الأحد 2025-09-14 09:31:39 ثقافة ومنوعات
كلمة حق (بحق) سلوم حداد والدّراما المصرية
كلمة  حق (بحق) سلوم حداد والدّراما المصرية
سيريانديز ـ نجوى صليبه كتبت منذ سنوات مقالاً بعنوان "المخرجون السّوريون يشحذون همم الممثلين اللبنانيين"، تحدّثت فيه عن التّغيير الذي أحدثه المخرج السّوري في أداء الممثّل اللبناني بالأعمال الدّرامية المشتركة خلال السّنوات الأخيرة التي تعرّف فيها الطّرفان على بعضهما أكثر ـ على الرّغم من أنّ بدايات الدّراما والسّينما في البلدين شهدت أعمالاً مشتركة جميلة ومميزة شكّلت ذاكرة وذائقة الجمهور في البلدين، إذ استطاع المخرج السّوري أن يفجّر إمكانيات الممثّل اللبناني الذي نادراً ما أقنع ذائقة المشاهد السّوري خصوصاً بأدواته وأدائه، وكانت عبارة "مبيّن عليه عم يمثّل" مقولة مشهورة على كلّ لسان، وكان السّبب دائماً برودة الملامح وبلادة الحركة وانعدام الانفعال أو التّفاعل مع الحدث. وذكرت حينها ثلاثة أعمال هي "طريق" و"مذكّرات عشيقة سابقة" و"تانغو"، ففي "طريق" إخراج رشا شربتجي، تخلّت نادين نسيب نجيم عن عرش الجمال ولقب الفتاة المدللة كما في الأعمال المشتركة السابقة، وظهرت بشخصيّة جيّدة وجديدة المظهر والأسلوب، ربّما لم أبالغ يومها عندما قلت إنّ هذا العمل هو أول عمل يقدّم نادين نجيم كممثّلة فعلاً، وفي "مذكرات عشيقة سابقة" ضغط المخرج هشام شربتجي على نيكول سابا بمشكلات زوجها وشغلها بعملها في التّمثيل وبخيانتها لزوجها، وأرعبها على طفلتها، بالإضافة إلى خوفها من فقدان عشيقها وحبيبها في أي لحظة.. ضغط أدّى إلى انفجار الشّخصية حزناً وفرحاً وغضباً، وهذه حالات انفعالية قلّما وربّما نادراً ما رأيناها في أعمالها السّابقة، على الرّغم من تجاربها في السّينما المصرية وعملها في الغناء، وعلى خطا الـ"شربتجيين"، استطاع المخرج رامي حنّا في "تانغو" تحريك سكون وركود باسم مغنية الزّوج الطّيب والـ"شغيل" والمخدوع أيضاً، إذ اشتغل على الشّخصية الهادئة لتصبح مركبة ومفاجئة بسلوكها وتصرفاتها وصوتها وانفعالاتها التي أجادها مغنية بدءاً من شكّه الهادئ إلى غضبه من نفور زوجته، وأخيراً حين اكتشاف أن طفله الذي يحبّه ليس ابنه بل ابن عشيق زوجته، في هذا العمل شاهدنا باسم مغنية بطريقة مختلفة عن السابق، على الرغم من أنه ومنذ حوالي العشرين عاماً يلعب أدوار البطولة في الدّراما اللبنانية ويحمل شهادة خبرة في التّمثيل الإيحائي من فرنسا. ولم أكتب، تشفياً أو تعصباً، لكن بموضوعية قلت إن لبنان هي الأول عربياً إعلامياً، سواء في البرامج السياسية أم الفنية والترفيهية، وحينها تباينت الآراء والتعليقات على المقال بين مؤيد ومعارض ومهاجم، لكن لم تصل حدّتها إلى المستوى الذي أحدثه تصريح الفنان القدير سلوم حداد، مؤخّراً، والذي تحدث فيه عن عدم إجادة الممثّل المصري للغة العربية الفصحى، وضرب مثالاً أنّه يلفظ حرف الجيم "كاف" تحديداً في الأعمال التاريخية، لكنّه نوه في الوقت ذاته بأنّ قلّة يجيدونها أمثال الفنّان القدير الرّاحل نور الشّريف. تصريح قوبل بغضب واستياء في الوسط الثّقافي والإعلامي والفنّي المصري، وذهب البعض إلى الانتقاص من شخص حدّاد وتاريخه الفنّي، فالكاتب عمرو محمود ياسين قال إنّ الاستهزاء بالفنّان المصري غير مقبول وإنّ سلوم حداد ليس في موقع يسمح له بتقييم الفنّان المصري، مضيفاً: "لا نقبل ذلك منك ولا من غيرك.. هذا تجاوز سافر لأنّ تاريخ الفنّ المصريّ يزخر بفطاحل اللغة العربية الفصحى، والمسرح المصري عبر التّاريخ تملأ صفحاته أباطرة اللغة والأداء والإلقاء.. جهلك بالفنّ وبالفنّانين المصريين لا يشفع لك، وأنا جاهز لسرد عشرات بل مئات الأسماء، كلّهم في منزلة الأستاذ بالنّسبة إليك في فنّ إلقاء الكلمة بالعربية الفصحى.. ومع احترامي لمكانتك الفنية، فإنّ تصريحك هذا سقطة وأظهر روحاً غير طيّبة تجاه الفنّ والفنّان المصري لا نفهم سبباً لها". وفي المقابل، كان هناك من ردّ بموضوعية، بعيداً عن التّعصب لمصر التي لا يستطيع أحد أن يتجاهل أو ينكر حبّ الجمهور السّوري والفنّان السّوري لها، إذ قالت الفنانة هالة صدقي ردّاً على سؤال إحدى الإعلاميات عن موقفها ممّا قاله حداد: "الرّجل يتحدّث عن الممثّلين الذين يتحدّثون لغة عربية فصحى ومعه حق.. هناك أشخاص كثر لا يجيدون اللغة العربية الفصحى، لكن لما كلّ هذه الحساسية؟ هل لأنّه غير مصري فقط"، وتوجّهت بكلامها إلى الإعلامية ذاتها: "أنت مثلاً.. هل تعرفين النّحو جيّداً؟. وخلافاً لزملائه أيضاً، قال الفنّان محمد هنيدي إنّ كلام الفنّان سلوم حداد صحيح جداً في "الحتة دي": "الحقيقة بعيداً عن العاطفة وبعيداً عن أنّ سلوم حداد منذ زمن وهو ينتقد الممثّلين المصريين، لكنّ كلامه في "الحتة دي" صحيح جداً.. الممثّلون المصريون ضعفاء جدّاً في اللغة العربية الفصحى.. كمخارج الحروف والإلقاء.. وهذه مشكلة موجودة منذ سنوات، ومن شاهد مسلسل "عمر" أو مسلسل "الزّير سالم" من بطولة سلوم حداد نفسه سيعرف الفرق الكبير وسيعرف كيف أنّ الممثّلين السّوريين عندهم مخارج الحروف صحيحة، وكيف يستخدم الممثّل صوته جيّداً، لكي يخدم الشّخصية"، وأشار هنيدي إلى ممثّلين مصريين كبار أتقنوا اللغة العربية الفصحى في أعمالهم أمثال عبد الله غيث وأشرف عبد الغفور وأحمد مرعي وغيرهم، مبيناً أنّه في السّنوات الأخيرة أصبح الوضع صعباً وقال ـ مع احترامه لكل الممثلين المصريين الذين ردوا على سلوم حدادـ إنّ كلامهم غير مقنع أبداً، وإنّهم أخذوا الموضوع إلى مكان آخر على الرّغم من أنّ الفرق في الدّراما التّاريخية بين مصر وسوريا واضح ولا يحتاج إلى كلام. كذلك، أيّد الإعلامي خالد عاشور ما قاله حداد عن تدنّي مستوى الممثّلين المصريين في نطق اللغة العربية، "كلام لا تستطيع أن تختلف معه فيه؛ وذلك بسبب تدنّي مستوى التّعليم الخاصّ والحكومي، وإهمال مدارس اللغات للغة العربية وإقصائها تماماً من التّكوين الثّقافي للطّلاب، أما ما قاله عن الجيم المصرية فقد رددنا عليه منذ خمس سنوات تقريباً"، وحينها قال عاشور إنّ حرف الجيم يلفظ بطرق مختلفة في البلاد العربية وإنّ "الكيم" فصيحة جداً جداً.. آراء لم يتجاهلها الفنان سلوم حداد، بل تابعها باحترام ومحبة، وأوضح على صفحته على ال" فيسبوك": "لم أقصد يوماً الإساءة إلى أي فنّان مصريّ، فمصر بتاريخها العريق وفنّها الرّاسخ كانت وما زالت منارة للثّقافة العربية، ومنها تخرّجت أجيال من المبدعين الذين أثروا وجداننا جميعاً.. السّينما المصرية تحمل طابعاً عالمياً نفتخر به، كما أنّ الدّراما السّورية بما قدّمته عبر عقود من أعمال تاريخية واجتماعية، أصبحت جزءاً أصيلاً من ذاكرة المشاهد العربي.. نحن في النّهاية نكمل بعضنا، ونشكّل معاً مشهداً فنيّاً عربيّاً واحداً يعتز به الجميع.. إذا كان كلامي قد فُهِم على نحو غير مقصود وأثار أيّ غضب، فأنا أقدم اعتذاري العلني وأؤكّد احترامي الكبير لكلّ فنّان مصري قدّم وأبدع وأسهم في بناء هذا الصّرح الفنّي العربيّ العظيم". ردّ جميل من ممثّل لم أعرفه شخصياً ولم أقابله يوماً، لكن يشهد له زملاؤه بإنسانيته واحترامه للجميع قبل أن يشهدوا له بتاريخه الفنّي العريق، واعتذار أجمل لدراما يعشقها الجمهور السّوري ربّما أكثر من مصريين كثر، جمهور ما يزال يتذكّر ويشاهد الأعمال الدّرامية والسّينمائية والمسرحية المصرية كلّما أُعيد عرضها على الشّاشة المحلية والمصرية والعربية، ويحفظ أغنيات شارات بدايتها ونهايتها، وسأذكر هنا شيئاً ربّما لا يعرفه أصدقاؤنا وأشقاؤنا في مصر هو أنّنا في سورية كنّا في كلّ عام، وتحديداً في عطلة الأعياد وعلى مدار ثلاثة أو أربعة أيّام نشاهد المسرحيات المصرية على الشّاشة المحلية كما لو أنّها نشيدنا الوطني الذي نحفظه عن ظهر قلب، ونضحك ونحزن معها كما لو أنّنا نشاهدها أوّل مرّة..
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2025