الخميس 2013-11-21 17:06:27 تحديث مؤسساتي
في مقاربة الاستحقاقات...منهج للتقييم والمتابعة في إدارة برامج العمل والأزمات

سنان الخير
لا نضيف شيئاً جديداً عندما نقول أن بلدنا سوريا تعيش حالة حرب كونية ولّدت أزمات على عدة صعد تستوجب من كل سوري أن يمارس دوره ويتصدى لها بكل عزيمة وإصرار ومنهجية علمية صحيحة. فالكل معني بما يجري مهما كبر دوره أو صغر ولكن ربما تكون المسؤولية أكبر على أولئك الذين يتصدرون خط المواجهة والمطالبين أكثر من غيرهم أن يكونوا خلاقين مبدعين وصبورين. إن التعاطي مع هذه الأزمات يشبه إلى حد كبير التعاطي مع أي مشروع أو برنامج عمل نسعى من خلاله إلى بلوغ هدف معين، وحقيقة الأمر إن حل أي أزمة يتطلب من المعني مبادرات على المدى القصير وعلى المدى الطويل. ربما نكون معنيين في تلك المقالة بالمبادرات ذات المدى البعيد كونها هي التي ستؤسس لحلول مستدامة تؤتي أكلها عندما تنجح حلول المدى القصير التي لا يختلف جوهرياً التعاطي معها عن التعاطي مع مبادرات المدى الطويل الا باختزال مرحلة أو ضغط أخرى بغية الوصول سريعاً إلى حل مناسب.
يجب عدم النظر الى المشروع على أنه فكرة أو كينونة معلقة في الفراغ معزولة عن ما حولها. فعادة ما تكون المشاريع وخاصة مشاريع الحلول التي تحاول الحكومة أن تتبناها، جزءاً من برنامج استراتيجي متكامل يعني قطاعات بعينها. فهي مشاريع تعني كامل المشهد على ساحة الوطن سواءً المشهد الإقتصادي، السياسي أو الإجتماعي، وبالتالي فهي تخص كامل شرائح المجتمع ولفترات زمنية طويلة. بناءً عليه يمكن القول أن المشروع هو إطار منطقي يضم جملة من الأنشطة يقوم بها مجموعة من الأشخاص المعنويين والاعتبارين ضمن آلية معينة من التعاون والتنسيق بغية الوصول إلى أهداف محددة سلفاً خلال فترة زمنية معينة وضمن ميزانية معروفة مسبقاً. وبذلك فإن مصطلح مشروع ممكن أن يتعدى الصورة النمطية المرسومة له فالمشروع ليس مجرد وؤشات وآلات وميزانيات فحتى بناء المستقبل هو مشروع.
وانطلاقاً من هذا التعريف نجد انفسنا معنيين بتحديد:
1- الأهداف التي نبغي الوصول اليها. فوضوح الرؤية وتعريف اهدافنا بدقة يجعلنا قادرين على رسم السياسات والآليات الصحيحية التي تساعدنا في الوصول الى هذه الاهداف، وهو ما يمكن أن نسميه الادارة بالطلب فبناءً على ما هو مطلوب منا تحقيقه تكون آلياتنا وأنشطتنا بحيث تتوافق هذه الأهداف مع احتياجات البيئة المستهدفة. ولكن كيف يمكن لنا أن نعّرف أهدافنا؟
إن تعريفنا للأهداف هو من حيث المبدأ توصيفنا للمشروع الذي ننوي القيام به وينصح أن ننطلق من النهاية وذلك بالهدف النهائي الشامل الذي نبغي الوصول له وهو عادة ما يكون هدفاً عاماً عريضاً، كأن نقول مثلاً المساهمة في تخفيض عدد الوفيات عند الأطفال الرضع في المنطقة X و والمنطقة Y. ثم نبدأ بتضيق نظرتنا نزولاً إلى هدف أو أهداف أكثر دقة تمثل الحالة المنتظرة من قبل الجهة المستهدفة من المشروع، وربطاً بالهدف السابق يمكن أن نقول: تحسين امكانية الحصول على الخدمات الصحية المتعلقة بالأطفال الرضع وذلك ضمن أفضل الشروط. ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي النتائج التي نرغب الوصول إليها والتي تساهم في تحقيق أهدافنا النهائية والفرعية وعلى سبيل المثال:

