باريس - رئيس التحرير
بعد أن حصدت العديد من الجوائز في أكثر المهرجانات السينمائية عالمية، رأت أن لغة السينما هي لغة اللامحدود، وهي شاشة العرض التي يمكن تنقل ما يجري في عوالم أكثر تشعباً في عقل الإنسان، فمزجت بين أكاديميتها وتجربتها العملية، وانطلقت في خيالها المجنح بخطى ثابتة جعلتها تطرح محليتها بلغة عالمية، فنالت إعجاب الجمهور، وشدت أنظار النقاد، فأعلنت إيفا داوود عن ولادة نجمة سورية في سماء الغرب، فكان لبورصات وأسواق أن التقتها في باريس وأجرت معها الحوار التالي:
* إلى أي حد تعتبرين نفسك وبعد عامين من العمل بأنك أصبحت في الوسط الفني فعلا، بمعنى ايفا داود أصبحت جزء من الوسط الفني وفي سورية لم تنخرطي في هذا الجو؟
منذ لحظة وقوفي خلف شاشة المونتور لقيادة عمليات تصوير فيلمي الأول، اعتبرت نفسي أني أصبحت من الوسط الفني، ومن المرة الأولى التي تم فيها قبول فيلمي للمشاركة في مهرجان سينمائي كمخرجة منافسة بفيلمي // السندريلا الجديدة // عام 2010 _علما أني كنت لا أزال طالبة أدرس السينما _ عرفت أنني أخطو خطوتي الأولى في الوسط الفني .
و في عام 2011 بحكم إصراري على تصوير مشروع تخرجي في بلدي سورية على اعتبار أن دراستي في أكاديمية نيويورك، لذلك لم تساعدن قوانين الأكاديمية على ذلك، بل منعت التصوير خارج دائرة مواقع تواجد الأكاديمية في بعض بلدان العالم حصراً، و لكي أرسم لي طريقا ضمن دائرة العمل السينمائي في سورية، طلبت بشكل شخصي من برفيسوري المشرف أن يستثنيني و يسمح لي أن أصور فيلمي الاحترافي الأول في بلدي و بلغتي العربية، و كان ذلك ، و صورت // في غيابات من أحب // في دمشق ، و نال عددا كبيرا من الجوائز العالمية في مهرجانات سينمائية مختلفة، ومن خلال هذا الفيلم كانت المرة الأولى التي أتعامل معها مع بعض المهنيين الممثليين في الوسط الفني السوري .
فعلياً لا أعتبر أن لي علاقات مع الوسط الفني السوري، إلا لبعض الشخصيات التي كان لي شرف مشاركتهم معي بفيلمي وهم اليوم أصدقاء مقربين، بالمحصلة و برأيي الشخصي كجواب لجزء مهم من سؤالك عن الوسط الفني و دخوله، أستطيع القول أنه في عالم الفن و الفنون هناك من يستطيع أن يقيّم عملك الفني، لكن ليس من صلاحية أحد أن يقدم دعوة لأحد و يقول له : أصبحت أنت منا وفينا داخل الوسط الفني .
قبل أن أخرج من دائرة الإجابة على هذا السؤال أريد أن أوضح فكرة مهمة كتعقيب على ما قلته أني أردت تصوير فيلمي الأول باللغة العربية، أنا لست ضد التصوير بأي لغة أخرى غير العربية لكن فيلمي الأول أردت أن يكون بلغتي، علما أني الآن أصور فيلم باللغة الإسبانية سأتحدث عنه في وقت لاحق.
*هل أصبح لديك حضور وعلاقات في الوسط الفني السوري..؟
في الواقع أنا مقيمة منذ 18 عاماً خارج سورية، لذلك لا اعتبر أن لي علاقات مع الوسط الفني هناك، إلا لبعض من كان لي شرف مشاركتهم بفيلمي عام 2011 // في غيابات من أحب // و هم اليوم أصدقاء مقربين، وطبعاً في تلك الفترة كان لي شرف التعرف على الاستاذ الكبير المخرج نجدت أنزور، زرته في موقع تصويره لمسلسله // في حضرة الغياب //، و ذهلني بلباقة المخرج الأستاذ المتمكن والمتواضع، أجلسني إلى جانبه وأعطاني السماعات التي كان يضعها خلف شاشة المونتيور وهو يتابع توجيه طاقم عمله، أهداني بعض أعماله التي اختارها لي، لا أخفيك هذا التصرف المهني العالي الاحترافية بين استاذ وطالبة تنفذ مشروع تخرجها، والذي أحمله كوسام على صدري وأقدره عالياً .
