تفضل الدكتورة الناقدة ميادة اسبر ألا تنحاز إلى شكل أو إلى جنس أدبي محددين فهي تقرأ النص الادبي باحثة عن الجمال وعن الشكل اللائق لصاحب النص وفي حال توفرت الاسس الأدبية للنص توقع تحته وتدخل عالمه.
واسبر التي تمارس كتابة النقد وتدرسه للطلاب في الجامعة ترى بونا شاسعا بين هذين المجالين فقالت في حديث لـ سانا الثقافية “هناك فارق مهم بين النقد كظاهرة ابداعية وتدريس الادب كحالة تعليمية مدرسية ولكي يصبح الناقد مدرسا يجب ان يلم بالهدف التعليمي اولا عبر اتساع المادة المدروسة ثانيا وان يدرس الادب بمراحله التي تمتد عصورا موغلة في القدم ثم يطلع على اداب الأمم الأخرى ويقف على إبرز المحطات الابداعية التي شكلت نقاط انعطاف في تاريخ الاداب”.
وتابعت استاذة النقد في جامعة البعث “لا يمكن الفصل هنا بين دراسة الآداب كتأريخ للمنجز الإبداعي والنقد رغم أن الأول يعنى بتدريس الادب بعصوره المختلفة بحسب التقسيم السياسي للعصور التاريخية بالإضافة إلى تدريس علوم اللغة واللسانيات بفروعها اما النقد فيشكل مادة واحدة في الجامعة يتم تدريس مراحله المختلفة على امتداد سني الدراسة الجامعية في المرحلة الاولى ليستكمل بعدها الناقد عدته في المراحل التالية في سني الدراسات العليا”.
واوضحت اسبر أن تعميق التخصص في العمل النقدي ياتي بصورة فردية من خلال القراءات الفردية وانجاز الابحاث العملية بصورة اكثر جدية والعمل على تطوير التفكير النقدي بحضور الجلسات العلمية والندوات النقدية ومتابعة الابحاث والنظريات النقدية المنشورة ثم تليها المرحلة التي يعمق فيها الناقد علومه ومعارفه وينقلها من مجال التنظير الى مجال التطبيق.
واشارت اسبر إلى أن النقاد في بلدنا ينضوون تحت قسمين أولهما من يمارسه بناء على تحصيله العلمي المتخصص في الجامعة والتي تقوم بالحد الادنى بتنظيم وتوجيه الفكر لأن ميدان النقد لمرونته قابل للتداخل بسهولة مع حقوق معرفية مجاورة من علم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والانتروبولوجيا.
أما النوع الثاني فهو النوع الذي حقق تحصيلا علميا مقبولا حيث رات اسبر ان الجهد الفردي قد يصنع ناقدا حقيقيا ولكن يجب ان يعمل صاحبه على إثبات ما لديه من ملكة النقد فيما يقدم من عمل بحثي جاد ورصين لافتة إلى أن مجموعة من النقاد تمارس النقد في اللقاءات الأدبية كظاهرة ايجابية تستدعي في الوقت ذاته التعامل معها بحذر.
وأكدت أن الخطاب النقدي يجب أن يكون موجها إلى الأدباء أولا وإلى النقاد ثانيا حتى لا تخدع هاتان الفئتان بالنقد الزائف معتبرة ان الجمهور العام الذي يتوجه اليه النقد لا يعنيه الخطاب النقدي الا بمقدار ما يكشف لهم عن جماليات النصوص الادبية لانه خطاب علمي متخصص له ادواته واجراءاته ومصطلحاته.
وعن مستوى النقد الأدبي في سورية مقارنة بالدول العربية بينت انه لدينا في جامعاتنا نقادا اسهموا في ارساء دعائم حركة نقدية مهمة ولهم يد لا تنكر في النقد العربي قديمه وحديثه مقدمين اعمالا نقدية مشهودة تتفوق على نظرائها في البلاد العربية على اقل تقدير.
وحول امكانية الاستفادة من نتائج العقلية النقدية العربية عبر العصور قالت اسبر “وصل نقدنا العربي القديم الى وضع اصول نظرية نقدية لا يمكن لاي بحث جاد ورصين ان يغفلها بدءا من أول مدونة نقدية عند الاصمعي مرورا بجهود قدامة بن جعفر وابن المعتز وابن طباطبا وابن قتيبة والامدي وصولا إلى المرزوقي الذي تكاملت عنده اصول نظرية عمود الشعر كما وضحها في مقدمة شرح الحماسة وانتهاء بنظرية النظم عند الامام الجرجاني”.
وتابعت مؤلفة كتاب شعرية ابي تمام “لا تكتمل ادوات النقد الحديث في ظل قطيعته المعرفية مع جذوره وعندما ننطلق من نقدنا القديم نصل إلى وضع نظرية نقدية عربية حديثة ترقى إلى ما انتجته المدارس النقدية العالمية في اصح اتجاهاتها ولا سيما اذا انطلقنا من الجرجاني مع عدم غض النظر ايضا عما انتجته الساحة النقدية اليوم عربيا وعالميا” معتبرة أن النقد يتطور بطريقة تراكمية.
ولان التراكمية ضرورة للعمل النقدي لفتت اسبر إلى أن الدراسات والبحوث الادبية محتاجة على نحو دائم لممارسة النقد عليها في اطار التفاعل بين فروع نظرية الادب سواء في التقييم واطلاق احكام الصحة والخطا والتي ليست قاطعة ونهائية لانها تدخل في باب الفهم والقراءة.
وترفض الاستاذة الجامعية أن ينحدر النقد الى اللغة اليومية لانه نوع من النشاط المتخصص قد تسيء اليه مراعاة الجماهيرية والتي برايها ليست معيارا في نجاح الخطاب الادبي والنقدي بل على العكس قد تجنح به إلى التبسيط المخل وتكون علامة على وقوع الخطاب في العام المشترك وانحرافه عن التفرد والابداع.
ولكن اسبر ترى أيضا أن الابتعاد عن الجماهيرية في النقد لا يعني بالضرورة مخالفة الذوق العام والحساسية الادبية وصدعها بما لايتلاءم ومحدداتها ومعطياتها الجمالية مع التاكيد ان ما يعني الجمهور من الخطاب النقدي ثمرته لا اجراءاته لفهم النصوص الابداعية وتخليص الظاهرة الأدبية مما يشوبها.
ودعت اسبر إلى أن لا يقبل الناقد على اللغة الوعرة والغامضة لان ذلك علامة على قصور ادواته عن بلوغ غاية النقد ودليل على عجزه وخلطه المفاهيم والمصطلحات على غير دراية وهدى من امره.
يشار إلى أن الدكتورة ميادة اسبر استاذة الدراسات الادبية في جامعة البعث بحمص لها عدد من الموءلفات الادبية النقدية منها شعرية ابو تمام والخبر ومقاصده عند الجاحظ وشاركت في العديد من الندوات النقدية على مستوى سورية ولها ابحاث محكمة بالادب قيد الطبع.
