كاريكاتير

كاريكاتير
البحث في الموقع
بدون مجاملة..

التعليم العالي والبحث العلمي... كذبة تزيف حقيقة انحطاط أمة إقرائ إلى أمم "هز يا وز"

  [ إقرأ أيضاً ... ]
 
بورصات عالمية

صندوق النقد العربي: 140 مليار دولار خسائر بورصات المنطقة جراء الاضطرابات خلال 5 أسابيع

  [ إقرأ أيضاً ... ]
 
بورصات عربية

بورصة قطر تغلق على تراجع

  [ إقرأ أيضاً ... ]
 
البورصات العربية في أسبوع

بورصة أبو ظبي تودع الـ 2009 على ارتفاع

  [ إقرأ أيضاً ... ]
 

شركة ألفا كابيتال للخدمات المالية بالتعاون مع جامعة الوادي الدولية الخاصة ندوة بعنوان (الخدمات الاستثمارية والتداول الإلكتروني)


Warning: file(): http:// wrapper is disabled in the server configuration by allow_url_fopen=0 in /home/syrianda/public_html/finance/money.php on line 7

Warning: file(http://www.dse.sy/): failed to open stream: no suitable wrapper could be found in /home/syrianda/public_html/finance/money.php on line 7

Warning: implode(): Invalid arguments passed in /home/syrianda/public_html/finance/money.php on line 7
أرشيف مصارف مصارف
رسالة غزل من (العياش) إلى (ميالة) عبر صفحات (السفير).. والمانشيت (هكذا تكلم المصرف المركزي السوري عن الإصلاح النقدي)
رسالة غزل من (العياش) إلى (ميالة) عبر صفحات (السفير).. والمانشيت (هكذا تكلم المصرف المركزي السوري عن الإصلاح النقدي)
 
