدة صحفية لاتريد منه سوى أن تسأله عن شيءٍ حول لوحاته الساحرة.
عبد الحميد هلال اليوم أحد العاملين في الدولة المتقاعدين، الذين أمضوا حياتهم يأكلون من عرق جبينهم وكدّهم وتعبهم، وهو من الذين كرّسوا حياتهم للاهتمام بالأجيال القادمة ومستقبلهم، ومن ثم للاهتمام بالكاميرا، فعبد الحميد مربّي أجيال، هو مُدرِّسٌ فَذّ للغة الانكليزية، حيث درّسَ هذه المادة في ثانوية قريته الدالية، كما درّسها سابقاً في بعض ثانويات القرى المجاورة لقريته، كثانوية الشهيد فايز كردغلي في قرية " دوير بعبدة " وذلك في بداية سبعينات القرن الماضي، وكان لي شرف تلقّي دروس الإنكليزية على يديه، ويمكنني القول أنه كان أُستاذاً بارعاً وقادراً على الدخول في دروسه إلى أعماق قلوبنا.
عبد الحميد هلال درس المرحلة الابتدائية في قرية الدالية، لينتقل بعدها إلى المرحلة الإعدادية في مدرسة أبي العلاء المعرّي الخاصة في " الطواحين " التي كانت ملاذاً لأبناء المنطقة كي يُكملوا تعليمهم بعد الابتدائية، ولم يكن لافي الدالية ولا في الطواحين ولا في دوير بعبدة، ولا في أية قرية مجاورة أخرى أية مدرسة ثانوية، فهذا امتيازٌ – في تلك الأثناء – تختصُّ به المدن الكبيرة، وهذا ما دفع عبد الحميد هلال للاتجاه نحو مدينة جبلة التي تضم بين أحيائها العديد من الثانويات، فأكملَ مرحلة التعليم الثانوي هناك.
حصل عبد الحميد على شهادة التعليم الثانوي في أواسط الستينات، ولم يكن في اللاذقية وقتها شيءٌ اسمه " جامعة تشرين " فكان من الطبيعي أن يتجه إلى إحدى الجامعتين الوحيدتين في دمشق أو في حلب، فاتجه عبد الحميد إلى جامعة دمشق، وقبل ذلك رتّبَ أوضاعه السكنية، حيث استأجر غرفة " عند نهر تورا " بالقرب من كراجات العبّاسيين الآن ، يقول عنها بأنها كانت غرفةً " بلا ماء ولا كهرباء ، ولا قفل ولا مفتاح " ودخل بعد هذه الترتيبات اللوجستية كلها كلية الآداب – قسم اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق، وتخرّج بمعدّلٍ جيد، تخرّج عاشقاً للأدب الإنكليزي ومنغمساً فيه، لدرجة أنه امتلك القدرة على صياغة قصائد شعر باللغة الإنكليزية، ويقول إنَّ لديه اليوم نحو خمسين قصيدة باللغة الإنكليزية.
عبد الحميد هلال يعتزُّ اليوم كثيراً أنَّ إذاعة دمشق استضافته يوماً في برنامج عنوانه " ذي أرب آند ذا ويرلد " أي : نحن والعرب والعالم ، حيث أجرت معه الإذاعة مقابلة لمدة نصف ساعة ، يصفُ نفسهُ أنه فيها كان شاطراً، حيث قرأ شعراً باللغة الإنكليزية، وقرأ شعراً من قصائده.
وسألتُ الأستاذ عبد الحميد هلال عن فحوى قصائده الشعرية فقال: إنها مُجرّد خواطر مُتناثرة مثل صوري .
عبد الحميد هلال متزوّج من السيدة الفاضلة " نوال علي " أم رشاد، التي تُعاني منه كثيراً .. وتُحبّهُ أكثر، وله أربعة أبناء " ربى ، ورشاد ، وفارس ، ويامن " يحبّونه كثيراً ويعيشون معه كأصدقاء.
نتمنى لعبد الحميد هلال الخير والتوفيق والعمر المديد والمزيد من مثل هذه الصور التي تنقلنا – في طبيعتنا – إلى طبيعةٍ أخرى رائعة.
