الأحد 2008-01-05 23:48:33 السياحة والسفر
متحف المعرة.. كنوز من الفسيفساء الجميلة

على حجر من المرمر مستطيل الشكل أعلى المدخل كتب: بنى هذه الواحة لله تعالى مراد جلبي باشا أمين دفاتر الديوان السلطاني العثماني فمن منع فقيراً او دوابه شتى فعليه لعنة الله والملائكة والناس بطرق شتى.. سنة (971 ه-1554م).

 

هو متحف المعرة الذي كان خاناً عثمانياً ومحطة استراحة على طريق قافلة الحج القادمة من استنبول الى الديار المقدسة والمسماة بقافلة الحج الشامي . وثمة خانات اخرى على ذلك الطريق (خان طومان, خان السبل, خان شيخون..) ويعتبر خان جلبي باشا تحفة معمارية كما يقول الاستاذ غازي علولو رئيس دائرة آثار معرة النعمان اذ يمتد على مساحة 6000م2 يضم أربعة أجنحة ويحصر كل جناحين ممرات تؤدي الى المرافق الخدمية. يتسع الخان ل 800-1000 نزيل مع خيولهم ودوابهم , وثمة مسجد وتكية وسوق للغلال والبيع والشراء في طليعة متاحف الفسيفساء.‏

في عام 1987 تحول الخان الى متحف يضم اللقى الاثرية من منطقة معرة النعمان الغنية بعنصر زخرفي هام جداً, فرصف الارضيات بالموزاييك او الفسيفساء نشأ في العصر الاكادي حيث رصفت ارضيات البيوت بالقطع الصدفية والبلاط الحجري, ثم أصبح فناً سورياً خالصاً.‏

يأتي متحف المعرة في طليعة المتاحف المتخصصة بالموزاييك على مستوى العالم اذ تعرض فيه حاليا 1600م2 من الموزاييك وثمة 400م2 اخرى موجودة في المستودعات فقد ضاق المتحف بمحتوياته وما يتم العثور عليه من قطع جديدة تبقى محفوظة محمية في اماكنها . يتكون المتحف من أربعة أجنحة يتميز كل منها بمجموعة من لوحات الموزاييك أو الفسيفساء وهي:‏

-الجناح الاول:‏

ويضم لوحتي - فركيا- الجميلتين , وفركيا هي احدى القرى الاثرية في جبل الزاوية تتحدث اللوحة الاولى عن الاخوين روميو وروميلوس وذئبة ترضع الطفلين وهي حكاية معروفة في المصادر اللاتينية القديمة ويعود تاريخها الى القرن التاسع قبل الميلاد وتتحدث عن تأسيس مدينة روما والصراع بين الاخوين روميو وروميلوس والشقيقين نيمتور واميليوس واغتصاب العرش ويعود تاريخ اللوحة الى سنة 910م, اما اللوحة المقابلة لها فتعود لأرضية غرفة في كنيسة مؤرخة سنة 510م وكتب عليها : ( بلطت هذه الغرفة في عهد بولس سنة 510م) وتتوسط اللوحة جرة كبيرة تخرج منها شجرة الكرمة تتفرع الى جامات دائرية تضم صورا لحيوانات من البيئة المحلية ومطاردات وبعض الزخارف .‏

-الجناح الثاني‏

وفيه لوحتان أيضاً الاولى لوحة أم حارتين تتألف من حنيتين أرضية وفيها ثوران متناظران يفصل بينهما عمود عليه جرة كبيرة ويرمز العمود الى عمود القديس سمعان العمودي وعليه كتابة بالسريانية , اما الحنية الاكبر فتمثل ثورين متناظرين يفصل بينهما شجرة الكرمة وثمة حيوانات وطيور وطائري طاووس يرمزان الى الخلود عند المسيحيين.‏

ثم هناك لوحة الهواة وهي بديعة للغاية مؤرخة عام 567م ترمز الى القديس سيرجيوس وتتحدث عن البعث والقيامة ويتوسطها في الاعلى نسر يفرد جناحيه كرمز لذلك القديس,وثمة لوحة مشابهة لها موجودة في متحف استنبول تحمل ذات المعنى وهناك الفينيق حيث يرمز رأسه الى الشمس وموطنه الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية وقد عرف في المدونات الصينية والهندية ثم انتقل الى اليونان واصبح شعاراً للدولة الرومانية وكان قبل ذلك شعارا لدولة الاراميين ودولة تدمر فهذا هو النسر السوري المجنح الذي يهاجر في رحلة دورية كل 500 عام فيضع بيضته ليخرج من رمادها فينيق آخر يعود الى الربع الخالي.‏

