الأحد 2025-12-21 12:40:00 ثقافة ومنوعات
ثائر محفوض: من يحارب المحكي ينتقص من الفصيح والملتقيات أثبتت فشلها
ثائر محفوض: من يحارب المحكي ينتقص من الفصيح والملتقيات أثبتت فشلها
سيريانديز ـ نجوى صليبه
"بدأ قصّتي مع الشّعر في المرحلة الإعدادية، وهو من أنطقني بموسيقاه.. كنت أحفظ الكثير من الأبيات الشّعرية، وهذا ما رسم سحره وطبع صوته في فكري، لأنّه دخل وجداني بلا استئذان وفرض وجوده.. زارني جميلاً كعاشقة فائقة الجمال فأحببته".. يقول الشّاعر ثائر محفوض، ويحدّثنا عن أوّل قصيدة كتبها: "أولى الأبيات الشّعرية كتبتها بمذاكرة مادة التّاريخ في الصّف الثّامن عندما أتى المعلم بسؤال خان ذاكرتي إكمال جوابه، فكتبت ثلاثة أرباعه وكتبت ردّاً على النّسيان بيتين من الشّعر، وبدأت القصّة بقصائد الشّباب والتّمرّد".
لكن هل استمرّ السّاحر بسحره في مرحلة الشّباب؟ يجيب محفوض: "بعد ذلك كانت مرحلة فورة الشّباب ورفض الواقع حتّى سلطة الأبوّة ذاتها، وحتّى الخيارات المستقبلية المفروضة على الشّخص من دون قناعته، لكنّ الظّروف المادّية تفعل ما تفعل، وهذا ما رسم فكراً يعبّر عن رفض الواقع بكلّ ما فيه.. كنّا نشارك بالمناسبات  الوطنية ولم يكن هناك أماكن للأمسيات الشّعرية، وكانت أوّل مجموعة كتب اشتريتها، كانت خمسة كتيبات للمتنبّي وعنترة وامرؤ القيس وطرفة ابن العبد وأحمد شوقي، ولها قصّة انبثقت من مسابقة الرّوّاد وكنت في مجال الفصاحة والخطابة".
انقطع محفوض فترةً عن الشّعر، ثمّ عاد إليه بعد التّقاعد الذي حصل عليه مبكراً، لكنّه عاد بالشّعر المحكي والزّجل، مصحوباً بحبّ والدته لهذا الفنّ، ومجروفاً بالحنين إليه، يقول: "يتطلّب الشّعر المحكي مخزوناً كبيراً من الأفكار والصّور والإحساس الصّادق، وبقناعتي هو أصعب لأنّه يلامس أحاسيس النّاس، وهو لغتهم اليومية، وكان التّراث النّاطق بحالة النّاس في الأفراح والأتراح".
وبسؤاله عمّا إذا كان الارتجال ضرورة في الزّجل والمحكي، يوضّح محفوض: "الارتجال يأتي حسب الحالة والبداهة، وأذكر موقفاً حصل معي بالمركز الثّقافي في مدينة بانياس خلال فعالية للشّعر المحكي.. كنت أسلّم على الحضور عندما سألني مدير المركز: "بس ليش شعراتك شايبين بكير يا أستاذ"، فأجبته فوراً شعراً محكياً:
لاتفكروا شعرات راسي عفّنوا
بيضّوا لأنو الحلا عاملهن وحي
شابو كتر ما فيهن الحلوات
مروا مع الأيام أسودهن كحي
وتلعب السّليقة دوراً مهمّاً في الزّجل، يقول محفوض: "مثلاً من له أصول شعريّة أو أدبية بكلّ أجناسها سيتأثّر بذلك، ولديّ قناعة بأنّ في الشّعر شيء من الوراثة أحياناً، وقد تأتي من اكتساب الخبرات وتراكمها مع الزّمن".
لكن لماذا لا يستطيع كثير من الشّعراء الشّباب قول الزّجل؟ يجيب محفوض: "غالبية الشعراء الجدد ـ بقناعتي ـ عاشوا بصورة بعيدة عن الواقع، وتالياً هم لا يمتلكون القدرة على التّصوير الواقعي الحقيقي.. حتّى طبيعة الحياة تغيّرت، لذلك الصّور الصّادقة وغياب الطّبيعة والحالة الاجتماعية سبب كبير في ذلك".
تابع محفوض في الشّعر الفصيح وصدر له مجموعتين هما "تراتيل الودق" و"غنج وأشياء أخرى"، وفي المحكي صدر له "معشوقة فوق الضّباب" ويقصد فيها قريته بشيلي بريف مدينة جبلة، يقول: "أصدق وأنقى حالة عند الشّاعر هي أن يجسّد الجمال الذي فتح عينيه عليه.. يعني خلقنا مع الجمال والخضار والغابات وجوقات الطّيور الرّبانية، وصخور بشيلي لها لغة وفصاحة خاصّة فيها، لذلك أنا أقول إنّ دمّي أخضر حبّاً بها، وكتبت عنها: شوف الدّني من فوق محلاها/ بضيعة السحر ساكن زواياها/ مرات بتقول السما تحتك/ مشاوير فوق الغيم ممشاها/ ولكل حلوة بهالدني في اسم/ بشيلي بجمالا الرب سماها/ وزرعا عالهتلات آية سحر/ ومن بين كل الكون نقاها/  رح ضل ألبس بِ تيابا الخضر/ وأعرى إذا هالرب عراها.
ويؤكّد محفوض ضرورة إظهار الشّاعر هويّته الحقيقية التي تبرز واقعه، يقول: "أنا أديب سوريّ، لماذا أنسى نفسي وبلدي وأحكي عن أوروبا وشعرائها وأترك الشّعراء العرب؟ أذكر مرّة في إحدى الفعاليات قال ناقد ردّاً على شاعر يتكلّم عن بلد آخر: "على الرّغم من أنّني قرأت المجلّدات العشرة للينين، لا أزال أحنّ لبيئة القرآن".
يتابع محفوض الأمسيات الشّعرية ويشارك فيها، لكن له رأيه في الملتقيات الشّعرية: "ظاهرة أثبتت فشلها، لأنّها تعتمد على شللية معينة، وفي الحقيقة لا يهمها أيّ جنس من الأدب، وتكرّس لحالة ظهور فردية بالنّهاية، ومع الأسف الأكثر بعداً عن الأدب هم مدراؤها".
وعلى ما يبدو هناك من يحارب المحكي والزّجل هذا ما يدلل عليه قوله الذي ختم به حديثنا: "الجمال في الأدب ـ أيّ جنس ـ لا يخفى على أحد، وبقناعتي من يحارب المحكي ينتقص من الفصيح أو أنّه على جهل بحقيقة الشّعر المحكي.. الواقع والذّائقة العامّة تبرهن ذلك".
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2025