الإثنين 2018-04-23 05:53:03 رئيس التحرير
الخارجية وحدها لا تكفي و جذب المستثمرين المغتربين يتطلب بنية جديدة
الخارجية وحدها لا تكفي و جذب المستثمرين المغتربين يتطلب بنية جديدة

كتب أيمن قحف

طلب مجلس الوزراء في جلسته أمس من وزارة الخارجية والمغتربين تفعيل تواصل البعثات السورية في الخارج مع المستثمرين السوريين الراغبين بالعودة للاستثمار وإقامة المشاريع في سورية وتقديم كل المعلومات اللازمة لهم عن البيئة الاستثمارية والتسهيلات والمزايا التي يتم تقديمها في هذا الاتجاه.

هذا الخبر المقتضب من جلسة مجلس الوزراء أمس أعادني سنتين ونيف إلى الوراء..

كنت قد كتبت افتتاحية بورصات وأسواق أواخر 2015 بعنوان (وهؤلاء أيضاً ثروة) تحدثت فيها عن رجال أعمال واختصاصيين مغتربين ذكرتهم بالاسم يرغبون بالعودة والاستثمار والعمل في سورية ،وختمتها بالقول :(... اليوم هو موعد استقطاب المستثمر الذكي، بل وحتى المتردد، ولكن هذا يحتاج أدوات جديدة؟

نحتاج قوانين جديدة والأهم أدوات جديدة للتطبيق في الوزارات والهيئات المعنية فالعقليات القائمة لا يمكنها على الإطلاق أن تحدث التغيير المطلوب لجذب الاستثمار..

الموظفون البيروقراطيون، والعقول المتبلدة، والابتسامات الغبية البلهاء ورقابة الشك بالجميع لا تنتج استثماراً صحيحاً..

افردوا الأجنحة وتنشقوا هواء نقياً.. رحبوا بالاستثمار ..رحبوا بأبناء البلد يا أبناء البلد..)

بعد نشرها بثلاثة أشهر تقريباً اتصل بي وزير الاقتصاد الدكتور همام جزائري – وكان في ذروة حضوره القوي-ودعاني لزيارته وكنت في حمص ،حاولت الاعتذار إذا لم يكن الأمر طارئاً وضرورياً وفورياً ،لكنه أصر علي للمجيء..

دخلت مكتبه في الرابعة تماماً دون أي انتظار،وعلى الفور قال لي أنه مهتم جداً بما كتبته "بالأمس"عن المغتربين؟!!

أراني مقالي نفسه مطبوعاً من سيريانديز على صفحة أنيقة ملونة بيضاء لا تتوافر عادة في الوزارة ؟!

قلت له أن المقال عمره ثلاثة أشهر ووصله مسبقاً عبر بورصات وأسواق ،فقال لي أنه اطلع عليه بالأمس وأعجب بطروحاتي كثيراً..

عرفت حينها ببساطة أن المقال أثار اهتماماً من مستوى عال وتم إرساله للوزير المختص والقوي حينها ليعرف وجهة نظري،وهذا ما أكده لي الوزير جزائري بعد تركه المنصب بفترة ..

عرضت له أفكاري وآليات العمل والهيكلية المطلوبة واهتم كثيراً بالأمر و سجل ملاحظاته على أمل أن نجتمع لاحقاً للتنفيذ..

لم يطل الأمر وغادر جزائري منصبه ،وفيما بعد سمعت عن مشروع لتطوير عمل الملحقيات الاقتصادية في السفارات ومن ثم خبر الأمس حول الاستثمار..

أقول للحكومة التي أثق بأن بوصلتها الوطنية صحيحة :أهم نقطة ركزت عليها في طروحاتي هي تغيير الأليات والأشخاص أهم منطلق لتحقيق إعادة وجذب المغتربين..

لا يمكن لوزارة الخارجية وحدها تولي هذا الملف،ولو كانت وزارة المغتربين موجودة لتفاءلت أكثر..