التقرير الشامل الذي وضعه مصرف سورية المركزي عن الإصلاح النقدي في سورية، وقدّمه الحاكم الدكتور أديب ميّالة إلى السلطة السياسية، يكشف عن أمر مثير وبالغ الأهمّية.
الاكتشاف لا يتعلق بالإصلاحات البالغة الأهمّية التي عرفها النظام النقدي والمصرفي في سورية منذ أواسط العقد المنصرم، ولا بالبراعة في استعمال أدوات السياسة النقدية التي امتلكها مصرف سورية المركزي بسرعة، ولا بالتطوّر اللافت للمصارف الخاصّة في سورية، رغم حداثة سنها.
الاكتشاف هو وجود مؤسّسة رسمية عربية، خرجت من رحم الدولة وقوانينها، تقول الحقيقة عن علاقتها بالدولة دون تزلف أو مواربة، وتطالب باستقلاليتها الناجزة، كي تتمكن من القيام بدورها في حماية المجتمع من التضخم.
مؤسّسة رسمية عربية تستفيق من رقاد إجباري عمره أربعون سنة، ولكنها تتحدث عن الاقتصاد والمصرف المركزي ووظيفته واستقلاليته بلغة العصر.
وسط التطوّر اللافت للسياسات الاقتصادية في سورية، منذ بداية العقد المنصرم، تقدّم مصرف سورية المركزي إلى مقدّمة الصفوف، لكي يواكب الحركة النشطة القائمة ويتحوّل، بسياسته النقدية الديناميكية والمتجدّدة، إلى عنصر يؤثر في الاقتصاد السوري ويدفعه إلى الأمام.
ويظهر التقرير الشامل الذي قدّمه حاكم المصرف الدكتور أديب ميّالة إلى السلطة السياسة بعنوان «خمسة أعوام من الإصلاح النقدي» أن المصرف لم يعد مجرد أداة بيد الحكومة يساهم في تمويلها وإدارة بعض حساباتها وعملياتها، ويتولى مهمّة إصدار النقد، بالمعنى المحدود للكلمة. فقد تحوّل المصرف إلى لاعب رئيسي في النشاط الاقتصادي، يتماشى دوره المركزي والجوهري مع المهمّة الأساسية للمصارف المركزية الحديثة، وهي السهر على استقرار الأسعار وحماية المجتمع من التضخم.
ويبيّن التقرير أن المصرف يعي أبعاد مهمتـّـه المركزية جيدا، ولكنه، أيضا، يدرك العقبات والمعوّقات التي تحدّ من استقلاليته. فالمصرف ينشط في مجتمع ما زال يعاني من أثقال المراحل السابقة، وهو لا ينوي إطلاق العنان لاقتصاد السوق مقتديا بالبلدان الليبرالية، بل يسعى إلى «اقتصاد السوق الاجتماعي» الذي يحاول تحقيق الزواج الصعب بين مركزية السلطة ودور القطاع العام والحفاظ على الضمانات الاجتماعية، من جهة، وبين تشجيع النشاط الخاص، المحلي والخارجي، من جهة أخرى.
البيئة الاقتصاديّة
إن فهم دور المصرف المركزي المستجدّ في الاقتصاد السوري يتطلب إلقاء نظرة سريعة على آخر تطوّرات الاقتصاد السوري.
يحقق الاقتصاد السوري منذ سنوات نتائج إيجابية، ونسب نموّ عالية، تتوالى في مناخ إصلاحي مكثف منذ مطلع العقد المنصرم. ولم يكن للأزمة الاقتصادية العالمية تأثير يذكر على الاقتصاد السوري، إذ تراجع معدل النموّ إلى 4% فقط سنة 2009 من 5% في العام الذي سبق، بسبب تراجع الناتج المحلي الاسمي من أكثر من 54 مليار دولار إلى 52,5 مليارا(1).
لقد تأثرت سورية بالأزمة العالمية، تأثرا محدودا، بسبب انكماش الصادرات إلى البلدان الأوروبية وتراجع تحويلات العاملين السوريين في بلدان الخليج. ولكن ضعف روابط الاقتصاد السوري بالاقتصاد العالمي والنظام المالي الدولي شكل له مظلة حماية من الآثار الكارثية التي عرفتها بلدان أخرى. وهكذا، فقد ارتفع عجز الحساب الجاري السوري بين عامي 2008 و2009 من 3,6% إلى 4,5% من الناتج المحلي القائم، خصوصا بسبب تراجع الصادرات غير النفطية حوالى 4%، فيما بقي ميزان المدفوعات الكلي دون تغيير تقريبا، واستقرّت الاحتياطات الرسمية على 17,1 مليار دولار(1).
