يدخل الفنان قاسم ملحو موسماً درامياً جديداً بعملين يتناولان فترة زمنية مفصلية في حياة سورية المعاصرة وهي عقد الثمانينيات من القرن الماضي الذي يعتبر بكل المقاييس العقد الأدسم والأكثر غلياناً لذا توقف عنده أغلب كتاب الدراما السورية في السنوات الفائتة فهو منجم للأفكار بمختلف مسالكها.
وفي حديث لـ«الوطن» أشار ملحو إلى أن العمل الأول يحمل عنوان (البقعة السوداء) للكاتب خلدون قتلان والمخرج رضوان محاميد وإنتاج مديرية الإنتاج في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ويرصد جانباً من الحياة الاجتماعية السورية على خلفية الأوضاع السيئة في لبنان إبان الغزو الإسرائيلي له في عام 1982 ويلعب ملحو بطولة العمل حيث يجسد شخصية شاب يتحول من صعلوك إلى رجل غني وذي أهمية عن طريق الجريمة والقتل ويلفت إلى أن النص «تقليدي ولكنه محكم للغاية وهذا ما أغراني للمشاركة فيه». كما يشارك ملحو في عمل آخر يحمل عنوان (لعنة الطين) للكاتب سامر رضوان والمخرج أحمد إبراهيم أحمد وإنتاج شركة (قبنض) للإنتاج الفني ويلعب فيه «شخصية سوداء إلى أبعد الحدود يقتل بدم بارد لدرجة أنه يقتل أخاه الرضيع لكي لا يذهب للجيش وقد حاولت مع كاتب العمل إيجاد منشأ نفسي لأفعاله ولكن الكاتب يخشى أن يتعاطف المشاهد معه في حال إيجاد هذا المنشأ وهو لا يريد أن تكسب هذه الشخصية أي تعاطف ومن ثم لا يريد إيجاد تسويغ لأفعاله». يؤكد ملحو أنه لمس تغييراً ما في آلية الإنتاج في التلفزيون السوري «انطلقت عدة أعمال دفعة واحدة وهذا مؤشر جيد» ويدعو للخروج من الحالة السابقة التي كانت سائدة وخاصة لجهة عدم الاهتمام بتوزيع مسلسلات القطاع العام باعتباره مال دولة ليس من الضرورة أن يربح، ولا يرى أن مديرية الإنتاج قد تخلصت من كل المعوقات «فهي لا تستطيع حتى الآن أن تقنع أهم عشرة نجوم في الدراما السورية بالمشاركة في أعمالها لأنها ما زالت محكومة بتعرفة أجور لا تسمح لها بذلك».
ولكن ملحو متفائل بقناة (الدراما) السورية التي بدأت بثها منذ أشهر لأنها «تحقق حالة مشاهدة أكبر للمسلسلات السورية» ويرى أن أغلب المنتجين يؤسسون لعمل ناجح فنياً وجماهيرياً ولكن النتائج قد لا تأتي كما يشتهون «لذا لم أعد قادراً على تحديد مدى نجاح أو فشل أي عمل إلا بعد عرضه لأن رأي الجمهور قد يأتي مخالفاً لكل الآراء» ويؤكد أنه كان يتوقع أن يحقق مسلسل (سفر الحجارة) للكاتب هاني السعدي والمخرج يوسف رزق وشارك ملحو فيه (نجاحاً كبيراً ولكن النتائج وردة فعل الناس كانت مخيبة للغاية) ويعتقد ملحو أن العمل متواضع إذا ما قورن بمسلسل (التغريبة الفلسطينية) للمخرج حاتم علي و(الاجتياح) للمخرج شوقي الماجري وكلها تناولت القضية الفلسطينية ويضيف: لم يستطع يوسف رزق أن يحقق من خلال هذا العمل الجماهيرية العالية التي كان يحققها في المسلسلات الاجتماعية.
ويعتبر قاسم ملحو من الممثلين الذين يشاركون غالباً في أعمال رزق ولكنه أشار إلى أنه اعتذر عن المشاركة في مسلسل (ساعة الصفر) الذي بدأ رزق تصويره «لأني لم أجد نفسي في الشخصيات التي عرضها علي».
كما يعد قاسم ملحو من الممثلين السوريين الذين لا يكتفون بالنص المكتوب وتوجيهات المخرج وإنما يعمل دائماً على الاجتهاد وإغناء الشخصية التي يلعبها ويؤكد في هذا السياق أنه اقترح عدة ملاحظات لإغناء الشخصية التي يلعبها في (لعنة الطين).
وكان أن صرّح في وقت سابق أنه لا يفضل أن يلعب الممثل شخصيتين في عملين مختلفين في وقت واحد وهنا يؤكد أنه لم يقع في خطأ حذّر منه من خلال عمله في (البقعة السوداء) و(لعنة الطين) بوقت واحد ويضيف: بدأت بالتصوير مع المخرج رضوان محاميد قبل البدء بالتصوير مع المخرج إبراهيم أحمد ومن ثم أنتجت الشخصية الأولى قبل أن أنتج الشخصية الثانية.
