الثلاثاء 2013-12-03 15:26:07 اخترنـــا لكـــم
الحمار الجحش و الإنسان العاقل!!

بقلم:الحارث يوسف
مع الزمن، ومع معرفة القيمة عند فقدانها، اكتشفت أنّي أفتقد عشرة الحمير. عندما كنت طفلاً ، في قريتي كان الحمار فرداً من أفراد العائلة .أمّا الآن، فأتذكّره فقط ، ونادراً نادراً ما أراه و إذا رأيته أفرح من كلّ قلبي للقائه .
اكتشفت أنّ احترامي لهذا الحيوان الحكيم يزداد مع الفراق والبُعد.فلا أذكر منه إلاّ الخير , لقد كان صبوراً و في الحقيقة
هو صاحب الفضل عليّ بما تعلّمت منه من فنون التأمّل و التبصّر بخلق الكون و جمال الطبيعة
أنا أحترم هذا الكائن اللطيف بالرغم من شعوري بعقدة الدونيّة أمامه لما يمتلك من صفات ذكوريّةٍ قلّما يتباهى بها وهذا ما
أثبت لي أنّه لا يمثّل التواضع بل التواضع هو جوهر أخلاقه الحميدة.
وأظنّ، كما يبدو لي من معرفتي به ، أنّه على قناعة كاملة بأنّه حمار ولكن لست واثقاً بقناعته أنّه جحش !
وإذا كان الحمار قنوعاً فهذا يعني أنّه يفكّر و هنا يبدو لي أنّ التعمّق في تفاصيل قناعة الحمار بجحشنته ليس مجرّد عبث!
الحمار لا يفكّر فقط بل يفهم ! و لو بحثنا في معادلة فهم الإنسان للحمار و فهم الحمار للإنسان فكفّة فهم من ترجح ؟
موضوع القناعة و الفهم لدى الحمار قضيّة يجب النظر بها بشكل أعمق ولكن هذا الأمر يصعب دون الإرتكاز على
موضوع القناعة و الفهم لدى الإنسان الذي يجحّش الحمار، وأقصد، يقيّمه فكريّاً ،
ولِنُطْلِقْ على هذا الإشكال الفكري مصطلح الجحشنة !
" الجحشنة " :هي الحكم على عقلانيّة الحمار و نتطرّق إليها لدى كلّ من الإنسان و الحمار
الجحشنة عند الحمار :
المراقبة الدقيقة لحياة الحمار و سلوكه تظهر أنّ هذا الكائن الجميل "الحمار" لا يعاني في حياته لو لم يتدخّل الإنسان
بها و نرى أنّه مخلوق هادئ و متواضع لا يتذمّر و لا يشكو , مما يدّلنا على اكتمال قناعته بواقع أمره و على معرفة تامّة
بذاته و كينونته و هذا يعني أنّ الجحشنة عند الحمار مقياس جيّد لقياس العقلنة عند الإنسان فعلى هذا المقياس نكتشف أنّ

