الجمعة 2012-12-14 04:35:51 تحديث مؤسساتي
ليس بـ"القابضة" وحدها يحيا القطاع العام!!
الدكتور ناصر قيدبان
لعل من أهم ما يبقي العمل المؤسساتي مترهلاً من الناحية الإدارية ومتأخراً من الناحية الإنتاجية اعتماد مفهوم "الشخصنة" بديلاً عن النهج الاستراتيجي المدعوم بدراسات جدوى اقتصادية ذات أسس علمية دقيقة.
ولعل الترويج بأن تحويل شركات القطاع العام إلى شركات قابضة يعد "الحل السحري" لمشكلاته المتراكمة من دون رصد واقعه الإداري والتشريعي وإمكانية التنفيذ في ضوء المعطيات المستنتجة يشكل دليلاً واضحاً على ضبابية السياسات الاقتصادية المتبعة في إدارة القطاع العام وهنا لا نقلل من جدوى الشركات القابضة، ونتساءل هنا: هل يمكن تطبيق إجراء التحويل لمؤسسات القطاع العام إلى شركات قابضة مساهمة حكومية أو خاصة والقطاع العام ما زال منهكاً بمنظومة الفساد والروتين والبيروقراطية؟
والسؤال الآخر: أليست تجربة التحويل بحاجة إلى تهيئة البيئة المناسبة؟
نرى أن التحويل قد يكون مجدياً في حال خضوع الشركة القابضة إلى قانون التجارة فتعامل معاملة القطاع الخاص حقوقاً وواجبات مع ضرورة اختيار الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة من المؤهلين وذوي الاختصاص ليكونوا قادرين على تحقيق الأهداف المطلوب إنجازها مع إعطاء الصلاحيات التامة التي تتمتع بها مجالس إدارة الشركات الخاصة كما يمكن إبقاء المؤسسات العامة على وضعها الراهن من دون تحويلها إلى شركات قابضة شرط مراعاة الشروط السابقة ومنح مجالس الإدارة الصلاحيات الكاملة الواردة في القانون رقم (2) الصادر في العام 2005 في مادته العاشرة التي تنص على تمتع هذه المجالس بالصلاحيات من دون تحديدها بدقة لأن ما جاء مطلقاً يؤخذ على إطلاقه إذ أن هذه الشركات لا تخضع لتوجيهات الدولة إلا في السياسات العامة للاقتصاد الوطني وفي المقابل يقدم مجلس الإدارة في نهاية كل عام تقريراً للجهات الوصائية، والحل الأساسي في مسألة الروتين المنتشرة والترهل الإداري يمكن في تطبيق قانون التجارة وليس قانون العاملين في الدولة أو قانون العقود الموحد رقم (51) بغية تحرير هذه المؤسسات من قيود إدارية أضرت بإنتاجيته وهذا من شأنه أن يساهم في تحويل هذه المؤسسات إلى مؤسسات رابحة، وعند ذلك تحويلها إلى شركات قابضة مساهمة حكومية أو خاصة يجعل أسهمها جذابة ومربحة سواء في سوق الأوراق المالية أو الأسواق العامة لأن الوضع الحالي في معظم مؤسسات الدولة يشير على أنها مؤسسات مخسّرة وليست خاسرة كما يروج البعض، فلو كانت خاسرة فعلاً فمن أين جاء من تولى إدارتها بأمواله الطائلة إذ يضم العام الثالث قطاعين خاص ومخصص لمصلحة فئات محددة لا خوف اليوم على القطاع العام من الخصخصة المدروسة وإنما الخشية عليه من "العمعمة" ولذلك لا بد من إدارة القطاع العام بعقلية رجل الأعمال وليس عقلية رجل السلطة والابتعاد عن الشعبوية في إدارة الشأن العام الاقتصادي عبر البحث عن الجدوى الاقتصادية مع مشاركة العمال بجزء من الأرباح المتحققة بغية تشجيعهم على العمل وزيادة الإنتاج فالمشكلة الأساسية في القطاع العام تكمن في العقلية الجامدة التي تمنع التنفيذ المطلوب المؤثر سلباً في زيادة الإنتاجية وتطوير العمل المؤسساتي.
• طرحت حلول عديدة لإصلاح القطاع العام كان ضمنها تحويل بعض مؤسساته إلى شركات قابضة لكن هذا الطرح كمن يؤيد القطاع العام عن طريق استمرار خسارة بعض شركاته وتخسير أخرى خاصة لفئة محدودة في ظل انتشار الفساد الإداري والهدر والمحسوبيات في التعيين والتقييد القانوني والمالي وضعف مؤسسات الرقابة.
