كتب علي نزار الآغا:
الاستثمار الخارجي المباشر.. حديث الساعة في أروقة الاقتصاد المحلية، فلا تكاد تخلو مناسبة أوتظاهرة من الترويج لآخر الأرقام والمستجدات التي تنبؤنا بتهافت الأجنبي ليستثمر في بلادنا البكر، وها هو معرض بيلدكس في دمشق الذي يعتبر الأكبر في المنطقة، مزدهر بالشركات الأجنبية وعلى قائمتها التركية والايطالية لا سيما المصرية والسعودية لتشغل معظم أجنحته, بعد تفتح عيون المستثمرين في تلك الدول على مجموعة من الحقائق تتنازع على صدارتها حقيقة النعم ومكامن الاستثمار في البلد وجدواه وعائديته المرتفعة رغم بعض المؤاخذات، مع حقيقة تطنيش "المستثمر" المحلي أولنقل "تجاوزاً" عدم درايته بأهمية المناخ الاستثماري في البلد ومردوديته، أو بأكثر واقعية هروبه من الساحة الاستثمارية مخلياً الميدان للأجنبي يسرح ويمرح على هواه ويحصد الأرباح التي هو أولى بها..؟
إلحاحية طرح هذه التساؤلات من جديد هوتزامن ذلك النشاط مع البرنامج الذي أطلقته الهيئة العامة للاستثمار بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بهدف مسح الاستثمار الأجنبي المباشر في سورية لعام 2010
وما حمله من رؤى في خانة المسؤولية تؤكد على أهمية "المسح" لما للاستثمارات الأجنبية المباشرة من دور في الناتج المحلي الإجمالي وتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى سورية ومساهمتها في تأمين فرص عمل لليد العاملة إضافة إلى نقل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة والمعرفة للسوق السورية... إلى جانب العمل الجدي لوضع المؤشرات الاقتصادية في إطار السياسة التخطيطية للدولة وتزويد صانع القرار بالبيانات الصحيحة والدقيقة... وفي النهاية نصبح أمام حفنة من الأرقام تلمح إلى أن قيمة الاستثمارات الأجنبية خلال عام 2008 وصلت إلى 8ر1 مليار دولار مقارنة بـ180 مليون دولار عام 2003 وبنسبة زيادة بلغت عشرة أضعاف باستثناء الاستثمار في القطاع العقاري.
على نحو تفصيلي فقد اظهرت نتائج المسح الذي استثني منه الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع العقارات والمساكن ان معظم المشاريع تركزت في محافظات دمشق وحلب وريف دمشق بنسبة 5ر65 بالمئة من إجمالي عدد المشاريع في دمشق 7ر33 بالمئة وفي حلب 5ر18 بالمئة وفي ريف دمشق 3ر16 بالمئة.
وحل المستثمرون السوريون في المرتبة الاولى بنسبة 8ر32 بالمئة بالنسبة لتوزع المشاريع حسب جنسية المستثمر ثم الأردنيون بنسبة 8ر8 بالمئة والعراقيون بنسبة 6ر7 بالمئة ثم السعوديون بنسبة 1ر7 بالمئة وكان أكبر رأسمال حسب جنسية المستثمر بعد السوريين المستثمرين الكويتيين ثم من الجنسية البريطانية ثم الكندية.
وبلغت قيمة رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر 75,022,338 ألف ليرة سورية لـ140 شركة ممن توفرت فيها البيانات أو المعطيات الستة المعتمدة منها 1,235,453 ألف ليرة سورية قيمة الاستثمار المحلي...أي أن حصة الاستثمار المحلي تبلغ قرابة 1,235 مليار ليرة سورية من أصل 75 مليار ليرة للاستثمار الخارجي..؟ !
فبعد طول عرض واستعراض للبيانات المتخصصة نعود لنكشف الستار عن حقيقة مرت "هكذا" دون حرج، وللوهلة الأولى نتهم أنفسنا باللاموضوعية والتناقض بالمقارنة مع ما دعينا له سابقاَ لضرورة وأهمية دعم الاستثمار الخارجي المباشر لتواضعه في بلدنا أمام دول الجوار... ولكن هذا لا يعني إغفال الاستثمار المحلي وإهمال ابن البلد وأحقيته بالاستثمار على أرضه بدلاً من "الغربة" وخاصة عندما تعلم أن الاستثمار السوري في مصر على سبيل المثال ينافس الاستثمارات التركية في بلاد الشام مجتمعة... ؟
وهنا نتكلم على بساط أحمدي، نحن تعلمنا التمترس إما في اقصى اليمين أو أقصى اليسار، بمعنى ما من حلول وسطى تظهر في هذه القضية-الاستثمار- فإما الاستثمار الخارجي المباشر، أو المحلي.. لا مكان للخيارين معاً..؟
مع حفظ التعليق على استثناء موضوع الاستثمار العقاري الذي يهيمن الأجنبي عليه، حتى يخيل لنا أننا أصبحنا نعمل لصالحه وفي منشآته ونحن في بيتنا... والقضية ليست "عولمة" أبداً، ولا إنقاص من أهمية الاستثمار الأحنبي المباشر وإنما المطالبة بمساواة المحل بالأجنبي ولو على صعيد الترويج، والجلوس مع المستثمرين السوريين في الخارج والوصول إلى صيغة تفاهم تجعلهم على قائمة المستثمرين في البلد بالتوازي أمام الأجنبي، لننتقل بالحديث عن المنافسة في السوق بين منتجاتنا ومنتجاتهم، وليس المقارعة المخصومة سلفاً..؟!
فحتى الآن، وفي خضم هذا النشاط اللافت غير المسبوق في البلد للمؤتمرات والندوات وورش العمل بمانشيتاتها وعناوينها العريضة.. لم يذكرهذا الموضوع أبداً، وإن جرى الحديث عنه، فلا يتعدى الحوار البسيط على هامش تلك الفعاليات..؟
وهنا يتشعب موضوعنا إلى قضيتين، الأولى دعم الاستثمار المحلي السوري المقيم حالياً، ووضع استراتيجيات جاذبة للأموال السورية الهاربة، وكلا هما صاحب الحق والأولوية في خيرات البلدوالاستثمار فيه، ثم يأتي الأجنبي كشرط لازم للنمو الاقتصادي، لكنه غير كاف.