إلا أن الأزمة تركت آثارا سلبية على المالية العامّة. فقد زادت الدولة نفقات الاستثمار لتلافي الركود الاقتصادي، وتزامن ذلك مع زيادة الأجور لتعويض ارتفاع أسعار المحروقات عالميا قبل الأزمة، ما أدى إلى ارتفاع كبير في مجموع النفقات العامّة. ففي سنة 2009 ارتفعت نفقات الاستثمار وحدها بما يوازي 4% من الناتج المحلي، إذ قفزت من 6,8% من الناتج المحلي سنة 2008 إلى 12% في العام التالي، وبلغ العجز الإجمالي للموازنة 5% من الناتج بعدما كان 2,8% في السنة السابقة(1).
ولكن للأزمة ثمارها الإيجابية أيضا. فمعدّل التضخم المفرط الذي تجاوز مستوى 15% سنة 2008، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية المستوردة، هبط في العام السابق إلى 2,8%، مع تراجع أسعار هذه السلع.
إن تحليل عناصر النموّ الاقتصادي في سورية يظهر أن الاقتصاد بات يعتمد، منذ عدّة سنوات، على نموّ الناتج غير النفطي، بسبب تراجع إنتاج النفط. ففي السنة الماضية حقق الناتج النفطي نموّا طفيفا، فيما بلغ نموّ الناتج غير النفطي 4,5%. وبين سنتي 2005 و2007 سجلت مساهمة النفط في الناتج المحلي معدّلات نموّ سلبية كبيرة وصلت إلى أكثر من 8% في بداية المرحلة(1).
من المقدّر أن ينضب احتياطي سورية النفطي في مدى عقد من الزمن. وبعدما كانت البلاد تنتج 610 آلاف برميل يوميا سنة 1995 انخفض الإنتاج في العام الماضي إلى 382 ألف برميل، وباتت سورية مستوردا صافيا للنفط. وقد انعكس ذلك على إيرادات الدولة، إذ شكلت الإيرادات النفطية في العام السابق 20% فقط من إجمالي الإيرادات و4,6% من الناتج الإجمالي. ودفع ذلك بالسلطات السورية إلى تطوير إنتاج الغاز في ضوء الاكتشافات المتوالية لحقول الغاز، حيث بات يقدّر احتياطي الغاز السوري بما يقارب 7000 مليار متر مكعب.
هكذا تبرز أهمّ التحديات التي تنتظر مستقبل الاقتصاد السوري، والتي شكلت حافزا على الإصلاحات الجذرية التي التزمتها السلطات منذ حوالى العقد. ومن أهمّ التحدّيات تعويض تناقص احتياط النفط بزيادة قدرات القطاعات غير النفطية، وتحقيق معدّلات نموّ عالية لاستيعاب الزيادة السنوية في عدد السكان، وخلق الوظائف لتخفيض معدّل البطالة الذي يبلغ 11%. ومن الحيوي زيادة حصّة الفرد في الناتج المحلي التي لا تصل إلى ثلاثة آلاف دولار أميركي، وتحديث الاقتصاد الذي بلغت حصّة الزراعة فيه 25% سنة 2009، مستقطبة 30% من القوّة العاملة ومستأثرة بما بين 16% و22% من الصادرات السورية، مع العلم أن الزراعة تجعل قسما كبيرا من الاقتصاد مرهونا بحالات المطر والجفاف.
وفي هذا الإطار سعت وزارة المالية، ومن خلفها الحكومة، إلى إصلاح المالية العامّة. فعملت على ترشيد أنظمة ونفقات الدعم، وطوّرت الإدارة الضريبية، وحسنت الجباية، وبدأت باعتماد مزيد من الشفافية في الموازنة العامّة، حتى أنها اعتمدت موازنة الأداء في الزراعة والتعليم للسنة الجارية، وأعدّت تشريعات ضريبية حديثة خصوصا مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة المتوقع تطبيقه اعتبارا من العام القادم. وساهمت هذه التدابير في ضبط الدين العام السوري كنسبة من الناتج المحلي، إذ انخفضت هذه النسبة إلى 21% من الناتج المحلي سنة 2009، بعدما كانت سنة 2003 في حدود 121%. إلا أن الفضل في ذلك لا يعود فقط إلى حسن الإدارة المالية وحده، بل أيضا إلى الاتفاق مع الاتحاد الروسي على تسوية الديون التي تعود إلى المرحلة السوفياتية.
وفيما كانت الحكومة ووزارة ماليتها تجري هذه الإصلاحات في المالية العامة، كان مصرف سورية المركزي يقود حملة ديناميكية وشجاعة لتطوير النظام المالي، ويحقق انجازات شهدت لها المؤّسسات المالية العالمية، مع أن الطريق أمامه لم تكن خالية من صعوبات جمّة وعقبات.
إشكالية الاستقلالية