• ليس المهم تحويل بعض المؤسسات العامة إلى شركات قابضة أو وجود إصلاح القطاع العام في مجال معين أو تشريع قانون خاص ينظم عمل هذه المؤسسات بل الأهم تفعيل أدائها وتوفير البيئة المناسبة لها عبر إعطائها المزايا والإعفاءات المقدمة إلى القطاع الخاص أو أحد أنواع الشركات المتضمنة في قانون التجارة.
• عملية التحويل إلى شركة قابضة بحاجة إلى تحديد الشكل القانوني للشركة وللشركات التابعة لها، فهل هي مساهمة مغفلة أم محدودة المسئولية، وما نسبة تملك الشركة القابضة الأسهم التابعة ....... إلخ.
• يعد تحويل مؤسسات وشركات القطاع العام إلى شركات قابضة تغييراً في شكل الملكية القانوني للسماح بدخول أطراف متعددة قد يكون وجودهم ضاغطاً إيجابياً يدفع الإدارة للعمل بموجب تحقيق مصالح المالكين.
• هذا التحويل يشكل حلاً لمشكلات القطاع العام بمقدار انعكاسه على الإدارة من خلال إيجاد إدارة مستقلة تعنى بالنواحي الاقتصادية خاصة الاستقلال المالي بما يمكنها من التصرف بالفائض المتاح وهذا يلغي عدّ هذا القطاع عبئاً عن الدولة عبر المحافظة على الطاقة الإنتاجية.
• لا بد من العناية بموضوع طرح جزء من الأسهم للتداول في السوق المالية وهذا يشكل عاملاً رقابياً مهماً وأداة تقييم جيدة عبر سعر السهم الذي يعكس النجاح أو الإخفاق في إدارة الشركة.
• مشكلة القطاع العام في بيئة شركاته ومؤسساته المترهلة البيروقراطية ذات الطابع الاجتماعي كونها تحوي كتلة توظيف كبيرة غير مستغلة لذا تحتاج إلى إدارات مرنة قادرة على جذب رؤوس الموال إليها كي لا تقتصر على العامل الاجتماعي.
السؤال المهم الذي يمكن أن نختم به موضوعنا هل الحكومة وفرت البيئة الاقتصادية والمالية والقانونية لكي تكون مؤسسات القطاع العام ناجحة سواء بوضعها الحالي أو بعد تحويلها إلى شركات قابضة، وما هي فلسفة الحكومة المعلنة في هذا المجال، والإجابة تكون بضرورة أن تكون الشركات مواكبة للطفرة النوعية في تقدم المعلومات والاتصالات بغية تسهيل وتوسيع وتطوير حجم التعاملات على المستوى المحلي والعالمي بصورة أفقية ورأسية في آن معاً، وذلك انطلاقاً من التطور السريع في حجم قطاع الأعمال المحلي والعالمي والتوسع والانتشار في التعامل بالأوراق المالية (الأسهم والسندات) وتزايد حجم المؤسسات المالية عالمياً وعربياً، حيث عندما نتحدث عن الشركات القابضة هذا يعني أن ثقافة أسواق العملات والإيداعات (أسواق الصرف الأجنبي) وأسواق القروض والسندات وأسواق الأسهم (البورصات) تكون المسيطرة على ذهنية العمل بعيداً عن عقلية القطاع العام الحالي، الغارق في الفساد والترهل الإداري وسياسة "الشلف" في اتخاذ القرارات بعيداً عن أية معايير علمية قابلة للقياس وتقويم للأداء بشكل دوري لبناء قرارات هامة تفضي إلى نتائج تحقق الشركة من خلالها قيم مضافة، فضلاً عن أن الإدارة الحديثة التي تدير مثل هذه الشركات تقدم فسحة كبيرة من الحرية في تقديم وجهات النظر وسماع الآخر للوصول إلى صناعة أفضل القرارات.
أخيراً وليس آخراً:من المفيد العودة لتجارب الآخرين،ولكن لا يمكن على الإطلاق أن ننسخ تجربة في بلد له خصوصية معينة لنطبقها في بلدنا دون فهم ترابط التجربة مع الواقع المحيط!

الدكتور ناصر قيدبان
خبير إداري واقتصادي
مدرس في الجامعات السورية
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024