- تحسين السوية الفنية للطاقم الطبي؛
- تحسين نوعية البنية التحتية والمعدات المتوفرة في المراكز الصحية؛
- وتحسين العملية الادارية في هذه المراكز الصحية.
ثم نقوم باخذ كل من هذه النتائج المرجوة على حدة ونوصف الانشطة الواجب اتباعها من أجل بلوغها، وإذا أخذنا النتيجة التي تخص تحسين العملية الادارية في المراكز الصحية يمكن أن نورد كأنشطة:
- إجراء تدقيق ومراجعة لنظام العمل؛
- إعداد خطة لتحسين العمل ترتكز على الحاجات والقدرات المتوفرة؛
- وضع التحسينات المقترحة موضع التنفيذ؛
- تطبيق نظام متابعة يرصد تقدم الأداء.
إن صياغة أهداف قابلة للقياس وذلك من خلال مؤشرات وأدوات تشكل صلب نظام المتابعة والتقييم للمشروع يمكننا من قياس التقدم في تحقيق الأهداف ويمكننا من إجراء المقارنة بين ما كان قبل الشروع بالمشروع وما سيكون بعد الانتهاء من المشروع. ولكن السؤال كيف أستطيع صياغة أهدافي بدقة؟ وكيف يمكن لي أن أخلق آلية المتابعة ؟ والجواب يكون من خلال صياغة وتحديد:
2- الإطار المنطقي للمشروع والذي هو عبارة عن تقنية لترشيد القرارات والأنشطة ويتركز على التخطيط بناءً على الأهداف وهو من أدوات الإدارة الأساسية لإعداد برامج العمل والتكامل مع دورة حياة المشروع حيث يتكون من :

- شجرة المشاكل حيث ومن خلال تحليل الواقع القائم يتم توصيف المشاكل التي هي بحاجة إلى حل ويتم وضع تصور للواقع المراد الوصول اليه من خلال وضع الخطط ورسم الاستراتيجيات المناسبة.
يتم بداية اجراء تحديد للأطراف المعنية بالمشكلة القائمة وتحليل خصائص ومدى مساهمة كل طرف في حل هذه المشكلة. بعدها يتم الانتقال الى تحديد المشكلة الاساسية والمشاكل الفرعية وتحديد العلاقة فيما بينها بمعنى أي منها السبب وأي منها الأثر بحيث يتم بناء شجرة للمشاكل على مستويات بحيث يشكل المستوى الأدنى المشاكل الفرعية منتقلين الى المستوى الأعلى بحيث تتضيق المشاكل كلما ارتقينا في المستويات وبعدها يتم رسم الاستراتيجيات المناسبة للحل، ويكون ذلك من خلال تكوين ما يسمى :
- شجرة الحل وهي تقابل تماماً شجرة المشاكل بحيث يكون مقابل كل مشكلة حلها المقترح كما في الشكل التالي:









انطلاقاً من هاتين الشجرتين نصل إلى ما يجري تسميته اصطلاحاً بالإطار المنطقي لبناء المشاريع أخذاً بعين الاعتبار أن الوصول إلى حل هو بحد ذاته مشروع. يعتبر الإطار المنطقي أداة لصياغة وإدارة وتقييم المشاريع والبرامج وذلك بغية إعطاء أجوبة للمشاكل التالية:
- التعريف الفضفاض لأهداف المشروع؛
- ضياع المسؤوليات في نطاق الإدارة؛
- صعوبة إجراء عمليات التقييم وعدم دقة عملية التغذية الراجعة.
يأخذ الإطار المنطقي شكل مصفوفة مكونة من أربعة صفوف وأربعة أعمدة بحيث تختصر المصفوفة ضمناً مرحلتين (الشجرتين اللتين تكلمنا عنهما):
- مرحلة التحليل والمقارنة بين الوضع الحالي والوضع المأمول حيث يتم فيها تحليل الأطراف المنخرطة بالعمل وتحليل المشاكل القائمة والاسترتيجية الموضوعة لبلوغ الأهداف المرسومة؛
- ومرحلة التخطيط بحيث تصبح فكرة المشروع عملانية حيث يتم فيها خلق الإطار المنطقي للحل وتخطيط الأنشطة الواجب اتخاذها وتحديد المصادر والموازنات اللازمة.
ويجري عنونة الأعمدة كما يلي: الأهداف، مؤشرات قابلة للقياس، مصادر هذه المؤشرات و أخيراً المخاطر.أما الصفوف فتعنون كما يلي: الهدف النهائي، الأهداف التفصيلية، النتائج المتوخاة وأخيراً الممارسات والأنشطة الموصلة لهذه النتائج. يتم إملاء هذه المصفوفة بالتتابع وترتيب المراحل الوارد الشكل التالي :
1 2 3 4
استراتيجية المشروع (وصف) مؤشرات قابلة للقياس ( يندرج ضمنها المؤشرات التي تمكننا من قياس ما هو وارد في العمود الأول ) وسائط التحقق ( يندرج ضمنها مصدر المؤشر الوارد في العمود السابق. يمكن أن يكون المصدر دراسة أو إحصائية أو تقرير أو زيارة ميدانية ) الفرضيات ذات الحساسية/ المخاطر التي تحول دون تحقق المشروع ( يندرج ضمنها كل الشروط الحتمية لنجاح المشروع أو الشروط الخارجية غير الممكن التحكم بها والتي يمكن لها أن تعيق المشرةع )




