دريد أكرم زينو - سيريانديز
مما لا يخفى على أحد أن الإحالة إلى التقاعد تتم في حالِ الوصول إلى عمرٍ محددٍ أو عددَ سنواتِ خدمةٍ محددةَ من قبلِ القوانينِ الناظمة .. لكننا قد نجدُ العديدَ من الموظفين الذين يطلبون التقاعد رُغْمَ عدمَ تحقيقهم ما سبقنا ذكره, وذلكَ لأسبابٍ متعددةٍ نجدُ أن أهمها هو أن هذا الموظف قد "سَقَّفْ" أي أن راتبهُ قد بلغَ أعلى سقفٍ ممكن ولن يستفيد من أيةِ ترفيعات.
نستطيعُ وببساطةٍ أن نُسقِطَ حالَ من "سَقَّفْ" على بعضِ المثقفين السوريين فهم وللأسف قد وصلوا إلى مرحلةٍ استنفدوا فيها أو استُنْفِذَ فيهم كل الرصيدِ الفكري والذي يعتمدُ على التجديد, فنراهم يعودونَ ليستهلكوا المُستَهلك في محاولةٍ منهم لإحياءِ الكلام من رحمٍ باتَ عقيماَ, رافضين الاعتراف بأنهم قد بلغوا المحطة التي يجبُ عليهم مغادرةُ القطار الثقافي فيها, كيما يفسحوا المجال لركابٍ جُدد يحملونَ في حقائبهم الفكرية الكثير من التجددِ والتجديد, متناسينَ أنهم، وبتشبثهم بأماكنهم، يرغمونَ القطار على التوقف مطولاً، في حين أن جميعَ القطاراتِ الثقافيةِ في البلدانِ الأخرى تسيرُ مُسرعةَ نحو مستقبلٍ فكري مشرق.
كيفَ نستطيعُ إقناعهم بأنهُ لا عيبَ في التوقفِ والاستماع للآخر ونقده ومساعدته وتصويبِ أخطائه وتطويرِ موهبتهِ بدلاً من إحباطهِ بمقارنةِ ما يقدمهُ الآن بما قدَّموه هُمْ منذُ عشراتِ السنين !!.
كيف يمكننا الاعتمادُ على إرثٍ ثقافيٍّ يكتبهُ مثقفٌ رافضٌ كارهٌ لكلِ موهبةٍ جديدةٍ تحاولُ السطوعَ في هذهِ السماءِ المُظلمة ؟؟.
منذُ عدةِ أيامٍ دعيتُ لحضور أمسية في إحدى الملتقيات الثقافية، وجلستُ على إحدى الطاولات برفقةِ عددٍ من الأصدقاءِ الشعراء والكتاب, وأمامي على الطاولةِ الأخرى جلس مثقفٌ هَرِمٌ ممن يرفضون مغادرةَ القطار أو على الأقل البقاء في المحطة, هذا المثقف يحملُ في قلبهِ كُرهاً أعمى لأحدِ الجالسين على طاولتنا نتيجةَ خلافٍ سابقٍ بينهما, حتى أنكَ تستطيعُ أن تلاحظَ "السُّم يَقطِرُ من وجهه" بسببِ وجودِ الآخر.
كيف تستطيعُ أن تكونَ شاعراً وتكره ؟؟
الشاعرُ لا يعرفُ الكُره إلى قلبهِ طريقاً, هذا ما تعلّمناهُ من إرثِ العصرِ الذهبي للثقافةِ السورية.
أقولُ دائماً وفي كلِ مناسبةٍ أن " الشعر نبوءة, وما كلنا بـ نبي ".
حاولتُ كثيراً أن أتناسى وجودهُ وأبقى جالساً فأنا قَدِمْتُ لأستمتعَ وأستمِعَ إلى ما أستطيعُ أن أسمّيهِ شعراً لا لألوم نفسي كما كل مرة على عدم حملي لمسدسٍ أطلقُ منه رصاصةَ رحمةٍ في رأس الشعر.
أؤمنُ بأنَ الوقتَ قد حان للبدءِ بالثورةِ الأدبيةِ وإقصاء كل من يقفُ في وجهِ قطارنا الثقافي والذي نعتمدُ عليهِ في نقلِ الإرثٍ الفكري النظيف, لأنهُ وهناكَ في المستقبل جيلٌ ينتظرُ ويعتمدُ علينا, فدعونا لا نخذله.
