الخميس 2025-08-28 11:58:39 ثقافة ومنوعات
معضلة (الموديل العاري! تعود وتعمّق الشّرخ
معضلة  (الموديل العاري! تعود وتعمّق الشّرخ
سيريانديز ـ نجوى صليبه أثار قرار عميد كلية الفنون الجميلة الفنان التشكيلي الأستاذ الدكتور فؤاد دحدوح، الأخير، حفيظة بعض الفنّانين التّشكيليين خصوصاً وبعض المثقفين عموماً، وفي المقابل وجد طريقه إلى عقول وقلوب البعض ممّن وجدها فرصةً للهجوم على الفنّ أو فرصة للتّذكير بقرارات سابقة بقيت زمناً حبراً على ورق، وأعاد القرار الذي يمنع تشكيل أعمال تتعلق بالموديل العاري في أعمال النّحت والتّصوير والحفر، إلى الأذهان المجسمات التي نحتت على الأشجار اليابسة في منطقة البرامكة، والتي تعرّضت لتخريب من بعض الأشخاص منذ سنوات، حينها استهجن كثيرون الأمر، من دون صدور أيّ توضيح رسمي آنذاك. "لم يكن العريّ عيباً حين وُلِدنا بهِ، لكن العيبَ أن نعيش بعقولٍ عارية من الفهم والرّحمة" عبارة اختصر بها الفنّان التّشكيلي أحمد جرعتلي مشاعره ورأيه بالقرار، أمّا الشّاعرة والتّشكيلية بسمة شيخو وهي أيضاً خريجة كلية الفنون الجميلة وحاصلة على الماجستير بالعمارة الدّاخلية فقالت إنّها وخلال السّنة الأولى من دراستها لم يكن في الكلية موديل عاري، بل كان الموديل هو موظف/ة من الكلية، لا يكف ّعن التّأفف إن طال بهم الوقت وهم يرسموه، وتبيّن: "لكنّنا رسمنا تماثيل عارية: فينوس، ورامي القرص وغيرهما، وقبل أن نرسمها، درسنا مادتي التّشريح الفنّي (1 و2) وفيها رسوم لأجساد عارية، ويختلف الأمر يختلف تماماً عندما يتناول طالب الفنون الموديل أو التّمثال العاري أو صورة الجسد العاري بقصد رسمه والتّدرّب على الأبعاد التّشريحية، عمّا إذا كان يبحث عن صور لنساء عاريات أو يدمن المواقع الإباحية، وطلاب الفنون عندما يرسمون تمثالاً عارياً أو موديلاً عارياً فهم بذلك يمارسون عملهم الفنّي، وإذا اختار أحدهم العري كثيمة لمشروع تخرّجه فهذا شأنه، فتقييم المشروع يعتمد على الإبداع الفنّي والدّقة التّقنية والجرأة والجدّة وغيرها الكثير من المعايير.. الأفضل أن تُترك تفاصيل كلية الفنون الجميلة بيد العميد ورؤوساء الأقسام فأهل مكّة أدرى بشعابها". وتتساءل الفنّانة التّشكيلية فيفيان الصّايغ عن سبب تأكيد قرار كان قائماً منذ عام 1974، وتقول:"أليس في ذلك اعتراف ضمني بأنّ الممارسة كانت مستمرّة ولو بطرق غير معلنة؟ وهل يقاس الفنّ برضا الأهالي أم بقدرة الطّالب على التّكوين البصريّ الكامل؟.. الموديل العاري ليس استفزازاً بل أداةً تعليمية كما هو الحال في معظم مدارس الفنون حول العالم، ومن لا يستطيع رسم إصبع لا يُلام على ضعف أدواته، بل على ضعف تدريبه، فهل نعاقب الأداة بدلاً من إصلاح المنهج؟.. الفنّ السّوري لن يتراجع بسبب قرار، لكنّه سيتألم كلّما ضيقت عليه أدواته، والضّرر ليس في المنع ذاته، بل في تبريره وكأنّنا ندافع عن فضيلة". أمّا الفنّان التّشكيلي والشّاعر نزيه أبو عفش فرأى أنّه حتّى "في أشرس كوابيسنا وأقبحها وأشدّها فظاعةً وهولاً لم نتوقّع أن تنزلق بنا الحياة إلى هذا الحضيض، من مسلّمات العقل والضّمير التي لا يختلف على صوابيتها مخلوق بشري: الحياءُ هو كلّ الإنسان.. لمن لا يزال في وجوههم بعض من ماء الحياء أقول: أيُ عار!". ومن جهة أخرى، ذهب البعض إلى الهجوم الكلامي على الأستاذ الدّكتور فؤاد دحدوح