الخارجية تغلب النظرة السياسية للأمور،وأثبتت تجارب سبع سنوات مضت أنها تحفظت على معظم الطروحات والمؤتمرات والوفود والمعارض والأنشطة مع معظم دول العالم وأي سؤال يأتيها بهذا الخصوص يكون الجواب غالباً التوجيه بالرفض او الاعتذار عن المشاركة!!

هم أدرى بالوضع السياسي ولا أمنح نفسي حق تقويم الأمور التي هي من صلب اختصاصهم ولكن المقاربات الاقتصادية والاستثمارية مختلفة ،صحيح أن سفراءنا وبعثاتنا يبذلون جهداً كبيراً لدعم العلاقات الاقتصادية وعلاقاتي مع العشرات منهم علاقات صداقة ممتازة وأشهد بإمكاناتهم، لكنهم لا يخرجون أبداً عن تحفظات وزارة الخارجية وحذرها ،هم محترفون في التلقي ومعالجة ما يردهم من وفود وملفات بالطريقة الدبلوماسية لكنهم هواة في المبادرة وليس لديهم صلاحيات التحرك الفعال ولا أدواته ولا موارده..

إن ملف حساس ومرتبط بمستقبل البلد وإعادة الإعمار يحتاج لبنية جديدة أكثر كفاءة ومرونة وذات موارد بشرية ومالية ،بحاجة لأشخاص محددين-لا أخجل من القول أنني منهم- يتمتعون بعلاقات صداقة وثقة مع المغتربين لاستقطابهم وليس إلى موظفين..

لدى المغترب محبة لبلده لا غبار عليها ورغبة في خدمته ويحتاج لضمانات وجرعة تفاؤل ووعد بالربح والأمان ،يحتاج لتواصل صحيح وشفافية بالتعامل ،وبعضهم –ممن قد يشكل قاطرة تسحب وراءها الكثيرين- يحتاج للترغيب وربما امتيازات مما تقدر الحكومة على تأمينها..

 

وأختم بالمقال الذي أشرت إليه في البداية الذي كتبته منذ عامين ونصف في بورصات وأسواق بعنوان :

-----------------------------------

(..وهؤلاء أيضاً ثروة؟!!)

كتب أيمن قحف

قضيت قرابة عشرة ايام في جولة قادتني من دمشق إلى بيروت فلندن ثم فيينا وبراتسلافا وجيلينا في سلوفاكيا ثم فيينا وختمت جولتي في لندن مجدداً قبل العودة إلى بيروت فدمشق..

من دمشق ننطلق وإلى دمشق نعود مع الشوق وخلاصة تجربة يكتسبها المرء مع كل سفر..

دمشق تعيش في قلوب المغتربين أكثر مما تعيش في قلوب ساكنيها، ويعشقها المغتربون أكثر من المدن التي يعيشون فيها ويسترزقون منها!

في فيينا يسألني كبير المغتربين السوريين نبيل الكزبري عن دمشق وأحوالها،  أحكي له بعشق حيث يختلط الألم بالأمل. نبيل الكزبري دمشقي أصيل خرج من تراب دمشق ويعشق ترابها وبيوتها وهواءها وناسها، ولم تغيره كل الظروف عن محبة بلده، يستمع لسيرة دمشق فتغرق عيناه بالدموع!! يخرج لي من درج مكتبه كراساً أنجزه عن سورية كيف كانت وكيف صارت اليوم في زمن«الربيع العربي»!!

بأعوامه التي تقارب الثمانين، مازال الكزبري يخطط للمستقبل وكيف  سيساهم في بناء سورية الجديدة، ليس لديه طموح في جمع المال، لكنه يحلم بأن يجد سورية الحبيبة معافاة وقد أعيد بناء ما تهدم..

في براتسلافا يحاول القنصل الفخري السوري مصطفى صابوني الذي تجاوز الثمانين عاماً أن يبيع الفيلا التي يسكنها هناك ليشتري بيتاً ويقيم مشروعاً في سورية يقضي به بقية حياته!!

في جيلينا السلوفاكية أصبح جورج طرابلسية ابن مدينة اللاذقية أبرز الوجوه الاقتصادية هناك، ويقيم مشاريع كبرى جعلته أهم من السياسيين هناك، وانضم إليه سوري آخر هو الصديق فراس معلا في عالم الأعمال، يفتخران بسورية وأهلها ويحدوهما الأمل بالاستثمار في الوطن الأم..