قاد المصرف المركزي السوري خطا أساسيا من خطوط الإصلاح الاقتصادي في سورية، من خلال اضطلاعه بدور فاعل في الحفاظ على استقرار الأسعار وسعر صرف الليرة السورية، ومعالجة معدّلات التضخم المرتفعة، التي تجاوزت 15% سنة 2008. في الوقت عينه كان المصرف يطوّر بسرعة قياسية النظام المصرفي السوري لكي يقوم بدوره الحيوي في تمويل الاقتصاد وتوليد النموّ.
لقد تلقف المصرف المركزي المهمّة التي ترتبت على حدثين مهمّين عرفهما النظام المالي السوري في العقد الأخير: السماح بإنشاء المصارف الخاصّة وإعادة الحياة إلى مجلس النقد والتسليف، بعد غياب طال أربعين سنة.
إن الاطلاع على تقريره «خمسة أعوام من الإصلاح النقدي» يظهر أن مصرف سورية المركزي يفهم بعمق أبعاد دوره وآفاق مهمّته، منسجما مع أحدث الأدبيات العالمية حول المصارف المركزية. فالمصرف، في تقريره، يبيّن أن مهمّته الأساسية تكمن في السهر على استقرار الأسعار وحماية المجتمع السوري من التضخم، دون إهمال هدف تطوير النظام المالي ومساعدة الدولة على تحقيق التنمية.
هذه اللغة تجد صداها في عصرنا الحالي، وتتصّل بجوهر المفهوم الحديث للمصرف المركزي في أكثر بلدان العالم تقدّّما. فبعدما عرف العالم موجات تضخم عارمة، وجّهت إلى الدولة تهمة المسؤولية عن تعاظم المديونية العامّة والإخفاق في لجم التضخم، فعهد إلى المصرف المركزي بمهمّة السهر على استقرار الأسعار من خلال سياسته النقدية، التي يحدّدها وينفذها بشكل مستقل تماما عن توجيهات السلطة السياسية ورغباتها. إنه نموذج «البندسبنك» الألماني الذي تبنته الوحدة الأوروبية وعمّمته على المصرف المركزي الأوروبي ومصارف الدول الأعضاء في الوحدة النقدية الأوروبية.
وإصرار المصرف المركزي السوري على اعتماد هذه اللغة العصرية، دفعه إلى الإلحاح بشجاعة ووضوح على استقلالية المصرف المركزي وتحديد وظيفته الاقتصادية، التي ينبغي أن تناط به وحده، وهي الحفاظ على استقرار الأسعار من خلال سياسته النقدية. ويبدو أن المصرف قد حقق خرقا «نظريا» مهمّا، بتعبيره الواضح عن مفاهيم تتباين مع الاتجاهات الدستورية والسياسية السائدة في العالم العربي، ومع هامش الاستقلالية الذي يمكن أن يمنح للمؤسّسات العربية عموما، الاقتصادية منها وغير الاقتصادية، حتى أنه استخدم تعبير «السلطة النقدية».
وقد تجاوز هذا الخرق تقرير المصرف المركزي عن الإصلاح النقدي لينجح في فرض نفسه على وثائق مرجعية سورية مهمّة، تعبّر عن سياسة الدولة ككل. فالخطة الخمسية العاشرة نبّهت، بلهجة ناقدة، إلى تبعية السياسة النقدية للسياسة المالية في سورية، وعن كونها مسخرة لخدمة السياسة المالية والقطاع العام ككل، بدلا من أن تكون لخدمة التنمية. ودعت الخطة إلى «فض التشابكات بين السياستين المالية والنقدية وذلك من خلال زيادة قدرات مصرف سورية المركزي وضمان استقلاليته» التي يجب أن تصان بقانون أساسي يحدّد الهيكل الأساسي للتنظيم المصرفي. ودعت الخطّة المصرف المركزي إلى الابتعاد عن التكتم والإفصاح عن أهداف السياسة النقدية بشكل مسبق وصريح.
هل وضعت هذه المبادئ موضع التنفيذ؟
إذا كانت استقلالية المصرف المركزي تقاس بالإنجازات، فالسياسة النقدية في سورية كانت، في السنوات الخمس الأخيرة، حافلة بالإنجازات والنجاحات، مع أن طرق الاستقلالية لم تكن مفتوحة بكل الاتجاهات، بما ينسجم مع لغة الخطة الخمسية العاشرة والأدبيات المعتمدة من قبل المصرف المركزي السوري.
لقد قرّر مجلس النقد والتسليف بنفسه استراتيجية السياسة النقدية قبل أربع سنوات، وصادق عليها رئيس مجلس الوزراء. حدّدت الاستراتيجية استقرار الأسعار ومكافحة التضخم كهدف نهائي وطويل الأمد للسياسة النقدية، يتمّ الوصول إليه من خلال هدف متوسط هو استقرار سعر الصرف، وأهداف قصيرة المدى تتمثل بتفعيل أدوات السياسة النقدية.