وكذلك أيضاً تشرفت بزيارة المخرجة المتميزة رشا شربتجي زرتها في مكان عملها كانت تصور حينها أسعد الوراق، وكانت جداً مرحبة وودودة، كما التقيتها لاحقا في عام 2012 في مهرجان بغداد السينمائي .
*كما فهمت أيضاً أنك تكتبين النصوص وتقفين وراء الكاميرا وكشابة جميلة هل لديك الرغبة أن تصبحين أمام الكاميرا وليس خلفها..؟
أبدا، فمن وجهة نظري فإن الممثل إنسان حساس جداً، و الممثل البارع على استعداد لتقديم الوجدانيات والروحانيات وحضورها المقنع من خلال تأديتهم الشخصية المنوطة بالدور، إنها موهبة كبيرة و أنا افتقدها، وإذا أردت أن أوضح أكثر، أعتبر نفسي متمكنة جداً من إدارة فريق عملي و توجيه ممثليَّ، بماذا أريد منهم و كيف أريدهم أن يظهروه للعدسة، لكني لا أجيد أبدا الوقوف أمام الكامير ، بأعماقي إمراءة تخجل من الوقوف أمام الكميرا حتى و لو لأخذ صورة عادية . و بالرغم من هذا التحقت بدورة مكثفة للتمثيل لكي افهم تقنياته و أجيد التعامل مع الممثل الذي أتعامل معه ليخرج لي أحسن ما يملك .
إذا سمحت لي بأن أضيف: الممثل هو أساس نجاح أي عمل حتى لو كان السيناريو والإخراج ضعيفين، فهناك كثر ممن يعتقدون أن التمثيل شيء سهل، ففي عالم الفن السابع أصعب مهنة هي التمثيل، قد تستطيع أن تكتب سيناريو، وقد تستطيع أن تكون مخرجاً إذا كان لديك إمكانيات مادية و تقنية، ولكن ليس كل من تعلم تقنيات وتكنيك التمثيل يستطيع أن يصبح ممثلاً، لذلك فإنه من غير الممكن أن أكون ممثلة، إلا أنني لا أخفيك القول وأنا طالبة اضطررت عام 2010 للتمثيل في فيلمي / السندريلا الجديدة / لعدم وجود من ينطق بالعربية معنا في الأكاديمية سواي أنا و صديق من مصر كان يدرس معنا الاخراج .
*كيف تعامل النقاد وغيرهم من الصحفيين معك ومع أعمالك الفنية..؟
في الواقع أنا مخرجة جديدة وأفلامي لا زالت قصيرة، ولكنني سأتحدث أولاً عن النقاد والصحفيين العرب فعلى سبيل المثال، في مهرجان ابو ظبي السينمائي 2010 تناولت أقلام النقاد فيلم السندريلا الجديدة بكل إعجاب، بمزجي بين الحقيقة والخيال وبأسلوب جديد لم يتطرق إليه من قبل، وبالفعل فقد أشادوا بعملي، كذلك في مهرجان بغداد السينمائي في عام 2011 عرضت فيلمي في غيابات من أحب كما تم عرضه في مهرجان الإسماعيلية في مصر، وفي مهرجان سينمائي أيضاً في المغرب العربي، وفي مهرجان بغداد تلقى النقاد العراقيين جميلاً جداً للفيلم، بل وانصهروا في ماهيته، ودل على ذلك ما كتبوه في صحفهم المحلية، أما في المغرب قرأوا فيلمي بطريقة فلسفية تشبه رسم لوحة و لا اخفيك استمتاعي بكل كلمة كانت تحاكي تجربتي السينمائية، وعلى عكس ذلك في مصر، فنقادها لم يعجبهم الفلم، وفي جميع تلك الحالات كنت سعيدة، لأن كلاً من النقد السلبي والإيجابي منحني شيئاً مختلفاً، هذه هي باختصار تجربتي مع النقاد العرب علماً أنه لا تربطني وإياهم أي معرفة.
