ذهب الفنان عروة العربي في الاحتفالية التي قام بإخراجها ليوم المسرح العالمي هذا العام عن نص لشادي كيوان نحو أسلوب أقرب إلى عروض “البيرفورمانس” مقارباً عدة فنون في الحفل الذي أنتجته مديرية المسارح والموسيقا مشاركةً مسرحيي العالم الاحتفاء بعيدهم السنوي حيث اختار العربي عدة مستويات للفضاء الذي شغله بشاشة سينمائية في عمق الخشبة مستعيراً أجواء توزيع جوائز الأوسكار للتعريف بشخصياته التي أرادها شخصيات ساخرة من واقع المسرح الذي وصل إليه هذه الأيام. ومزج الحفل الذي حضره وزير الثقافة عصام خليل بين الكوميديا السوداء وأجواء أقرب إلى الاستعراض من خلال التركيز على انسجام بين الجمهور في الصالة والممثلين على الخشبة عبر عدة فقرات أخذا طابع “الستاند أب كوميدي” حيث افتتح المقطوعات النقدية الساخرة الفنان محمد خير الجراح في تقمص لشخصية النجم العالمي وعبر محاكاة جريئة لهموم المسرحيين السوريين وشجونهم دون اللجوء إلى المباشرة بل عبر منصة توسطت خشبة المسرح قدم عليها كل من الفنانين الشابين أريج خضور ويزن خليل فقرات متنوعة في صياغة بدت أقرب إلى برامج المسابقات منها إلى العروض المسرحية التقليدية. النجم السوري مصطفى الخاني ألقى بدوره كلمة يوم المسرح العالمي لهذا العام والتي كتبها المخرج البولندي كريستوف ورليكوفسكي حيث قال عبر تسجيل بثته الشاشة في عمق الخشبة على لسان المسرحي البولندي “لن نشيد الأبراج بعد اليوم. أما الجدران الهشة التي نبنيها بعناد والتي هي بحاجة إلينا لنحميها فتهدر طاقاتنا الحياتية”. وأضاف الخاني مكملاً رسالة المسرح العالمي “لم يعد لدينا القوة للتطلع إلى ما يكمن أبعد من الباب-خلف الجدار. لأجل هذا ومنه، على المسرح أن يكون وأن يستمد قوته من النظر في الممنوع حيث تسعى الأسطورة لتفسير ما لا يمكن تفسيره. ولأنه مجبول بالحقيقة، فخاتمته هي المبهم”. وتابع الخاني “إنني على يقين بأن هذه الكلمات تصف المسرح. أما المسرح المجبول بالحقيقة والمنتهي بالإبهام فهو الذي أتمناه تحديداً لجميع صانعي المسرح وجمهوره وأتمنى ذلك من كل قلبي”. الفنان جمال العلي شارك في هذا الحفل بدور “وزير المسرح” بينما لعب الفنان زهير عبد الكريم دور رئيس الهيئة المستقلة للمسرح في حين قام الممثل الشاب كفاح الخوص بأداء شخصية “مدير أكاديمية الفنون” لتلعب الفنانة القديرة وفاء موصللي دور “مديرة مؤسسة التلفزيون” في محاكاة طريفة مزجت بين الساخر والمرير وسلطت الضوء على شجون فنان المسرح وما ناله من تهميش في ظل طغيان زمن التلفزيون وهجرة العديد من الفنانين لأبي الفنون في ظل ضعف الأجور التي يتقاضاها فنانوه ومخرجوه وفنيوه إذا ما قورنت بأجور الدراما التلفزيونية. ودمج مخرج هذه الاحتفالية بين فنون الشاشة السينمائية والرقص والعزف الإفرادي من جهة وبين فقرات التمثيل مقارباً مستويات عدة لقراءة هذا الحفل لتبرز أدوات متعددة في تناول واقع أزمة المسرحيين والظروف الصعبة التي يعملون فيها على عروضهم وذلك وفق الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي ومفردات خطابها للتنويع على المادة البصرية التي صممها وأخرجها الفنان فادي رحمون فيما قدم الفنان إياد جناوي مقطوعة على آلة البيانو وفق صيغة بصرية جاءت في سياق الحفل وضمن إضاءة الفنان نصر الله سفر وديكور الفنان زهير العربي. وتفرد الحفل بتقديم فقرة تمثيلية ابتدأها المخرج عروة العربي من الشاشة عن مسرح رائد هذا الفن المسرحي السوري أبي خليل القباني والمواجهة القاسية التي لقيها مسرحه من قبل “الغلاة والمتطرفين” ليكون هذا المشهد ذروة هذا الحفل بين كل من أبي خليل القباني الذي قام بأداء دوره المغني حسين عطفة وبين خصمه اللدود أبي سعيد الغبرا والذي قام بأداء دوره الفنان يوسف المقبل لتنتهي هذه المجابهة بإحراق مسرح القباني الذي كان في خان الجمرك بدمشق لكن الفنان عروة العربي واجه نار التعصب التي تمثلت في شخصية أبي سعيد الغبرا بياسمين دمشق والحنين وقدرة الفن على مقارعة التطرف والإرهاب والتكفير. كما قدم كل من الراقصين الشابين محمد شباط وميس دلول رقصة تانغو رافقهما فيها عازف الأكورديون الفنان وسام الشاعر بينما أدت مجموعة من الكورال بتدريب من الفنان حسام الدين بريمو أغنية الختام بعنوان “مو كذب” من كلمات كفاح الخوص لتتجلى براعة الفنان أدهم سفر في التقنيات السمعية والبصرية والإضاءة منجزاً صيغة سينوغرافيا مع المخرج العربي الذي حقق خرقاً في نوعية هذه العروض التي اختار لها الموسيقى الفنان قصي قدسية.
