الإثنين 2009-11-23 08:21:50 الفن التشكيلي
الفنان أدهم اسماعيل رائد الأصالة القومية في الحركة الفنية السورية
 
ولد الفنان ادهم اسماعيل في انطاكية عام 1922 وظهرت موهبته في سن مبكرة وكانت رسومه في المرحلة الابتدائية على صلة بفن الكبار أكثر من فن الصغار ومنذ أن انتجت له المجموعة الكامللة لأقلام التلوين أصبحت الأزهار التي رسمها كائنات حية وحشية الألوان وأصبحت أغصان الأشجار محملة بأجنحة مزخرفة لها مكان في الخيال، وهكذا تميزت طفولته بنضج مبكر وعلى مختلف الصعد الفنية والثقافية والحياتية.
تمثل الفترة ما بين 1943-1951 مرحلة من أكثر مراحله الفنية اشكالية، إذ كان يتخبط في غمار البحث والتجريب والاكتشاف والتأثر، والمعالجة الجمالية المتنوعة بشتى الموضوعات القومية والاجتماعية والنفسية، وظهرت للفنان رؤية فلسفية لكنها محققة كإنجاز تشكيلي بعناصر رمزية وعوالم رومانسية وشاعرية تتباين أيضاً مع تجارب "أدهم" الواقعية الطبيعية والتعبيرية والتجريدية مما يؤكد لنا محاولاته المتنوعة لبحث في مختلف المدارس والاتجاهات الفنية العالمية.
وتبقى أعمال فناننا في هذه المرحلة مجرد تجربة لم تنضج ولم تأخذ مداها إلا أنها تشكل بلا جدال المحاولات الأولى لبناء الشخصية الفنية العربية المعاصرة التي وصل إليها وتميز بها عند عرضه لوحة "القتال" عام 1951م التي أراد أن يعبر فيها عن إرادة الإنسان المسحوق وعزمه القوي على مقاومة الظلم والقهرن وقد تحدثت الصحافة آنذاك بإسهاب عن هذه اللوحة، وبدأ النقاد يوضحون ميزات أسلوب "أدهم اسماعيل" وبحثه عن هويته من خلال ما اسماه "بالخط العفوي اللانهائي" والألوان البراقة المحتدة في سطوح محددة صريحة ومن الجدير بالذكر أن لوحة القتال عرضت في المعرض الثاني لفناني القطر، وشعر المشاهدون والنقاد أن الفنان "أدهم اسماعيل" يقدم أول تجربة حديثة الأسلوب على صلة بالتراث العربي، تحمل المقومات الفنية الأصلية وتعبر عن مفهوم جديد للفن لم يسبق إليه.
ولم يقف "أدهم" عند ظاهرة اجتماعية محددة دون غيرها في لوحاته، فقد عالج مجموعة قضايا اجتماعية انطلاقاً من حسه الإنساني المرهف ووعيه الاجتماعي المتطور ففي لوحاته عن العمال "عمال البناء- عمال الحفر" صاغ الجهد الإنساني الخلاق ومعاناة الطبقة العاملة وتعتبر لوحة "عمال الحفر" عام 1960 من أعماله المتطورة التي تميزوت بتصويره العمال في حركات تعبيرية متنوعة تكشف عن أكثر من حالة إنسانية.
وبعد عودة الفنان أدهم اسماعيل إلى سورية متخرجاً من أكاديمية الفنون في روما عام 1956 عين مدرساً للرسم في درعا واستمر إلى أن انتدب للعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بالقاهرة 1959 أيام الوحدة وشارك في معرض الاسكندرية الثالث بلوحة "نساء من حوران على العين" التي أعجبت النقاد ولجنة التحكيم ومنح جائزة امتياز.
إن فترة إقامته في مدينة درعا 1956 -1959 ومعايشته الإنسان الشعبي في ريفها تركت أثراً كبيراً في تجربته الفنية بالجمال الشعبي المحلي ممثلاً بالريفية في الوقت الذي عبر فيه عن معاناتها مشكلاتها الاجتماعية، علاقتها بالرجل، علاقتها بالأرض الوطن كما في لوحات "نساء من حوران- الحطابة حورانية".
ولو بحثنا عن البعد القومي في تجربة "أدهم" الذي تحقق كنتيجة لموقف سياسي وثقافة قومية اشتراكية بل وحياة سياسية عاشها ثائراً ومناضلاً لذلك فقد التحم بالأحداث المتتالية "سلخ اللواء- نكبة فلسطين- العدوان الثلاثي على مصر- الثورة الجزائرية.." وجاءت موضوعاته القومية مترجمة لذلك التلاحم والوعي والموقف وإن أول عمل فني منجز عن القضية الفلسطينية في تاريخ الحركة الفنية المعاصرة في سورية هي لوحة الفنان "أدهم اسماعيل" والتي تحمل عنوان "أسرة مشردة في شارع" والتي عرضها في أول معرض في القطر العربي السوري عام 1950 وهي من وحي النكبة وكانت غريبة عن باقي المعروضات ويتابع أدهم بحثه في القضايا والأحداث القومية وصولاً إلى رائعته الخالدة "الفارس العربي" والتي عرضت لأول مرة عام 1957 "معرض الجمعية السورية للفنون بدمشق"
إن لوحة الفارس العربي لأدهم اسماعيل الرائد الأول للمدرسة القومية في فننا الحديث، تشكل مثالاً كاملاً لهذه المدرسة، فالأبعاد فيها تجتمع كلها في بعد واحد أقرب إلى السطح وهو تقليد قديم من التراث العربي الإسلامي، وأخذت الألوان شخصيتها المعبرة المشعة بفكرتها، كلاً على حده وتحولت إلى النزعة الدينية العربية "أرابيسك" طيف واع آخر.
وأطل أدهم بنظرته الثاقبة إلى التراث العربي ليكتشف الآرابيسك من جديد وليفسح المحال لاستخدامه بشكل جديد ضمن تجربة نراها عند "أدهم" عموداً فقرياً ومحوراً رئيسياً لأعماله الفنية بأجمعها..
وقد تاثر كثير من الفنانين السوريين بغنى أدهم اسماعيل وأخذوا ينحون منحاه منهم الفنان محمد الحسن الداغستاني بالقيم والأخلاق.
ومن كان للغنى والقضية فهو حي خالد لا يموت.
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024