أما نقاد الغرب، فكان معظم من تعامل مع أعمالي السينمائية هم من النقاد الألمان والأمريكان والإسبان، إذ لاحظت تعاطيهم الاحترافي مع المادة السينمائية من حيث المفردات المستخدمة والدراية والعين الخبيرة بعالم الفن السابع، فهم مثلوا مدرسة بمنتهى الاحترافية، والأهم من هذا وذاك لم يكن هناك أي محسوبية في النقد من باب المعرفة أو الصداقة أو التقرب من أحد.
*لقد أجريتي عدة لقاءات عبر وسائل إعلام سورية مختلفة كصحيفة تشرين، ومعظم من أجروا اللقاءات هم مبتدئين ومحترفين وليسوا نقاداً كيف تفسرين ذلك؟
حقيقة أنا أرفع لهم القبعة لأنهم طرقوا بابي، ومن جهة أخرى أنا قلت أنني لست معروفة في سورية بحكم إقامتي في الخارج، لذلك أشكر لهم أنهم بذلوا جهداً للعثور علي ، هم بحثوا عني وليس لديهم عنواني و لا أي تفاصيل سوى اسمي، ولا أستطيع أيضاً أن أفكر بهم بهذه الطريقة من جانب المبتدأ أو المحترف، فلغة الصحافة هي مسؤولية، و بمجرد أن هذا الصحفي قد بحث عني و أنا المقيمة خارج البلد ، ونشر عن نجاحاتي التي أحصدها في مقال أو حوار، فهو قد أدى مسؤوليته المنوطة بمهنته، وأدى واجبه المهني اتجاهي كمخرج جديد، فهذا دليل على متابعته لما انجزه و أحصل عليه من استحقاقات وجوائز، فحضرتك استاذ أيمن صحفي لك إسمك و تميزك أيضاً وجدتني بطريقة ما من خلال احترافك و مهنيتك العالية .
أما النقاد في سورية، فكيف لهم أن يعرفوا عني ولم يتثنى لهم مشاهدة أعمالي، و هذا بسبب تواجدي خارج البلاد، لكن اعتقد أن كم الجوائز التي بت أحملها عن أفلامي الخمسة التي قدمتها خلال مسيرتي حتى اليوم كفيلة لتعطيهم فكرة عن اجتهادي بعملي كمخرج يصنع لنفسه مكانه.
*هل تفكرين بتجربة إخراج الأفلام الطويلة، ومن أي بوابة ستدخلين، المحلية السورية أو العربية أم تفكرين بهوليوود..؟
بالتأكيد، فقد بدأت حالياً بالتحضير لقصة، وسأبدأ بالبحث عن التمويل اللازم لهذه التجربة، أما بالنسبة لبوابة العبور، أعتقد أن دخولي من العالمية سيلقى ترحيبا أكبر وحفاوة افضل عندما أقرر الدخول في المحلية، فأفلامي السابقة دخلت مهرجانات أمريكية و أوروبية و هندية أكثر منه في المهرجانات العربية، وفيما يتعلق بهوليوود، أتمنى ذلك لكنها ليست هاجساً بالنسبة لي، بل هوليوود تمثل لي رمزاً لأعلى هرم سينمائي تجاري في عالم السينما ، لكن هناك السينما الألمانية وهناك السينما الأوربية، السينما البوليودية.. إلخ، كلها عوالم سينمائية لها حضورها الفني الأقوى من حضورها التجاري، فعملي بالصناعة علمني شيئاً هام جداً والصناعة كما تعرف هي العصب الحي والأكثر تطوراً في عجلة الحياة، فهي تتطلب بشكل يومي متابعة التقنيات و المعلومات و هذا ما يجعلها تتطور بشكل إسبوعي إن لم أقل يومي، وهذا بالطبع أتاح لي فرصة التعرف و الإلتقاء بشخصيات مختلفة وسويات فكرية مختلفة من مختلف أنحاء العالم، مما جعل عندي مخزوناً تراكمياً من فهم عادات شعوب عديدة، و إلمام لابأس به بتاريخ البعض، هذا المزيج الأكاديمي والعملي والخيال المجنح الذي أحمله بين عيني هيأني بخطى واثقة ثابتة من تقديم محليتي من خلال طرحها بلغة عالمية.
