الثلاثاء 2007-06-12 03:57:22 ثقافة ومنوعات
عام على رحيل شيخ الأدباء في سورية د. عبد السلام العجيلي كتب بـ 21 اسماً مستعاراً خوفاً من الفشل!

مضى عام على رحيل شيخ الأدباء في سورية د. عبد السلام العجيلي الذي ما يزال حاضراً في أذهان قرائه ومرضاه على حد سواء، فقد كان الدكتور العجيلي رائداً للأدب في سورية والوطن العربي، وكاتباً متميزاً بأسلوبه القصصي والروائي، وطبيباً ذائع الصيت مشهوراً بحسن معاملته لكل من كان يقصد عيادته في مدينة الرقة مسقط رأسه ومرقده الأخير، ولد فيها عام 1912، فكانت مدينته المحطة والمرفأ انتقل منها إلى بلدان العالم وعشق السفر، ولكن لم يغادرها للإقامة في سواها طوال حياته، ورغم بعدها عن العاصمة التي جلب نداؤها جل المبدعين، إلا أنه كان استثناء لم تغره أضواء دمشق.
 
أحب أهل بلدته وبادلوه مشاعره بمثلها، ووجدوا فيه طبيباً بارعاً وإنساناً رائعاً لم ينسهم لحظة.

برع في الطب والأدب
استقى من مهنته كطبيب يعالج المرضى الكثير من القصص والنوادر، حيث زودته بساطة أهل الريف ببعض الطرائف، التي ضمها في كتبه، وهي: (عيادة في الريف، أحاديث الطبيب، حكايات طبية)، برع في مهنة الطب كما في الأدب، طرق باب الشعر والقصة والرواية وكتب الكثير من المقالات إلى جانب كتب الأسفار، وبلغ عدد مؤلفاته المطبوعة 41 كتاباً ومن قصصه القصيرة، بنت الساحرة، ساعة الملازم، قناديل إشبيلية، الحب والنفس، حكاية مجانين، مجهولة على الطريق، ومن رواياته: (باسمة بين الدموع، قلوب على الأسلاك، ألوان الحب الثلاثة، أزاهير تشرين المدماة، أجملهن).
كان مشهوراً بطيب معشره وتواضعه، فحين يجالسه المرء يشعر بأنه قريب للغاية منه.. وهذا ما لمسته حين زرت مدينة الرقة للقائه.

حكاية العجيلي مع الأسماء المستعارة!!
في سياق حديثي معه أورد أنه كتب بواحد وعشرين اسماً مستعاراً في بداياته خوفاً من الفشل، وحول ذلك يقول: عندما بدأت كتابة القصص كنت طالباً في الثانوية، كتبت باسم مستعار وكانت مثل سيرة شخصية، وكتبت القصة القصيرة عندما كنت طالباً في الطب وكان الطب شيئاً مادياً.. دخلت مسابقة في مجلة الصباح عام 1941 وأخذت الجائزة الأولى، وكتبت مجموعة (ابن الساحرة) وأنا طالب، وكان للخيال دور كبير في كتاباتي، أردت أن أعبر بطريقة فنية وقد شغلت فيها خيالي، وعندما قرأ النقاد كتاباتي وجدوها فتحاً جديداً، لم يتطرق إلى مثل هذه الموضوعات أحد من الأدباء قبلي. وحين أبديت استغرابي لكتابته بأسماء مستعارة قال: (بدأت بأسماء مستعارة خوفاً من أن أعرف، وكثيرون من الكتاب كتبوا بأسماء مستعارة في بداياتهم، والسبب أنني أحب أن أعبر عن رأيي ولأنني أحب أن أشرك الآخرين به، وبقيت كذلك لمدة عشر سنوات، وكلما عرف اسم غيرته.. وقد نشرت بواحد وعشرين اسماً مستعاراً).

