الأحد 2015-02-08 08:39:15 أدبيات
رحيل الشاعر اسماعيل عامود.. شــاعر الفقـراء والعفويــة
رحل الشاعر اسماعيل عامود عن هذه الدنيا يوم الأربعاء 4ـ 2ـ 2015 بعد صراع طويل مع المرض والشيخوخة. حيث أمضى سنواته الأخيرة في مسقط رأسه مدينة (سلمية) ومات فيها.
قبل أعوام قليلة أنشد الشاعر في حفل تكريمه في سلمية (قصيدة عنوانها حكاية للريح العاشقة) ومنها نقطف:
سأقرأ للريح للساريات حكاية أهلي
وكيف رماها الزمن الغبي بوادي البخيلة
وكيف صداها يجلجل عبر الغيوم وبين الجبال وعبر النجوم النحيلة
وكيف جدودي شقوا الدروب البعيدة
وكيف السنون تتالت لتطفئ نار الحياة السعيدة
وشط البيوت لهم إخوة
إذا مرَّ من بينهم سائل أجابوا السؤال
بنخوة عشق وطيب مصطفى وجرأة ريح تنير الجبالا
وكان أبي تولّه بالأرض
هام بدار التصوف فيها
وحتى تكشف سر الليالي وسر البدايات
مات بظل التلال خياله
كتب عنه مرة الشاعر (عبد الله ونوس) الذي عرفه عن قرب: (لم يجمع شاعر سوري أشكال الكتابة الشعرية وعلى امتداد المشهد الشعري السوري الحديث كما فعل اسماعيل عامود، فهو كان سبّاقاً في كتابة قصيدة النثر، وأحد أقطاب ثالوث الشعر المنثور، المؤلّف من أبناء مدينته سلمية، (محمّد الماغوط وسليمان عوّاد)، وإن يكن عوّاد وعامود لم يأخذا حقّيها كفاية، ولكن هذا لا يلغي شرف الريادة لهما وللماغوط في السبق لتأسيس وتبيين معالم مدرسة الشعر المنثور على امتداد المشهد الشعري العربي الحديث، تأثر اسماعيل أوّل ما تأثّر بتجارب الشعراء الرمزيين الأوربيون والعرب، وظهر في قصيدة النثر لديه عوالم رامبو وبودلير، بينما نجد في شعره الكلاسيكي تأثيرات واضحة لعلي محمود طه وبعض شعراء تلك المرحلة، كتب كذلك قصيدة التفعيلة فكان له صوته الخاص واللّامتشابه بإيقاعاته الخافتة وبناء الصورة المركبة، مستفيداً من ثقافته وقراءته المبكّرة للشعراء الفرنسيين والعرب وهذا المخزون التراكمي لذاكرة مثقلة بشغف اقتناص التفاصيل، وحيث يباغتك أبو فداء ذلك الرجل بأن طفلاً عابثاً يختبئ خلف تلك التجاعيد، مصّراً على صخبه وشغفه الكبير بالشعر والحب والحياة).
أصدر الشاعر في حياته عشر مجموعات شعرية هي: (من أغاني الرحيل كآبة التسكع والمطر، أغنيات للأرصفة البالية الكتابة في دفتر دمشق السفر في الاتجاه المعاكس أشعار من أجل الصيف العشق مدينة لا يسكنها الخوف إيقاعات في أنهار الشعر خبز بلا ملح) كما أصدر دراسة لثمانية شعراء من سورية بعنوان (وبعض الشعر عذب).
قال عنه الناقد د دريد يحي الخواجة: (كتب قصيدة النثر، ولكنه كتب أيضاً الشعر العمودي وقصيدة التفعيلة وتفوق في كتابة قصيدة النثر) وقد أشرت إليه منذ ثلاثين عاماً لكي يكتب فيها ليس لأنه لا يبدع في بقية أشكال الشعر، بل العكس تماماً لكن لأنه قرأ لي قصيدة استثنائية فعرفت منذ ذلك الوقت أنه سيكون واحداً من أهم كتّاب هذه القصيدة في الوطن العربي، برز بقوة في أزمان متقاربة مع كتاب قصيدة النثر أمثال محمد الماغوط وسليمان عواد وإلياس الفاضل، لكن الشاعر عامود يغاير بقية زملائه في تجربته الشعرية وفي مسيرة حياته التي تناسجت مع هذه القصيدة، إنه كتب القصيدة العمودية والتفعيلة وهو ما لم يكتبه الشاعران الماغوط وعواد لكنه يشترك في ذلك مع الشاعر إلياس الفاضل).
الأستاذ محمد الخطيب رئيس اللجنة الثقافية في جمعية أصدقاء سلمية كتب لنا شهادة عن رحيله:
(لا تذهب الى التاريخ، دعه يأتي إليك)، بهذه العبارة يلخص الشاعر الراحل تجربته في الحياة، رحل آخر رواد وأعمدة قصيدة النثر في سورية والعالم العربي من جيل العمالقة (محمد الماغوط، سليمان عواد)، رحل شاعر الفقراء والعفوية، برحيله لم يعد للعصافير مأوى، لقد هوت شجرة الشعر الباسقة التي كانت يوماً ما ظلاً لظباء الصحراء وللغيد الحسناوات، ستفتقدها الريح التي كانت كل حين تهمس لأوراقها بسرٍ كعاشقين، آخر أوراقها لم تفقد الأمل بقدوم المطر، ففيه البشرى لوعد قادم، لإرادة متجددة في الحياة، لكن الوقت حان وساعة الرحيل دنت بلا ضجيج ولا مواكب مهيبة تليق بقامة عظيمة، ولكن قدر الشعراء والمبدعين أن يرحلوا بصمت، فكان وداعك الأخير يشبه وداع صديقك الراحل (السياب)، بعد أن تتعرى الأشجار من أوراقها تنكرها الطيور والظباء وحتى الإنسان، فارقد بسلام.. شاعرنا الكبير ارقد بهدوء.. فشعرك باق لن يموت...
وداعاً يا صديقي وأستاذي، وداعاً يا شاعر المطر والتسكع.
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024