الثلاثاء 2015-03-31 02:38:22 **المرصد**
شرم الشيخ وعاصفة جار السوء

د.تركي صقر

لا أحد يتوقع من القمم العربية الدورية أو غير الدورية الخير لأبناء الأمتين العربية والإسلامية بعد أن آل أمرها لحكام السعودية وقطر بل المتوقع أن تنتج  المزيد من الشر والأذى والمزيد من التخريب لحاضر العرب ومستقبلهم  فقد بات الجميع على قناعة تامة أن الجامعة العربية انقلبت في السنوات الأخيرة إلى مهلكة عربية تعمل تمزيقا وتدميرا وتقطيعا في الجسد العربي  ففي كل قمة نشهد أن بلدا عربيا يقع ضحية من ضحايا قراراتها العدوانية التآمرية ولعل الشواهد كثيرة من الصومال إلى ليبيا مرورا بالعراق وسورية والبحرين والقدس وغزة وكل فلسطين واليوم تأتي قمة شرم الشيخ لتكرس هذا الانحدار الأخلاقي والجحود بالأمة وقيمها وعروتها الوثقى عندما تتبنى العدوان الأمريكي السعودي اللئيم على اليمن مهد العرب والعروبة لتقسيمه وتقطيع أوصاله وسفك دماء أبنائه مثلما تبنت عدوان الناتو وقصف صواريخه على أبناء الشعب الليبي قبل ثلاث سنوات  فدمرت الدولة الليبية عن بكرة أبيها وتركتها نهبا للتفتيت والمذابح والفظائع  والاحتراب الداخلي بلا نهاية أو انتهاء .

ربما أصاب حكام السعودية الغرور وهم يرون رتلا من الحكام العرب المغلوب على أمرهم  يصطف وراءهم في همروجة إعلامية على وقع طبول الحرب على اليمن وربما خامرهم شعور بنشوة الانتصار لا على من يحتل القدس ويدنس المسجد الأقصى ويسحق شعب عربي بأكمله في فلسطين وإنما على شعب من أفقر شعوب العالم وسبب فقره وتعاسته تآمر جار السوء عليه طوال سبعين عاما لينتهي الأمر بهذا الجار الحاقد حقد الجمال إلى شن حرب ضروس مستخدما احدث ما انتجته صناعة السلاح في العالم ومجيشا تحت عناوين كاذبة أنظمة عربية وغير عربية للاستقواء عليه وإعادته صاغرا إلى بيت الطاعة الوهابي وتحت الوصاية السعودية إلى الأبد .    

وربما يتوهم حكام السعودية أن الحشد العربي والإقليمي الكبير والسريع  ضد اليمن قد تشكل بفضلهم أو تملقا لهم بينما يعرف الجميع أن الأوامر القاطعة  قد صدرت من واشنطن لهم ولغيرهم  من هذا القطيع الذي لا يجرؤ احد منه على الاعتراض أو معصية أسياده في البيت الأبيض حتى لو كان الأمر يتعلق  بذبح جاره أو قريبه أو شقيقه وهدم ما فوقه وما تحته  ويبدو أن الحقد والجنون سيطرا على آل سعود ففقدوا الحكمة والتروي و البصر والبصيرة فارتكبوا حماقة العدوان وأخذتهم العزة بالإثم دون أن يدركوا حجم الورطة التي تورطوا بها والفخ الذي نصب لهم من جراء تدحرج كرة النار في اليمن حيث ينبغي  أن تدرك السعودية قبل غيرها أن المغامرة البرية في اليمن باهظة الثمن ودونها عروشهم المهزوزة أصلا في الوقت الذي يجب أن تدرك قبل غيرها أيضا  أن الضربات الجوية لا تجدي نفعاً إلا إذا اقترنت بعمل برّي على الأرض، لكنها تعمّدت الدخول المباشر على خط الأحداث في اليمن لإدخال المنطقة في حرب مفتوحة، وفتح الأبواب أمام تصعيد خطير في ساحات الصراع  لن تقف حدوده عند اليمن على المدى المنظور على الأقل .

