الإثنين 2009-11-23 08:04:10 أدبيات
قررت أن...
   
أن تدعو نفسك إلى الخروج من جسدك من جلدك... لم أستطع أن أتوقع يوماً، أن تلك الحشرة الصغيرة قد تجعلني أفكر في هذا!!...
كنت أحاول أن أتذكر دروس العلوم جميعها فأخفقت، كانت ذاكرتي تدلف إلي صورة أستاذ العلوم يتقيأ معلوماته.. سألته ذات يوم: ألا يوجد في العالم مخلوقات تتقيؤها أمهاتها فتولد؟!.. الشيء الذي أتذكره هو أنني طردت من الصف.
إذا كانت هذه الناموسة هزمتني بهذا الشكل الواضح، فعلي إذاً أن أفكر فيها ولماذا هزمتني؟!...
في مثل كل ليلة تمر أحاول أن أنام، فتبدأ معركتي لطرد ملايين الأفكار السوداء والبيضاء والحمراء.... أفكارٌ بعدد ناموس العالم الذي لم يستطع كل علماء هذا الكون الذين يظهرون على التلفاز بكامل الأناقة وضعف الجسد أن يحصوا عددها، وأنا لم أستطع أن أتوصل إلى عدد أفكاري.
كنت على وشك أن أزيح كل ما يخطر ببالي، حتى أتت وتحديداً قرب أذني، تسمعني صوتها، أفتح عيني فلا أجد غير الظلام، أحاول أن أفكر في شكلها فلا أستطيع، يهتز جسدي ويأمر عقلي يدي بأن تتحرك لتطردها من حول رأسي فتفلح للحظات، ثم يعود ذلك الدوي الهائل، أليس جنوناً أنني أكبر منها بآلاف المرات، بل أكثر، وهي تجعلني أجلس على سرير أفكر في طردها من أحلامي وأفكاري.
جلست بهدوء أحاول أن أفكر، ما الذي أتى بها إلي؟!.. إنني لست قذراً؟!.. فقد تركت الماء يدلف علي منذ قليل، ربما أكون تركت شبك النافذة مفتوحاً في النهار!!.. أليس من حق أي إنسان أن يترك شبك النافذة مفتوحاً؟!... كنت أريد أن يدخل الهواء إلى الغرفة فابتليت بناموسة!!.. أين هي الآن؟!... أنظر حولي فلا أجدها، أطفئ الضوء، أستلقي، فتبدأ بالطنين الهائل قرب أذني، أغمض عيني، أحسها بروحي، لعلي أستطيع أن أخاطبها لأقول لها: لماذا أنا؟!... هناك من أكل اللحم ظهراً وأدخل إلى جوفه الفاكهة مساء؟!... لعل دمه أفضل طعماً من دمي، إذا كنت تتذوقين ما تأكلين.. وبدأت أحدثها بصوت عال لكنني لا أراها.... وحده الطنين الهائل بقي في أذني...
حسناً.. إذا ما قسمنا الناموسة على مساحة الكرة الأرضية - دون المحيطات والبحار - فكم تبدو نسبتها إلى الأرض؟!.. يبدو أنها غير متناهية!!.. وإذا كان جسدي بالنسبة للأرض غير متناهٍ.. فكيف بالناموسة؟!... لم تجد غير جسدي لتقترب منه، ولماذا أنا؟!..
لو سألتها ممن شربت دماء، لقالت إنها شربت دماء امتلأت بالماء من شدة الجوع، ودماء امتلأت بالأفكار، ودماء امتلأت بالجنون، وأخرى بالجمال، ومن المؤكد تجري في عروقها دماء امتلأت بالحقد، أخذتها من دم طفل صفع على وجهه عندما أراد أن يتكلم، إذا امتصت وجبتها الآن، فقد تستطيع أن تجد تلك القطرة التي تحمل ذاكرتي، فأصبح بلا ذاكرة وتصبح ذاكرتي بها، هل من المعقول أن أدع ناموسة تحمل ذاكرتي؟!...
سوف أقتلها، لا بل سألتهمها!!.. أفتح فمي وأطير فتدخل في جوفي، لكنني لا أستطيع الطيران، لو استطعت لكانت وجبة دسمة، قد أمتلك من خلالها ذاكرة الآخرين، ومن المؤكد أنني سأمتلك ذاكرتها، لكنني الآن متعب من ذاكرتي... هل سيثقل علي حمل ذاكرة ناموسة؟!.. وماذا ستحمل في ذاكرتها غير كيف تأكل وكيف تتكاثر وتبيض وتمتص الدماء وتصدر ذلك الصوت الهائل؟!.. نحن الآدميون لا نبيض ولا نمتص الدماء، إذاً هناك أشياء جديدة ستدخل إلى ذاكرتي.
قررت أن ألتهمها حتى أعرف كيف.... لكن صوت ذاكرة الساعة يعلن السابعة صباحاً موعد الرحيل إلى العمل.
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024