شخصيّاً، مستشهدين ببعض أعماله السّابقة التي تتضمّن موديلاً عارياً، وهذا تاريخ ومسيرة فنية طويلة ومميزة للفنّان لا يمكن تجاهلها أو محاربتها أو إلغاءها بسبب قرار كان موجوداً لكن ربّما لم يظهر إلى العلن بشكله الرّسمي اليوم، وهنا لابدّ من التّذكير بمقابلة إذاعية أجرتها إذاعة "المدينة" مع الدّكتور دحدوح في عام 2024، حينها قال إنّ القيود الاجتماعية فرضت عدم وجود الموديل العاري، وإنّه من الدّفعات التي كان لها الحظّ برسم الموديل العاري، وكان ممّن اشتغلوا عليه، وكانت الموديل آنذاك من مصر، يقول: "كنّا نرسمها بشكلٍ طبيعيّ وعاديّ ومهنيّ مثل الطّبيب الذي يولد امرأة، المجتمع تغير كله، بكلّ أمّهات العواصم هناك موديل عاري، إلّا في مصر وربّما العراق وسورية والأردن بالعموم في الدّول العربية". وفي المقابلة ذاتها، تحدّث الدّكتور دحدوح عن أهمية الموديل الحي "الموديل العاري يغني أكثر بكثير من رسم موديل بثيابه، إذ يتعرّف الطّالب على العضلة ومسارها، وينقل كلّ شيء من موديل حيّ لا من صورة ملخّصة، والأمر مختلف تماماً، في الموديل الحي الطّالب مضطر على تحليلها إلى شكل مسطح"، وهذا ماعاد وكرره اليوم بعد الجدل الذي أثاره القرار الذي صدر نزولاً عند رغبة بعض الأهالي الذي طلبوا من الوزير ذلك. ومقابل الهجوم على شخص الدّكتور دحدوح، انبرى بعض الأصدقاء والزّملاء للدّفاع عن أستاذهم وزميلهم وصديقهم الخلوق والمهني والإنساني، ونعود هنا إلى كلمات نزيه أبو عفش التي وصلنا نزيفها وحزنها، والفراغ الذي فتح باب احتمالات إكماله أمام كلّ قارئ وضميره وربّما جهله، يقول: "تخيّلوا.. الأستاذ الدّكتور فؤاد دحدوح!! أكتفي بقول......الخ، وأقولها إشفاقاً عليه، وأرتجف من شدّة الحياء نيابة عنه"، أمّا الأستاذ الدّكتور أكسم السّلوم الذي وجد في الدّكتور دحدوح الرّجل المناسب في المكان المناسب، فقالها بكلّ صراحة "فنّان جميل، إذا رسم أبدع، وإذا نحت أبدع، وإذا غنّى أبدع، خلق ليكون فنان، وهو يحمل قلب طفل جميل محبّ وخلوق، وهذا القرار ليس قراره، وإذا كان كذلك فأنا معه، لأنّه يعرف ما يفعل، وأنت لكي تكون سياسياً يجب أن تداري". ولأنّ الطّلاب هم الخاسر أو المستفيد من أي قرار، ولاسيّما أنّ القرار صدر قبل التّخرج بأسبوعين، أي أنّ المشاريع كلّها جاهزة، ولا مجال لتغييرها أو تعديلها، كان لهم حراكهم وبيانهم الذي طالبوا فيه كلّيتهم بالتّراجع عن القرار، وضمان الحرّيّة الأكاديمية والاستقلال التّعليمي، وأنهم كفنانين يرفضون أي قرار يحد من حرية أي عمل فني، ورسم الموديل العاري أو تجسيده نحتاً لا يعني أنّهم يخلّون بالثّوابت الأخلاقية. وبين تأييد القرار ومعارضته، تدور تساؤلات كثيرة مشروعة، إذ يحقّ للجميع التّساؤل عمّا إذا كان صانع القرار يستمع إلى مطالب الفنّانين وغيرهم ويتراجع عنه أسوة ببعض الجهات الأخرى التي ألغت قرارات بعد يومين من إصدارها؟ هل ستشهد الأيّام القادمات قرارات أخرى؟ هل علينا أن نخاف على مستقبل الفنّ التّشكيلي السّوري أكثر من قبل؟ لا نعرف ماذا تحمل الأيّام القادمة، ولكن نعرف أن تاريخنا خصوصاً وتاريخ البشرية جمعاء وصلنا من خلال هذه الفنون والتّماثيل والمجسّمات والرّسومات والأشعار، ولا يمكننا تشويه الحقيقة أو نكرانها، وتبقى الفنون على اختلافها خير سفير.
ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2025