مواقف وطرائف
وحدثت مع أديبنا الراحل الكثير من الطرائف بسبب كتابته بأسماء مستعارة وذكر لي بعضها حيث قال: (في إحدى المرات سنة 1940 نشر أمين السعيد في جريدة الكفاح ترجمة لقصيدة فرنسية، وقد نظمتها وفزت بالجائزة، ووضعت عليها اسم «أوس»، وعندما أعلن نجاحي لم أتقدم لأخذ عشر الليرات. وأورد مثالاً آخر: في عام 1936 كنت طالباً ثانوياً أعلن سامي الكيالي في مجلة الحديث عن مسابقة مسرحية عن أبي العلاء المعري لقاء 25 ل.س وهو يساوي مبلغاً كبيراً في أيامنا هذه، وتقدمت بمسرحية وكان عمري 16 أو 17 وكتبت باسم عبد السلام المقنع وعندما كشفوا أمري لم يسمحوا لي بالمشاركة في المسابقة.

اكتشفني سعيد الجزائري
وكان رحمه الله يورد هذه الذكريات فتنثال كينبوع من أعماقه.. يبتسم ويسرد بفرح مقتطفات من مسيرة بداياته ويقول: (كشفني سعيد الجزائري، عندما نجحت في إحدى المسابقات، وقد وشى لي أصدقائي في تلك الفترة، وقال لي سأنشر لك فبدأ ينشر لي أحياناً باسم مستعار ثم باسمي الحقيقي حتى كُشفت). كان العجيلي حسب ما ذكر يكتب بأسماء مستعارة حتى لا يعرف، وعندما يكتشف أحدهم أمره يشعر بالسعادة، لأن القراء والمتابعين والمثقفين استطاعوا أن يعرفوا أنها بصماته الخاصة في الكتابة، حتى ولو لم يوقعها باسمه الحقيقي.

قصيدة.. أعادته لمقاعد الدراسة
عندما سألته لماذا بدأ شاعراً ثم أدار ظهره للشعر قال: (أنا أدين للشعر في قدر كبير من حياتي ولنجاحي، عندما كنت في الابتدائية وبعد أن حصلت على الشهادة.. ذهبت إلى حلب لدراسة المرحلة الأخرى ومرضت لمدة سنة وابتعدت خلالها عن الدراسة بطلب من الطبيب وبقيت أربع سنوات منقطعاً عن الدراسة، وقرأت كل الكتب التي تحت يدي، وبدأت أنظم الشعر، وفي يوم من أيام مرضي نظمت قصيدة، وكان عمري ثلاثة عشر عاماً، وأعطيتها لعريف الحفل مشترطاً ألا يذكر اسمي، يومها قال إنها لعبد السلام العجيلي، وهذه القصيدة هي التي أعادتني للدراسة لأن أمي وقريباتي طلبوا مني ذلك). وقتها ابتسمت لإنقاذ القصيدة لدراسته وتدخلت قائلة ما دام للشعر هذا الفضل عليك لماذا هجرته إذاً؟، قال: الشعر ميدانه العاطفة والإنسان في أول حياته تهيمن العاطفة على أفكاره، وكلما كبر تتشعب اهتماماته فتصبح سياسية وفكرية واقتصادية فأكثر قصائدي نظمتها في فترة شبابي حيث كانت كلها عاطفة.. فلما كثرت اهتماماتنا أصبح الشعر يضيق إهابه عما أريد أن أعبّر عنه.
وحول رأي أديبنا الراحل في الشعر القديم والحديث قال: أنا متصل بالقديم ولست بعيداً عن الحديث.. فمثلاً أنا أقبل الشعر الحديث ولا يعجبني، فأنا لا أستطيع أن أقرأ شيئاً غامضاً، فتأثير شعرنا العربي على العربي يختلف عن تأثير الشعر الفرنسي على العربي فالشعر العربي يؤثر بالنفس العربية، أكثر مما يؤثر فيها أي شعر.. أنا أقرأ شعراً حديثاً كثيراً ولكن لا يعجبني.. وهذا الأمر أيضاً ينطبق على القصص أنا أقرأ باللغة الفرنسية وأقرأ الكتاب من الجلدة إلى الجلدة.

أخيراً
استطاع العجيلي ببساطة أسلوبه وقصه، أن يشدنا إلى فضاءات مفتوحة وعوالم ساحرة ومبهرة ومهما كتبنا عنه وعن ذكرياته ومسيرة حياته فلن نفيه حقه، ويكفينا أن إبداعاته وأفكاره ستبقى حية فينا.
ذكراه ستبقى ترفرف مع نسمات الفرات العليلة وكتاباته ستحيا فينا كجذوة متقدة على مر السنين.

 


 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024