وفي اللوحة عدد من الحيوانات المنقرضة لكن الفنان لم يتخيلها بل رآها في المنطقة (الفيل- النعام-السباع- الفهود-وحيد القرن..) اذ كانت معروفة في البيئة السورية فقد ذكرت المصادر التاريخية ان تحوتمس الثالث قد جاء الى منطقة قلعة المضيق- أفاميا وقد قتل فيلاً . ويقول الاستاذ علولو : قتلت آخر لبوة في سورية في منطقة ام الجمال عام 1955م وقتلت آخر نعامة عام 1944 كما تذكر المصادر الحديثة.‏

وفي الجناح ايضا لوحة تمثل مطاردة وقع ضحيتها ثور بين براثن احد السباع ودماؤه تسيل في مشهد تراجيدي مؤثر .‏

-الجناح الثالث‏

يضم عدة لوحات اهمها لوحة (كفرطاب) وعثر عليها في قرية تحمل الاسم نفسه وتقع غرب خان شيخون على بعد 3كم وقد ورد ذكرها في المصادر التاريخية وفي شعر أبي العلاء المعري .‏

وقد دمر ذلك المكان نتيجة زلزال عام 1157م ومعها دمرت شيزر وافاميا وما زالت بيوتها الطينية تحت الانقاض .‏

في عام 1999 علمنا بوجود ارضية من الفسيفساء وقد نقلناها الى متحف المعرة وهي جميلة جدا تحكي عن سبع يطارد وعلاً ذا قرون متشعبة وتتميز باطاراتها المرصوفة بنباتات الاكانتس ( الارضي شوكي) وهناك لوحة تلعاو تبلغ مساحتها 200 م 2 نقلت الى المتحف وبقي حوالي 650 م2 في مكان الاكتشاف وهي موثقة بكتابات يونانية قديمة تعود الى عام 438م.‏

-الجناح الرابع:ويتميز بلوحة هرقل الرائعة التي تعود الى القرن الثاني الميلادي أي الى الفترة الرومانية وتتميز بكعوبها الدقيقة والمتناسقة وبألوانها الرائعة وتحكي قصة تأسيس الامبراطورية اليونانية وكيف رأى زيوس رب الارباب (الكيميني) زوجة انفتريون- وهو رجل من مدينة طيبة اليونانية- فاتصل بها وحملت بعدها بطفلين . وفي اللوحة ما يصور ولادة هرقل ثم تحكي في سبعة اجزاء عن بطولاته ومطارداته واعماله الاسطورية وهو الذي وضع عمودين على مدخل البحر المتوسط من الجهة الغربية واصبح سيد المنطقة ومؤسس الدولة اليونانية وهناك ايضاً لوحة (التمانقة) التي تعطي نموذجا متكاملا للوحات الارضيات في الكنائس ولوحة (أم جلال ) وقد شاركت في معرض الآثار السورية في ر.افينا . ولوحة (معرشورين) حيث اظهر فيها الفنان البعد الثالث.‏

-جديد المتحف‏

في عام 2004 تم العثور على لوحة جميلة جدا نقلت من قرية (ترعي) التابعة لناحية التمانعة- الى مدينة روما حيث قام الايطاليون بصب هذه اللوحات على ألواح ( الايرولام) المرنة الخفيفة والمناسبة لعرض هذه اللوحات والتي تتصف بديمومتها ثم اعيدت الى المتحف الوطني بدمشق للعرض ( مساحتها15 م2 تقريبا) وستبقى هناك حتى انتهاء فعاليات دمشق عاصمة للثقافة العربية تعود بعدها لتستقر في متحف معرة النعمان.‏

هناك مشروع للعرض المتحفي بحيث يواكب المتحف اهم متاحف العالم والاهتمام بمعالجة اللوحات وترميمها وعرضها بطريقة مناسبة تتناسب والقيمة التاريخية والجمالية لهذه المعروضات .‏

وتعمل المديرية العامة للآثار والمتاحف على انشاء مدرسة لتدريب الكوادر الفنية المتخصصة في الفسيفساء حيث نشارك - والكلام للسيد علولو- في دورات على مستوى القطر وفي الاردن ولبنان .. لتكوين خبرات محلية رائدة كما اننا نتبادل الخبرات مع الجانب الاسباني والايطالي ولدينا منهج مستقل ينظر اليه بكل تقدير .‏

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024