وما زال ملحو يصر على رأي قاله منذ فترة مفاده أن المطلوب من الممثل أن يعتذر عن أعمال لا تعجبه ولا يشارك في كل عمل يعرض عليه ويرد على الذين عابوا عليه مشاركته في أعمال لا تحقق نجاحاً بالقول: أنا حريص على تقديم أعمال جيدة من خلال انتقاء شخصيات جيدة أما مسألة نجاح أو فشل العمل كله هي متعلقة بظروف ومعطيات أخرى ويؤلمني أن أسمع أني ألعب شخصيات جيدة في أعمال ليست كذلك.
ولم يقف ملحو أمام كاميرا أهم المخرجين السوريين وهو لا يخفي رغبته بالعمل معهم ولكنه يرى أن لكل مخرج مجموعته ولا يتردد في القول: أنا من مجموعة الليث حجو وهو يطلبني إلى كل عمل يخرجه بما فيها (ضيعة ضايعة) حيث طلبني للعب الدور الذي أداه بعد ذلك الفنان جمال العلي واعتذرت لأني كنت مشغولاً بتصوير مسلسل (عنترة بن شداد).
ويرى أن نجاح أي عمل مرتبط باقتراح مخرج يضع ممثلاً لديه اقتراح في مكانه المناسب ويسوق مثالاً على ذلك مسلسل (الانتظار) فهو يرى أن كل الممثلين الذين شاركوا فيه (كان لديهم اقتراح) ورداً على سؤال يتعلق بالعمل الذي عُرض في رمضان الفائت وتمنى أن يكون مشاركاً فيه قال بدون تردد: مسلسل (زمن العار) لقد أحببت هذا العمل لأنه ينتمي إلى الفن الموجع الذي أحبه ولا ينتمي إلى الفن التصالحي.
ويرى ملحو أن المجتمع يعاني من أزمات عدة ويدعو إلى عرضها في الدراما التلفزيونية «رغم أن هذا الأمر قد يثير إشكالات» ويؤمن أن مهمة الفن أن يرتقي ويهذب النفس البشرية ويتمنى أن تخرج الدراما السورية من العشوائيات وأن تبحث في موضوعات أخرى قد تلقي الضوء على الطبيعة الساحرة التي تتمتع بها سورية.
وعن قراءته للمشهد الدرامي السوري يؤكد ملحو أن الدراما السورية «ما زالت تعيش حالة نجاح كبير وما يُقال عن بداية تدهور وما شابه ذلك لا أراه أبداً». ولكن ملحو يرى أن هناك حالة تقليد للنجاح «عندما ينجح مسلسل ما نرى في العام القادم عدة أعمال تنسج على منواله وهذه مشكلة كبيرة» ويدعو إلى استمرار حالة التجديد لدى الكاتب والمخرجين والممثلين وإلى البحث عن أماكن تصوير جديدة «هناك منزل في منطقة عين كرش بدمشق تصور فيه أغلب الأعمال، هناك مدن بكر في سورية لم نصور فيها مثل الحسكة وغيرها يجب ألا نكرر أنفسنا حتى في الاستديوهات» ولا يرفض ملحو فكرة أن الممثل السوري يفتت موهبته على مدار العام من خلال اشتراكه بعدة أعمال ولا يجد تسويغاً للفنان الذي (ينظّر في الفن والحياة) ويشارك بعد ذلك في مسلسلات يراها النقاد أنها رديئة ومتواضعة من الناحية الفكرية ويستدرك: قد أتقبل هذا الأمر من ممثل لم يأخذ فرصة ولكن لا أتقبله من فنان أخذ كل الفرص لذا فهو ليس مضطراً لذلك ويؤكد ملحو أنه «لا يحترم مهنياً من يحاول مجاملة المخرجين من أجل مصالحه ولكنني لا أدعو إلى إبداء آراء قد تكون قاسية بحق أحد».
ويوافق على أننا بدأنا نفتقد الفنان الذي يملك مشروعاً فكرياً واضحاً ويضيف: مازال لدينا ممثلون أصحاب مشروع ولكن ليس بالعدد المطلوب، ويجزم ملحو بأن أغلب الممثلين الذين لم يعجبهم مسلسل (باب الحارة) لو عُرض عليهم المخرج بسام الملا المشاركة فيه لقبلوا ذلك.
وعن موقفه هو قال: لم تُعرض علي المشاركة ولو عُرضت لقبلت إذا أعجبت بالشخصية المعروضة علي ولن أشارك لمجرد المشاركة وهنا أود أن أشير إلى أنه عُرض عليّ المشاركة في مسلسل (الزير سالم) الذي عُرض منذ عشر سنوات وحقق نجاحاً كبيراً واشترطت أن ألعب شخصية (جساس) وعندما لم يقبل سلوم حداد اعتذرت عن الشخصية التي لعبها بعد ذلك الفنان سعد مينة. وعن الأعمال التي شارك فيها وكان يراهن على نجاحها قال: أسوأ تجربة في حياتي المهنية كان مسلسل (القدس) مع المخرج الأردني أحمد دعيبس وحزنت كثيراً لأن مسلسل (عنترة بن شداد) لم يحقق شيئاً بالقياس إلى الجهد الذي بذلناه فيه.