تحت هذه الإستراتجية تحرّك المصرف المركزي مبادرا بكفاءة وديناميكية، وبدأ بتسجيل الإنجازات، مدعوما بالتشريعات الإصلاحية والقرارات الحكومية عند الاقتضاء.
واكب وعالج ارتفاع معدّل التضخم الذي لامس 17% في الربع الثالث من سنة 2008، بسبب الزيادة الحادّة في أسعار الطاقة والمواد الغذائية المستوردة، إلى أن انخفضت هذه الأسعار بفعل الأزمة المالية العالمية، وعاد معدّل التضخم في سورية إلى خانة الاعتدال. وقد اقتضت مواجهة التضخم المفرط، وسياسة الإصلاحات عموما، معالجة المسائل المرتبطة بسعر صرف الليرة السورية، فاستعاد المصرف المركزي مهمّة تحديد سعر الصرف من المصرف التجاري السوري، ونظمت مهنة الصيرفة وشروط ممارستها، وتمّ توحيد سعر الصرف الذي كان يتكون من 11 سعرا، وجرى خلق سوق نقدية حقيقية بين المصارف.
والأهمّ من ذلك كله، وفي خطوة كان لها أبلغ الأثر على لجم التضخم وتحسين ميزان المدفوعات، تقرّر فك الارتباط بين الليرة السورية والدولار الأميركي، وجرى ربطها بوحدة حقوق السحب الخاصّة، ما ساهم في استقرار قيمة الليرة السورية بل في تحسينها. وفي نفس الاتجاه الإصلاحي، تمّ تحرير الحساب الجاري من ميزان المدفوعات بالسماح للمصارف بتمويل المستوردات، واتخذت خطوات ملموسة باتجاه التحرير التدريجي والمضبوط للحساب الرأسمالي من ميزان المدفوعات.
وبفضل قدرته المستجدّة على استعمال أدوات السياسة النقدية، بات المصرف أكثر قدرة على التأثير في معدّلات نموّ الكتلة النقدية، وهو أمر يقع في قلب مهمّته الرئيسية وهي مواجهة التضخم. وقد أدّى حسن استعمال سياسة سعر الفائدة، في إطار التحرير التدريجي للفوائد المصرفية، إلى تغيير هيكلية الودائع المصرفية في سورية وجعلها أكثر ثباتا وأطول مدى، ممّا عزز قدرة القطاع المصرفي على التسليف. فقد انخفضت ودائع التوفير بالليرة السورية في المصارف من 67% سنة 2005 إلى 34% سنة 2009، بالمقابل، ارتفعت الودائع لأجل في الفترة نفسها من 11% إلى 40%، وكان هذا العامل أحد الأسباب المساعدة على زيادة التسليفات المصرفية للقطاع الخاص منذ سنة 2004 بنسبة 238%، إذ ارتفعت من 222 مليار ليرة سورية سنة 2005 إلى حوالى 500 مليار في العام السابق.
ولا يتسع هذا الحيّز لإيراد كل النتائج الإيجابية التي حققها المصرف المركزي السوري، بمواكبة من الحكومة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولكن لا يجوز إغفال دوره في تطوير النظام المصرفي في البلاد، ما ساعد النشاط المصرفي على التوسع والاختراق. فتضاعف مجموع الودائع المصرفية تقريبا في السنوات الست المنصرمة، مرتفعا من 618 مليار ليرة سنة 2003 إلى حوالى 1200 مليار في العام السابق. وفي تطوّر شديد التأثير في النموّ الاقتصادي، ارتفعت التسليفات المصرفية للقطاع الخاص في نفس الفترة بنسبة تزيد على 357%. وقد زادت الودائع بالليرة السورية والعملات الأجنبية، ويلاحظ أن الزيادة على ودائع العملات الأجنبية لم تتحقق من داخل السوق السورية، بل كانت بمعظمها نتيجة للتحويلات والاستثمارات من خارج البلاد.
تجدر الإشارة، في الإطار نفسه، إلى رعاية المصرف المركزي لتطوّر المصارف الخاصّة في البلاد طيلة هذه المرحلة، وهو موضوع يستحق وقفة تقويمية خاصّة. وتجدر الإشارة إلى أن المصارف الخاصة التي لم تبدأ ممارسة نشاطها إلا قبل خمس سنوات بلغ عددها 13 مصرفا بينها مصرفان إسلاميان. وارتفع عدد الفروع المصرفية من 276 فرعا سنة 2004 إلى 436 فرعا نهاية العام الماضي. ومع أن المصارف الخاصّة حققت زيادة سنوية مستديمة في ودائعها منذ سنة 2006، فإن حصّتها من مجموع الموجودات المصرفية لم تتعدّ نسبة 25%، ما يدل على استمرار سيطرة مصارف القطاع العام على السوق المصرفية السورية.
