تأخذك لوحات الفنانة ماري آن مرقص إلى عوالم روحانية تزخر بقصص قرأناها في الكتب السماوية لترويها مرقص بأسلوبها الخاص من خلال سلسلة أعمال فنية تعرض قصة الحياة والوجود بدءا من الظلمة وصولا إلى النور والفردوس والخروج من الجنة.
المتحف الوطني في اللاذقية كان مسرحا لمعرض الفنانة مرقص الذي حمل عنوان “الخليقة” وأرادت من خلاله عرض ثمانية عشر لوحة فنية جسدت رؤيتها الفنية والروحانية إضافة إلى محاولتها توصيف الأزمة التي يعيشها الإنسان السوري من خلال إسقاط الرموز والمعاني التي تحملها اللوحات على عذابات السوريين ومشيهم في درب آلامهم حاملين صليب الخلاص لهم ولغيرهم.
إنجاز لوحات المعرض تم على المدى الطويل انطلاقا من مكان إقامة الفنانة مرقص في حلب لتكمل بقية الأفكار في اللاذقية التي تعتبرها عشقها الأبدي ومقر جذورها التي انحدرت منها فاختارتها وجهة للاستقرار بعد الفرار من الإرهاب التي ضرب حلب وأطلقت فيها معرضها الفردي الأول الذي تعتبره خلاصة تجربتها التشكيلية.
وتقول مرقص في حديثها لسانا الثقافية تقودني الريشة لرسم افكاري التي تتفجر وحدها مع بداية تنفيذ العمل الفني الذي أبدؤه دون تصورات مسبقة واستخدم بشكل كبير الألوان الزيتية في لوحاتي نظرا لقدرتها على إعطاء الطبقات اللونية التي أرغبها كما أنها قادرة على بث الروحانية العميقة المرجوة في العمل الفني.
الألوان الترابية المرتبطة بالأرض والجسد طغت على لوحات ماري آن التي تبنت الرمزية لتقديم أفكارها بحيث تعطي الفرصة للمتلقي لتفسير الفكرة بطريقته الخاصة كما كان للمرأة حضور كبير في عناوينها لا سيما وأنها رسمتها بتكوينات مختلفة فتارة كانت متمردة وأخرى متوحدة مع الرجل في جسد واحد كما أنها تحتضن طفلها تاركة له مساحة للانطلاق في عمل آخر لكنها اعتبرت أن لوحة الخطيئة التي ظهرت فيها حواء مع آدم والأفعى تحيط بهما نقطة تحول مفصلية في تطور خطها الفني من حيث الرؤية والتقنية الفنية.
وأضافت مرقص اخترت الأيقونة كأساس للانطلاق في أعمالي الفنية لأنها النوع الفني الوحيد الذي يصمت أمامه الفنان ليسود الجانب الروحاني في العمل الفني على عكس الأنواع الأخرى كما أن المواضيع التي اخترتها لمعرضي يناسبها هذا النمط خاصة فيما يتعلق بظلمة ما قبل الخليقة ونور الوجود والفردوس وصراع قابيل وهابيل لتكون الذروة في رسم السيد المسيح وقد قام بعد صلبه بجسده المعذب وحمل صليبه ليخرج بنا من العاصفة التي ظهرت على شكل موجة خلفه كدلاله على حتمية خلاص السوريين عاجلا أم آجلا.
بدوره قال الأب اسبيردون فياض مدرس في كلية الفنون الجميلة بجامعة تشرين أنه لمس حضور الأيقونة في أعمال الفنانة ماري آن مرقص بشكل واضح من خلال الفكرة واللون وانتقالها بين الألوان الباردة التي ترمز للطبيعة البشرية والألوان الحارة التي تمثل القرب من الله منوها أن لوحة آدم وحواء مع الأفعى تمثل فكرا لاهوتيا يعبر عن الخليقة التي حملت اسم المعرض كما أن مرقص التي انطلقت في لوحاتها من الظلمة إلى النور وصورت الصراع البشري من خلال قابيل وهابيل استطاعت أن توصل رسالتها بأن الإنسان من التراب وإلى التراب يعود.
وتابع فياض نجحت الفنانة في تسخير ضربات الريشة لخدمة محتوى اللوحة مما يدل على أن تجربتها الفنية ليست وليدة اليوم لاسيما وأن ماري آن مارست رسم الأيقونة في مركز لوقا الإنجيلي لتعليم الرسم الذي أشرف عليه بنفسي فكانت الأفكار تختمر برأسها بشكل كامل لتبدأ بعدها بالرسم فتكون كل لوحة بالنسبة لها ولادة جديدة تتمخض لتكون عملا فنيا متكاملا روحيا وفنيا.
أما المهندس ابراهيم خير بك مدير آثار اللاذقية أشار إلى أن المتحف الوطني باحتضانه لمثل هذه الفعاليات الفنية يعيد الألق لدوره المجتمعي والفني والسياحي كصرح ثقافي عريق لافتا أن هذا المعرض يذكرنا بالأيقونات السورية التي جسدت حياة السيد المسح على اختلاف مراحلها مما يظهر عراقة تاريخنا وتراثنا الأصيل في مجال الأيقونات الدينية التي تميزنا بها واستطعنا تطويرها بأسلوبنا الفني الخاص.
يذكر أن الفنانة التشكيلية ماري آن مرقص من مواليد حلب 1968 ولها العديد من المشاركات الفنية ضمن معارض جماعية في سورية.