الثلاثاء 2010-07-13 14:40:33 صحافــة المــــــال
هل سيعيد اليوان التوازن؟
هل سيعيد اليوان التوازن؟
        
اتخذت الصين في 19 حزيران (يونيو) الماضي أحد أكثر القرارات الاقتصادية صعوبة وجرأة في الوقت نفسه. هذا القرار هو التحول من الارتباط بالدولار عند سعر ثابت مقداره 6.83 يوان لكل دولار خلال العامين الأخيرين إلى تدابير أكثر مرونة لسعر صرفه أمام الدولار. هذا يعني أنه من المتوقع أن يرتفع سعر الصرف مقابل الدولار خلال الفترة المقبلة، وهذا يحقق بعض ما تصبو إليه الولايات المتحدة, التي تتهم الصين بالتحكم في سعر صرف اليوان. القرار أيضاً صدر قبل أسبوع من اجتماعات قمة مجموعة العشرين التي عقدت في تورنتو, ما أسهم في تهدئة الأمريكيين والتقليل من حدة اللهجة التي تضمنها البيان الختامي حول أهمية أن تكون أسعار الصرف مبنية على أساس قوى العرض والطلب.
 
لكن ماذا تعني الصين بمرونة أكثر في سعر صرف اليوان؟ في السابق كان البنك المركزي الصيني يضع سعر الصرف يومياً وبانحراف قليل جداً عن السعر المحدد الذي يساوي 6.83 يوان لكل دولار. في التدابير الجديدة ستقوم الصين بالسماح لسعر الصرف بالانحراف صعوداً وهبوطاً بمعدل 0.5 في المائة في أي يوم، لكنها لن تسمح بتغيره بهذا المعدل ليومين متتاليين. وهذه الخطوة تعد استجابة للضغوط الأمريكية والغربية على حد سواء، لكنها في الوقت نفسه تعد خطوة ذكية وجريئة لتجنب أن توضع الصين في قفص الاتهام أمام العالم أجمع. كما أنها إشارة إلى عزم الصين على التحول، لكن بشكل تدريجي، نحو نظام سعر صرف معوم في المستقبل ويعكس الطلب الحقيقي على العملة الصينية.
 
الولايات المتحدة بدورها كسبت المرحلة الأولى من الرهان، وهذا سيخفف بشكل كبير الضغوط التي تواجهها إدارة الرئيس أوباما للتعامل بشكل أكثر حزماً مع الإدارة الصينية. لكن ماذا عن المرحلة الثانية من الرهان؟ وهي إعادة التوازن إلى ميزان الحساب الجاري الصيني. سيتطلب ذلك حسب تقديرات البعض ارتفاع العملة الصينية على الأقل بنسبة 40 في المائة أمام الدولار، وهذا يثير كثيرا من التساؤل حول إذا ما كانت الصين ستسمح بحدوثه بشكل سريع. حدوث ذلك يعني أنه سيكون هناك تراجع كبير في تنافسية بعض الصناعات الصينية، ما سيتطلب تحويل العمالة الصينية التي تعمل في هذه الصناعات إلى قطاعات أخرى, أو مواجهة معدلات بطالة مرتفعة. بمعنى آخر فإنه من غير المتوقع تحقيق إعادة التوازن بشكل سريع، ما يعني عودة الضغوط الغربية على الصين مرة أخرى.
 
هناك رأي آخر يرى أنه لن يكون هناك تأثير كبير في الوضع التنافسي للصين في أسواق التجارة الدولية، وسبب ذلك التحول الحاصل في هيكل التجارة الصينية مع العالم الخارجي. فنسبة التجارة الخارجية للصين مع الدول الغربية المتقدمة تراجعت إلى ما نسبته 37 في المائة من إجمالي تجارتها الخارجية مع العالم في عام 2010، والسبب الرئيس في ذلك هو الأزمة المالية التي أثرت في القوة الشرائية للمستهلك الغربي مضافاً إليها إجراءات التقشف المالي التي يتبعها كثير من دول أوروبا حالياً. في المقابل بدأ المصدرون الصينيون التركيز على أسواق أخرى أكثر نمواً لتسويق منتجاتهم كالاقتصادات الصاعد. فالصادرات الصينية إلى البرازيل ـ على سبيل المثال ـ ارتفعت بما نسبته 98 في المائة خلال عام 2010، كما ارتفعت صادراتها إلى دول الآسيان بنسبة 46 في المائة خلال العام نفسه. حتى في بعض الحالات التي حاول فيها بعض الدول فرض إجراءات حمائية ضد المنتجات الصينية كالأرجنتين فقد أدى ذلك إلى ارتفاع في حجم الصادرات الصينية إليها.
 
إذاً إعادة التوازن للاقتصاد العالمي لن تكون فقط بزيادة مرونة العملة الصينية، على الرغم من أنها أحد العوامل التي تحقق ذلك، لكن هناك عوامل أخرى أيضاً يجب أخذها في الاعتبار لتحقيق التوازن المطلوب. أهم هذه العوامل معدلات الإنتاجية للعامل في الدول الغربية التي تتراجع بشكل كبير في مقابل إنتاجية العالم الصيني التي تعزز تنافسية المنتجات الصينية. التحول في هيكل التجارة الصينية إلى الاقتصادات الناشئة يدل على أن زيادة الصادرات الصينية ليست مدفوعة فقط بسعر الصرف, لكن بتنافسيتها التي تعتمد بالدرجة الأولى على ارتفاع إنتاجية العامل الصيني.
 
 
د.فهد إبراهيم الشثري 
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / finance © 2024