وفي خلاصة لما تقدّم، يمكن القول إن المصرف المركزي السوري حقق نجاحات ذات شأن في أدائه لمختلف وجوه مهمّته في السنوات الخمس الأخيرة. وإذا كان ذلك دليلا على كفاءة المصرف وديناميكيته وروح المبادرة لديه، فإنه لم يمارس نشاطه في إطار كاف من الاستقلالية عن الحكومة.
لقد أقرّ التشريع السوري استقلالية المصرف المركزي، وهو مبدأ اعتمدته الخطة الخمسية العاشرة بوضوح، وجرى إلحاق المصرف برئيس مجلس الوزراء بدلا من وزير المالية، لإعطائه حرية أكبر في المبادرة، ومع ذلك فإن المصرف يعكس في تقريره عن الإصلاح النقدي حاجته إلى إطار استقلالي أوسع لممارسة مهامه بفعالية أكبر.
نظرا لكون مركزية السلطة مبدأ مقدّسا في عالمنا العربي بأسره، يمكن فهم الإطار المحدود لاستقلالية للمصرف المركزي السوري وكل المصارف المركزية العربية، ويمكن استيعاب تأكيد التشريع السوري على أن المصرف مستقل، لكنه يعمل ضمن توجيهات الحكومة وسياساتها.
إلا أن بعض القيود والعقبات يمكن أن تزال، ما يمنح المصرف المركزي السوري قدرة أكبر على الحركة والمبادرة، من دون أن يخرج عن قاعدة مركزية السلطة. فمن غير المنطقي إبقاء مصارف القطاع العام خارجة عن سلطة المصرف وتابعة لوزارة المالية. فمن المستحيل أن يتمكن المصرف من ضبط الكتلة النقدية ومكافحة التضخم بفعالية ما دامت مصارف القطاع العام خارج سلطته، وهي تستأثر بثلاثة أربع موجودات القطاع المصرفي السوري.
ثم إن التمويل التضخمي للدولة ومؤسّساتها يشكل عبئا على السياسة النقدية وعلى المجتمع. إن تمويل عجز الموازنة عن طريق خلق النقد هو من أكبر مصادر التضخم. ورغم وضع قاعدة تشريعية في سورية لطريقة تمويل عجز الموازنة عن طريق أذونات الخزينة، ما زالت قوانين الموازنة تلزم المصرف المركزي، سنة بعد سنة، على منح الدولة قروضا لتمويل عجزها، بما في ذلك العجز التمويني. وقد بلغت ديون الدولة للمصرف المركزي 318 مليار ليرة سورية في نهاية العام 2009، أي ما يعادل 6,8 مليارات دولار.
وهناك طريق آخر غير مضبوط لتمويل القطاع العام، طريق يخرج كليا عن سيطرة المصرف المركزي. فالمصارف العامّة ملزمة بإقراض مؤسّسات القطاع العام غير الاقتصادي، وتلجأ هذه المصارف للاقتراض من المصرف المركزي لتمويل هذه الديون، التي تعجز المؤسّسات العامة في أحيان كثيرة عن تسديدها. ويشكل ذلك استدانة غير مباشرة من المصرف المركزي وسببا لتراكم ديون كبيرة على القطاع العام يتأجّل تسديدها عاما بعد عام.
إن استقلالية المصرف المركزي، في هذا الإطار، وتحريره من الإقراض المباشر وغير المباشر للقطاع العام، ليست ترفا أو مجرد امتياز للمصرف المركزي، بل شرط أساسي لقدرة المصرف على التحكم بالكتلة النقدية وحماية المجتمع السوري من التضخم.
(1) هذه المعلومات مستقاة من تقرير بعثة صندوق النقد الدولي حول مشاورات المادّة الرابعة الذي نشر في آذار 2010
 
 
السفير اللبنانية/غسان العياش
 
  السبت 2010-04-17  |  09:25:02
عودة إرسال لصديق طباعة إضافة تعليق  

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟ 
: الاسم
: الدولة
: عنوان التعليق
: نص التعليق

: أدخل الرمز
   
http://www.reb.sy/rebsite/Default.aspx?base
جميع الحقوق محفوظة syriandays / finance © 2006 - 2024
Programmed by Mohannad Orfali - Ten-neT.biz © 2003 - 2024