تشكل أعمال الفنان والزميل مازن القوتلي، عودة لجماليات العمارة القديمة، والأماكن السياحية والحضارية والعناصر الأخرى، التي يحولها إلى علاقات خطية ولونية، ناتجة عن استخدام تقنيات رقمية، تجعل اللوحة قريبة أحياناً من تقنية الرسم بالألوان المائية الشفافة والشاعرية،
وتقربها أحياناً أخرى من تقنيات الرسم بألوان كثيفة وعفوية ومحفورة، حيث يعطي المشاهد إيهامات بتشطيب طبقات اللون في أماكن متفرقة من اللوحة. فيعتمد أحياناً الى صياغة معالم المدن والجدران القديمة والأبواب والنوافذ والأقواس، مشكلاً بذلك أجواء وملامح وخصائص العمارة المحلية، وفي لوحات أخرى يتجه لإظهار ملامح الوجه الانساني والمشهد الطبيعي، في فضاءات لونية مغايرة للمألوف والسائد، في خطوات البحث التشكيلي والتقني.
تأثيرات بصرية
ففي لوحاته المتنوعة التي شكلها، بعد جولاته الفنية بين أحياء المدن القديمة، ملامح من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم الشرقي، الذي لايزال رغم كل الغربة التي نعيشها حياً في نفوسنا وذاكرتنا, ومازن القوتلي الذي يستفيد من إمكانيات الدمج ما بين الرسم التشكيلي والتصميم بطريقة الكومبيوتر، يقدم لوحات تنحاز بشكل واضح نحو التشطيب لإبراز تداعيات الحركة الداخلية الانفعالية والعاطفية عبر معطيات اللمسات اللونية السريعة، التي تتوازى مع الايقاعات الواعية والمركزة، باحثاً بذلك عن خصوصية فنية وتشكيلية حديثة ومعاصرة. فهو يبحث عن تأثيرات بصرية مغايرة للوحة المشهد المعماري، دامجاً ما بين إشارات الواقع (المستمد من انطباعات الذاكرة أو من الجلسة المباشرة) وبين تكاوين المنطلقات التعبيرية في أبجديتها الشاعرية والغنائية (الناتجة عن طريقة اخراج الأجواء اللونية).
هكذا تظهر تنويعات الأشكال المعمارية والحضارية في لوحاته، كعناصر متجاورة ومتتابعة، تبحث عن تشكيلات هندسية بعيدة عن المنهج التزييني البصري، الذي يتقيد بالتفاصيل وبصورية الشكل وواقعيته التسجيلية، وفي هندسته المعمارية الهندسية البارزة (في تكاوين القناطر والأقواس والأعمدة والتيجان والمربعات والمستطيلات، التي تحدد أشكال النوافذ والأبواب) يقترب أيضاً من حركة البناء التتابعي العفوي، الذي يحول المساحة الهندسية إلى إطار ضروري يكسر السياق الهندسي، وبالتالي يحد من الرزانة الهندسية الدقيقة، حتى لا يقع في الانضباط العقلاني البارد الذي يعمل دائماً على تجنبه.
وهذا يعني أنه يبدو أكثر اتجاهاً نحو البحث عن إيقاعات وجدانية وعاطفية، حتى ضمن البناء الهندسي المعماري، وبذلك يصل بالمشهد إلى انفلاتات خيالية مفتوحة على جماليات تشكيلية عصرية، لتنويعات الأقواس المتداخلة في عمارة المدن المحلية والشرقية. فالمهم بالنسبة إليه أنه يستعيد إشارات المشهد المعماري والحضاري، بالارتداد إلى الداخل ليخرجه من حيز صمته وليجدده أو يستنطقه بالبوح العفوي والتلقائي والشاعري.
ولا شك بأن الاختبار التقني يحقق له بعض النتائج التي تقرب اللوحة الرقمية، من أجواء اللوحة المرسومة باللون المباشر، حيث تظهر تضاريس وخشونة الملمس، وهذا يقرب العمل أكثر فأكثر من أجواء اللوحة الحديثة والمعاصرة، المنطلقة من الموضوع والأساس الواقعي.
وبتعامله هذا في صياغة عناصر التراث المعماري، والأشكال الإنسانية ولاسيما الوجه، يضفي انفعالاً مباشراً على حركة الخطوط والألوان، بل وينتقل من المعالجة العاطفية التي يتراخى فيها التأليف الهندسي، ذاهباً إلى عفوية تعبيرية مقروءة في حركات اللون وتشطيبات المساحة.
وهي تتناغم مع ذلك الإيحاء بالقدم، حيث تحمل في بعض أجزائها دلالات تاريخية، تبرز في كثير من اللوحات. ولا يعني ذلك أن النمطية البارزة في عدد من الأعمال لم تخرج عن هذا السياق، فهو في عدد من لوحاته، يسعى لإبراز تعاطفه مع الاتجاه التعبيري، الذي غالباً ما يرتكز على المساحات اللونية الحرة، في تكوين الجو العام للوحة، وتقديم مساحات لونية طيعة، تستجيب لهدوئه وانفعاله، لأحزانه وآلامه.
كسر اطراف المساحة
ولوحاته تشكل مناسبة للتعرف إلى مهارة فنية مفرطة في داخليتها وحسيتها، من خلال إدخاله تأليفات لونية وخطية متمكنة من ابتكار مساحات متجاورة ومتداخلة بحرية وتلقائية، ومع ذلك لا يذهب إلى صياغة مجانية أو عبثية بل يعمل على إيجاد صياغة تشكيلية حديثة، لصالح غايات ومقاصد فنية بعيدة عن إغراءات وتوجهات اللوحة الاستهلاكية الصالونية.
هكذا يعيد صياغة العناصر المعمارية والأيقونية، ويصل إلى درجة من الحساسية الخطية واللونية، التي تذهب إلى الجوهر وتحمل هاجس التجديد والبحث عن جماليات مغايرة، باتباع أسلوب العمل على إبراز جمالية تشكيلية.