1 الهدف النهائي 1 8 9
2 الأهداف التفصيلية 2 10 11 7
3 النتائج المتوخاة 3 12 13 6
4 الأنشطة المتخذة 4 5

عند التقيد بالترتيب الوارد في هذه المصفوفة وعند الانتهاء من إملائها نكون قد وصلنا إلى توصيف وتفنيد دقيقين للقضية التي نحن بصدد معالجتها وإيجاد الحلول لها مع الإشارة إلى أن العمودين الثاني والثالث يفيدان في عملية المتابعة والمراجعة لمراحل العمل حيث أن المؤشرات تفيد في المقارنة بين حالة ما قبل الشروع بالبرنامج وما بعده مع التأكيد على أنها يجب أن تكون موضوعية وموثوقة وقابلة للقياس. أما العمود الرابع فهو العمود الذي بدون تحقق شروطه لا يمكن االتقدم في مشروعنا أو في التصدي للقضية موضوع المعالجة. هذا وتجيب المصفوفة بعد امتلائها عن الأسئلة التالية :
- ما هو الهدف من العمل الذي نقوم به؟
- كيف يمكن لنا قياس وتقييم تقدم العمل؟
- اين يمكننا العثور على البيانات الضرورية؟
- كيف يمكن لنا بلوغ النتائج المتوخاة؟
- ما هي الوسائل اللازمة للوصول إلى النتائج المرسومة؟
- ما هي المقيدات الخارجية ذات الأثر ؟
- من مسؤول عن ماذا؟
من نافلة القول أن تحديد أهدافنا ومراحل عملنا لا يجدي إن لم يتوفر التمويل والدعم اللازمين وهو أمر يجري ذكره ضمن العمود الرابع من الإطار المنطقي على شكل عامل محدد بحيث يمنح القيمون إمكانية التوقف عن الشروع بالعمل منذ مراحل مبكرة وقبل إضاعة الجهد والوقت في حال كان هناك أي تقييد جوهري.
وهكذا وفي سياق الإجابة عن الأسئلة السابقة نستطيع أن نحدد تماماً موقعنا من المشكلة أو الأزمة أو المشروع الذي نواجه وما أكثرهم في واقعنا الحالي. بحيث نضمن بذلك تمثيل واقعي لما هو مستقبلي تجنباً للمطبات والمفاجآت التي يمكن أن تعترض عملية التنفيذ. وصحيح أن هذا المنطق في مقاربة المشاكل والقضايا التي تستلزم الحل هو الأكثر استخداماً في المشاريع التنموية ذات الخصائص المستدامة إلا أنه يبقى منطقاً مفيداً وأداة نافعة عند مقاربة القضايا على المدى القصير. فعلاوة عن ما توفره هذه الطريقة في المقاربة من حوكمة في إدارة المشاريع فإن التأطير والترتيب بهذا الشكل يوفر الكثير من الجهود ويؤمن كفاءة وفعالية في الحلول ويختصر الوقت الضائع الللازم لاستخدامه في مواضيع أخرى مهمة ومجدية من خلال أهداف مصاغة بدقة ووضوح ومقاسة بمؤشرات موضوعية تسمح بقياس مدى الإنجاز والتقدم ومن خلال تقديم تحليل واضح مدعم بوثائق ناظمة للعمل.
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024