آلية تقييم الإنسان لذاته كعمليّة فكريّة عقليّة أدنى منها عند الحمار أي على الإنسان أن يعتمد الجحشنة في عقلنة الإنسان .
الخلاصه:
التجحيش لدى الحمار هو تفكير سليم
الجحشنة عند الإنسان ؟ و نقصد تقييم الإنسان للحمار فكريّاً
"من لا يستطيع تقييم نفسه تقييماً سليماً لن يكون قادراً على إصدار حكمٍ عادلٍ على غيره " و الإنسان في تقييمه لذاته يُجحّش
بامتياز و لذلك سيقوم بالجحشنة نفسها عندما يُجحّش الحمار و لطالما أصبح من الواضح جحشنة الإنسان في تجحيش الحمار
نستخلص ما يلي :
التفكير لدى الإنسان هو تجحيش خاطئ
أي أخطأ الإنسان في تجحيش الحمار ولكن هل الحمار يجحّش في جحشنته للإنسان لطالما هو لم يُجّحش في جحشنته لنفسه ؟
بالطبع الحمار يُجحّش الأنسان بمفهوم الإنسان للجحشنه ولا يعتبره عاقلاً فيقول عنه جحش بمنطق الإنسان فهو يحكم على
الآخر من مفهوم الآخر لا من مفهومه هو أمّا الإنسان فيقوم بالحكم على كلّ ما ليس هو بنفس المفهوم وهذا إمّا بسبب أو سبب
عدم قدرته على الحكم السليم على ذاته فالآخر وهنا هو الحمار , استطاع أن يكون سليم الحكم على جحشنته لنفسه فنستخلص
أنّ التجحيش موجود في آلية التقييم الإنسانيّة فقط وقد يكون الحمار هو دلالة الإنسان لإيجاد معناه !
هنا نجد طرفاً لخيط قد يُخرج الإنسان من أزمة الضعف العقلي في آلية التقييم فلو احترم الحمار و اعتبره مثالاً أعلى له في
أدائه الفكري و راح يخاطب الحمار باحترام و الإنسان باحتمار لأدرك قيماً هامّة في حياته و عدل عن معظم تقييماته للمعاني
السامية و خاصّةً الروحيّة منها و الدينيّة
الإحترام و الإحتمار
والسؤال ، الآن: ما هو حكم الحمار على قدرات الإنسان العقليّة أي كيف يُجحّش الحمارُ الإنسانً؟
و هل هناك دلائل تربط القناعتين ؟ قناعة الإنسان بعقلانيته و قناعة الحمار بجحشنته ؟
الحمار يحتمر الإنسان و يحاول مساعدته بشؤونه اليوميّة لطيب أخلاقه وحسن تربيته ويدلّه على الطريق إن ضلّ و يحيد عن
الحفر كي يحميه من الوقوع بها , بل ساعد الإنسان على عبور حقول ألغام ! "ألا يكفي هذا لنحترمه كما هو يحتمرنا"
لكن في بعض الأحيان عندما يجد الحمار أنّ المنطق معدوم في أوامر الإنسان له يعلن الرفض و يعنّد في موقفه طالباً
توضيحات من الإنسان في ضرورة ما يُلزمه على القيام به و لكن لا حياة لمن تنادي.

الحمار نادراً ما يغضب (وهذا دلالة على الإنسجام النفسي) و إن غضب فيرفس و الحمار يرفس لا بقصد الأذى إنّما بقصد
التنبيه , فالرفس حركة تقنية عالية المستوى هدفها الرفض بطريقة فنيّة يستعمل الحمار بها حافريه الخلفيين تعبيراً عن نهاية
الحوار مع مخلوق غبي لا يفهم أبسط اللغات على الأرض "الحميريه" ظنّاً منه أنّ الرفس قد يُساعد الغنسان على الفهم ولكن
هيهات من فهم الإنسان .
ومع ذلك يعاني الحمار الويلات من الإنسان لأنّه يحتمره أي يريد أن يهديه إلى هدايته الحميرية.
أنا لا أعرف إذا كان الحمار يطرح على نفسه هذا السؤال، ولكنّني سأُمثّله أنا لأطرحه عنه :
هل هذا الجحش يعرف أنّه جحش؟
إذا كان التجحيش لدى الإنسان صحيح فهذا يعني أن كل ما هو ليس تجحيش عند الإنسان خطأ فيكون التجحيش بذلك هو الأداء
الفكري الصائب الوحيد و هذا بفضل الحمار .
أمّا إذا كان التجحيش خطأ فهذا يعني أنّ الحمار على حق و تكون الجحشنة هي بوابة الفكر الإنساني
الحكم في الأداء الفكري لدى الإنسان أقلّ صلاحية من الحكم في الأداء الفكري لدى الحمار. فلماذا لا يجعل الأضعف من
الأقوى مثالاً له، كما تقتضي الطبيعة في مسيرتها التطوّرية؟
هذا المخلوق الهادىء، الجميل، الحكيم، المتواضع، الصبور مثالٌ حيّ على القيم الواضحة التي تنقص الإنسان.
أمّا الجحشنة فعلينا أن نغيّر اتّجاه الحكم فيها، ونعكسها على أنفسنا لنحسّن من أداء الأنسنة لدينا, بحيث يُصبح الكمال في
الأنسنة هو الجحشنة , أيْ القناعة التامة بأنّ الإنسان هو إنسان وأنّ الجحش جحش, ولا يعلو أو يسمو الأوّل على الثاني بشيء , بل يوجد عند الثاني ميزات أفضل ممّا عند الأول.
* (في مكتبه...في بيته، تجد تماثيل الحمير منتشرة في كل مكان...انهمكنا في قصص كثيرة ولم يتح لي أن أسأل الحارث عن قصته مع"الحمير"...هو اليوم يرويها على صفحته..)
أيمن قحف

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024