 

في برنو التشيكية اصبح أبي حمود من وجوه المدينة ويملك سلسلة مطاعم ومحلات وبات شخصية معروفة، لكنه يرجوني أن أنتقي له فرصة استثمارية سياحية تعيده إلى أرض الوطن!!

في لندن، يتألق المهندس حسام شقوف في مكتب زها حديد- أحد أهم خمسة مكاتب تصميم هندسي معماري في العالم- ليصبح من مهندسي الصف الأول في المؤسسة، أنجز مشاريع عملاقة حول العالم، لكنه يريد أن يترك بصماته في سورية مهما كلف الأمر!!

بينما يحاول صديقي عمر الحمصي أن يعرف مني شيئاً عن مشاريعه العقارية التي تركها على تخوم مناطق التماس مع المسلحين، يحاول أن يعرف إن كانت ما زالت قائمة ولم تتهدم، يتابع أمور مدرسته كل يوم، يشتاق للعودة للاستثمار في سورية عندما تسنح الفرصة..

يستطيع الدكتور نضال دوبا– المغترب منذ قرابة ثلاثين عاماً في لندن- أن يقدم الكثير للبلد في مجال عمله وخبرته العريضة في مجال تمويل المشاريع الحكومية الكبرى الذي يمارسه ما بين زوريخ ولندن لصالح بلاد كثيرة ومع البنوك الكبرى ويمتلك مصداقية كبيرة. وينتظر أن تسنح الفرصة ليقوم بذلك..

لست هنا في معرض مديح أصدقائي أو تعداد أسماء من رأيتهم، لكنني هنا في معرض سرد أمثلة من رحلة بضعة ايام التقيت فيها بضعة سوريين رائعين ناجحين متعلقين بالبلد..

ما أريد قوله هو أن ثروة سورية تبدأ من خيرات البلد و أبنائها المقيمين، لكنها تمتد في بلد الاغتراب حيث هناك ملايين السوريين الرائعين الذين يودون ويحاولون أن يقدموا شيئاً لبلدهم ولمستقبلها ولإعادة إعمارها..

ما يربطهم هو محبة البلد وليس المصالح، لكن ما المانع أن نجمع الاثنين معاً؟!!

أليس من الضروري اليوم أن نربط هؤلاء بالبلد في علاقة مؤسساتية تبادلية تجعلهم يردون الجميل لبلدهم دون أن يخسروا بل يجب أن يربحوا؟!!

أبناء سورية ثروة كبرى تحتاج لإدارة صحيحة كي نراكم خبراتهم ورؤوس أموالهم الممتزجة بمحبة البلد ليكون ملف إعادة الإعمار من السوريين وللسوريين وليس كعكة تتقاسمها الشركات العالمية!!

يسأل البعض عن التوقيت؟

اليوم هو التوقيت المناسب لاستقطاب الناس وللتخطيط الصحيح ولتكوين الشركات والشراكات..

اليوم يمكن لمغترب متوسط الحال أن يقيم مشروعاً صغيراً في بلده ويربح، ويمكن لمجموعة مغتربين أن يقيموا شركات كبرى تنهض بملفات إعادة الإعمار.

اليوم هو موعد استقطاب المستثمر الذكي، بل وحتى المتردد، ولكن هذا يحتاج أدوات جديدة؟

نحتاج قوانين جديدة والأهم أدوات جديدة للتطبيق في الوزارات والهيئات المعنية فالعقليات القائمة لا يمكنها على الإطلاق أن تحدث التغيير المطلوب لجذب الاستثمار..

الموظفون البيروقراطيون، والعقول المتبلدة، والابتسامات الغبية البلهاء ورقابة الشك بالجميع لا تنتج استثماراً صحيحاً..

افردوا الأجنحة وتنشقوا هواء نقياً.. رحبوا بالاستثمار ..رحبوا بأبناء البلد يا أبناء البلد..

 صحيفة بورصات وأسواق

-----

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024