في حال لم يتوقف العدوان على اليمن خلال وقت قريب أولم يتم الإعلان عن التزام بالحل السياسي، فماذا سيجري ؟؟ من المتوقع أن لم يكن من المؤكد أن عمليات الرد سوف تبدأ، ويتوقع لها أن تكون شديدة للغاية، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام جر السعودية إلى حرب برية جربتها سابقا وخسرتها وستكون هذه المرة حرب استنزاف طويلة الأمد مع شعب اليمن بكامله وليس مع جزء منه كما حصل قبل سنوات في المناطق الحدودية  وهذا من الصعب أن تتحمله السعودية الجاثمة على برميل من بارود  حتى لواستعانت بريا بهذا الحشد الواسع ، وعلى حكام الرياض أن يتذكروا كم حشدت واشنطن من دول قوية في حروبها على أفغانستان والعراق وماذا كانت النتيجة ؟؟ وإذا كانت تراهن على قوات برية مأجورة من باكستان فهذا رهان خاسر سلفا لان فائض القوة لدى الجيش الباكستاني الغارق في مواجهة مفتوحة مع حركة طالبان  لايقدم ولا يؤخر .
وتحت عنوان أمن الدول العربية ومواجهة خطرا لتوسع الإيراني وخطر داعش  انعقدت القمّة العربية في شرم الشيخ وهي فمه تحركها وتضع جدول أعمالها دول الخليج وعلى رأسها السعودية كما جرى في القمم السابقة خلال السنوات الأربع الماضية ، وأخطر ما في الأمر أنّ هذه القمّة تساوي في الخطر بين إيران وداعش  ظاهريا ولكنها في المضمون تعمل على ترسيخ الصراع المذهبي في المنطقة وتغييب الصراع مع الكيان الصهيوني وشطبه عمليا من أعمال القمم العربية والقوة المشتركة العسكرية التي شكلتها قمة شرم الشيخ  ستكون في خدمة الأهداف السعودية  فقط  لتأجيج حقدها وجنونها ضد إيران ومحور المقاومة ولا تدري مملكة آل سعود أنها في حماقتها تنتج وبالاً ودماراً على نفسها في حال قررت  تغيير الواقع اليمني بالقوة، وهو أمرٌ سيترك بصمته على السعودية ودول الخليج برمتها وربما على مصر نفسها إذا ما تورطت في تدخلٍ عسكري إلى جانب دول الخليج وسنكون أمام تطوراتٍ خطيرة لن يكون بوسع أحدٍ التكهن بمسارها ونتائجها  .

ويمكن القول انه  إذا ما ذهبت الأمور باتجاه التدخل العسكري البري المباشر في اليمن، فإنّ هذا الحرب المجرمة  لن تكون مجرد نزهة وستكون مفتوحة على جميع الاحتمالات، وقد تشكل للدول المتدخلة عسكرياً مستنقعاً سيكون الخروج منه معقداً ومكلفاً، وهو أمرٌ ليس بعيدا عن حسابات  كل من أميركا و"إسرائيل" اللتان لا تمانعان في توريط الدول الخليجية ومصر في معركةٍ لا يعرف أحدٌ متى تنتهي فأميركا التي سحبت قواتها من اليمن، والتي تعمل ضمن استراتيجية عدم التورط المباشر بقواتٍ عسكرية أميركيةٍ لا يبدو أنها ستعمد إلى زج نفسها بحربٍ تعرف مدى تكلفتها البشرية وصعوبة النجاح بها وأمامها تجارب قاسية ومريرة لم تخرج من آثارها حتى الآن  ولا يبدو أن  أمريكا هي المحشورة هذه المرة وإنما الجهة المحشورة والمأزومة هم حكام السعودية الذين فشلوا في حروبهم الإرهابية القذرة في المنطقة وعدوانهم العسكري المتهور والأرعن على اليمن  محكوم عليه بالفشل مهما حشدوا له من دول وقد تكتب عاصفة جار السوء عاصفة الحقد والجنون السعودية بداية النهاية للحكم السعودي الذي حان الوقت كي يدفع ثمن جرائمه التي لا تعد ولا تحصى .

tu.saqr@gmail.com

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024