و كما تعلم فإن السينما هي صناعة أيضاً وهي أم الفنون، فهذا الدمج بين التطور اليومي و فهم نقاط الاختلاف و نقاط التقاطع مع الآخرين من الجهة الأخرى من الأرض جعلني اتنبأ بذائقة سينمائية أطرح من خلالها أفلامي التي يتفق عليها بالإجماع من خلال الأغلبية ممن يشاهدونها بفهمهم لها و حبهم للأفكار المطروحة فيها.
*ماهي الأفلام التي تحبين مشاهدتها عندما تذهبين لمكتبة السينما أو لحضور فيلم ؟
بكل صراحة أحب أفلام الخيال العلمي والأساطير وأفلام الفانتازيا وأفلام الأطفال، فعلى سبيل المثال أحب فيلم سيد الخواتم بكل تفاصيله، هذه العوالم التي يوجد فيها ما ورائيات أنا أحبها جدا وتستهويني، ولا أخفيك أني منذ أن حلمت بأن أكون مخرجاً كنت حينها في سن التاسعة، إلى أن درست السينما، وكل هذا من أجل يوم ما في المستقبل سأعمل فيه على إخراج أفلام من هذا النوع مرتبط بالعوالم وفيها الخيال، وبما أن الشيء بالشيء يذكر أنا حالياً أقوم بكتابة قصة تدخل في تصنيف الفانتازيا لليافعين، والمعروف أن الفنتازيا صعبة جداً ومكلفة أيضاً، و تحتاج لخيال برؤى غير تقليدية.
*ما رأيك بأن تعامل المخرج مع أناس عاديين ليخرج أفضل ما لديهم يعتبر عملاً أرقى وأفضل من التعامل مع التكنلوجيا؟
في الواقع، لم تعد السينما طاقة بشرية فقط، حتى في أفلام الدراما الاجتماعة العادية دخلت التكنولوجيا، وهي قفزة هامة في عالم السينما ، ولكن من حيث الطبيعة، فهناك فلم يختلف عن الآخر من حيث طبيعته بحسب ما نريد أن نقدمه على صعيد البصر والصوت، حتى أفلام الخيال أو الفانتازيا، فهذا النوع من الأفلام هي ليست تكنلوجيا فقط، هناك اتحاد بين عوامل عديدة لا يكتب لها النجاح لولا التعامل مع ممثلين تدخل هذه العوامل والعناصر في خدمة أدائهم السينمائي أو الفني، ففي فيلم سيد الخواتم تم التعامل مع ممثل وتكنلوجيا وموسيقا وديكور.
*من يصنع أفلامك "ربيع مر من هنا وفي غيابات من أحب" بهذه الحميمية مالذي يدفعه لحب أفلام الفنتازيا والميتافيزيقيا والخيال ألا ترين تناقضاً في ذلك..؟
حقيقة، المخرج الجيد يجيد التعامل مع جميع أنواع الأفلام والسيناريوهات التي بين يديه، لكن أفلامي التي تفضلت بالإشارة لها، و أضيف إليها أيضاً : فيلم لو كنت معي، وعفريت النبع وسندريلا الجديدة، فكل منها له ذائقة مختلفة تماماً، واليوم أنهيت تصوير فيلم في إسبانيا لا يشبه أي عمل من أفلامي التي ذكرناها الآن، بمعنى إن كل ما أحب أن أقدمه سينمائياً كـ إيفا لا يتضارب مع إمكانياتي بتقديم مادة سينمائية تحت إي تصنيف، وأعتبر أن تتدرجي في عوالم الدراما هي الاستعداد لتمكني من القفز بأدواتي إلى عوالم أكثر تشعباً في عقل الإنسان وماورائيات الخيال، لذلك لا مانع لدي ابداً من تقديم أي نوع من الدراما الاجتماعية فهي ممتعة أيضاً.
*هل يشغل التلفزيون حيزاً من اهتماماتك وهل لديك ما تقولينه للقارئ السوري؟
في الواقع لا يوجد ما يمنعني من العمل في قطاع التلفزيون في الوقت الراهن، أما بالنسبة للقارئ السوري، فلو كنت في ظرف غير الذي تمر به سورية لقلت الكثير من الأشياء عن السينما والثقافة، لكن حاليا في هذا الظرف لأملك إلا أن أقول : أتمنى أن أقدم عمري و قلبي وتخرج سورية و أبناء وطني من أزمتها.