الأحد 2012-06-10 17:55:46 كــتب
الشاعر سعدي يوسف يستنطق الجغرافيا مرة أخرى في (ديوان طنجة
رغم ما يعانيه الشاعر سعدي يوسف من سأم الشوق والذكرى إلا أنه في (ديوان طنجة) يرسخ رؤيته للمكان الذي يعايشه ليس عبر توصيف مجاني وإنما من خلال رؤى تحاول صياغة بورتريه شعري لطنجة بشوارعها وحاناتها ومقاهيها وطباع أهلها وعادات العشق فيها بمعنى أنه يحيل المكان إلى قصيدة مستنطقاً الجغرافيا كما فعل مراراً في دواوينه (بانوراما.. أنا برليني) و(الديوان الإيطالي) و(قصائد نيويورك).

ويلفت صاحب (حفيد أمرؤ القيس) إلى أنه في حال تع ثر عليه القول فإنه يسعى لاكتشاف أبجديات أخرى يستطيع من خلالها تسويغ الحياة والانتقال من سبيل إلى آخر بغية إيضاح ما يريد قوله وبكل المشاعر التي يستطيع أن يبثها.. يعبر عن ذلك في قصيدته..

لست أدري ما أقول..

أو ليس خيراً أن يقول المرء..

إني لست أدري ما أقول؟..

وكأن ما قد قيل إن صدقاً وإن كذباً...

سبيل آن يلتاث السبيل.

فلتفتح العينين واسعتين

ولترهف مسامعك الرخية

ولتجرب مرةً لغة الأصابع...

ثم حاول

مرة أخرى

وحاول

سوف يتضح السبيل!

ويلجأ يوسف إلى دعابات الخيال مستهدياً إلى ما يجعله متماهياً مع ما يشعر به من مفارقات في بلدان قال عنها في قصيدته (نوم الهناءة).. تشابهت البلاد.. وصرت أعرف ما سألقى ههنا أو ههنا.. حتى كأنني راحل في راحتيّ... ضمن تلك الغربة الشعورية الناجمة عن أضدادها يتخلى الشاعر عن إحساس السائح مقابل العيش كواحد من أهل البلد ويتجلى ذلك في قصيدته (دعابة) التي يقول فيها..

في شارع الأزهار في باريس

فجراً أستفيق على روائح شَعر من أحببت

خبز أهلة من مخبز الحي المجاور لي.. ويدعى في بلاد الغال (كرواسان)

سأقبل البنت التي أحببت.. وسوف نكون كالعشاق معتنقين

سوف تقول لي حتما.. صباح الخير! سوف أرد مبتسماً.. صباح الخير

يا حبي وأضحك.

هل نمثل؟

لا. ولكن الصباح بشارع الأزهار يبدأ هكذا.

وتبلغ درجة تماهي الشاعر مع (طنجة) مبلغاً كبيراً لاسيما في أحياء فقرائها التي يكون فيها سعدي يوسف حراً ومنتشياً بحيث أنه بات من أشد العاشقين لهذه المدينة المغربية التي يتلاحم فيها البحر مع اليابسة فهي المدينة المستحيلة مساءاتها غريبة تشبه الدروب التي لا توءدي إلى البحر وهو فيها بحاجة إلى خرائط كي يقرأ الليل الذي يهيئ الصباحات البهية.. يقول صاحب أغنية (صياد السمك) في قصيدة بعنوان (حقيقة)..

هل تظن السماء بطنجة سوف تظل سماوية؟

ربما.. وبما أن ريح الخريف تناوحت اليوم صرت تسأل..

من قال إن الخريف المودع سوف يكون ربيعاً؟

أنت تعرف كالناس كيف الفصول تجيء مكبلةً بقوانينها..

أنت تعرف الآن كيف تظل السماء سماوية؟

إن طنجة ليست سوى لحظةٍ للذهول..

ويتحول في هذا الديوان البشر إلى جغرافيا من نوع آخر فحبيبة سعدي البلغارية (دوستينا لافرن) هي بحر الإغريق الذي عايش انغماسهما بنبيذه وتذوقوا انكسارات ليله الحر بالأصابع أما زميل سكنه خالد فهو ابن الناضور من منطقة الريف يستعيد معه حركة التحرر التي قادها عبد الكريم الخطابي محاربا الاحتلال الإسباني والفرنسي إذ يقول في قصيدته (المغربي يقول)..

خالد القادم من الناضور إلى طنجة

والذي يسكن في أوتيل ريتز العتيد حيث أسكن

خالد قال لي وهو يعرف نفسه..

أنا من الريف المخيف

ريف خالد هو ريف عبد الكريم

الإسبان استعملوا الغاز السام الألماني

ليقتلوا أهل خالد

ليقتلوا حلم عبد الكريم

لكن خالد هنا

خالد معي

الريف معي في أوتيل ريتز

الريف...

الريف...

الريف المخيف!

يذكر أن (ديوان طنجة) صادر عن دار التكوين ويقع في 87 صفحة من القطع المتوسط أما الشاعر سعدي يوسف فهو من مواليد البصرة بالعراق عام 1934 حاصل على ليسانس شرف في آداب العربية وعمل في التدريس والصحافة الثقافية نال العديد من الجوائز في الشعر منها جائزة سلطان العويس والجائزة الايطالية العالمية وجائزة (كافافي) من الجمعية الهلينية وفي العام 2005 نال جائزة (فيرونيا) الإيطالية لأفضل مؤلف أجنبي.

وهو عضو هيئة تحرير(الثقافة الجديدة) وعضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي وعضو هيئة تحرير مساهم في مجلة (بانيبال) للأدب العربي الحديث وهو مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024