الربح الفاحش والسريع هو الهدف الأول لأي متورط في عالم المال، حتى ولو نظرياً، لعنة حقيقية تطاردنا كيفما تحركنا، وجدت ضالتها في تعويذة سحرية اسمها "الفوركس" أي تجارة العملات في السوق الغير منظمة عبر شبكة الانترنت، والتي تطورت لضم الأسهم والمعادن وبعض السلع...وغيرها، حسب الخدمات التي تقدمها الشركة الوسيطة التي يتم فتح حساب الفوركس عندها، ولكن ما نقصده هنا تجارة العملات بالتحديد، والتي شكلت هاجساً كبيراً لكل من يسعى لتكوين الثروة، وأصبح التهافت على هذه التجارة من قبل الأفراد ظاهرة "إدمان" حقيقية لاتقل عن المخدرات في مضارها على الفرد والمجتمع.
كلنا يسمع وبشكل يومي عن أفراد خسروا ثرواتهم خلال فترة قصيرة... وأقاويل عمن صنعوا ثروات خيالية في عدة أسابيع أو أشهر، لكن الواقع يرجح كفة الخاسرين، لتبقى الندرة صفة الربح في هذا القطاع على المستوى الشعبي، وهذا أمر طبيعي، فالفوركس في الأساس لم تكن سوقاً للمضاربة بالدرجة الأولى، وإنما كانت مصدر القطع الأجنبي للمصارف المركزية والتجارية عبر العالم... وبعض المؤسسات التي تتعامل وتحتاج القطع الأجنبي وفقاً لطبيعة عملها، ثم في مرحلة لاحقة تحولت السوق إلى مرتع لكل حالم بالثروة على أساس المضاربة بالعملات الأجنبية نظراً لسهولة الدخول إلى السوق وفتح الحسابات وتنوعها والتي قد تبدأ بـ 250 دولار أمريكي، ونظراً لأسلوب "الهامش" والمقصود به المتاجرة بالدين مقابل مبلغ بسيط كضمان لأي صفقة يدعى نسبة الرفع المالي والذي يصل إلى 0.25% من المبلغ المتاجر به... وهو ما تقوم السوق على أساسه، كل ذلك يشير إلى الفجوات الخطيرة في هذه السوق، لكن الأخطر من ذلك هو دخول الأفراد أمام المصارف والمؤسسات المتخصصة صاحبة الخبرة والباع الطويل في هذا المجال ومناطحتهم بقصد الربح، وطبعاً الصراع يتحول من رأسمال مقابل رأسمال، إلى خبرة مقابل خبرة، فصاحب المعرفة العميقة والخبرة الدقيقة سيكون الحاسم في الموضوع، بينما تذهب على أصحاب الأحلام دون المعرفة والخبرة الكافية، وهذا أمر طبيعي، فتلك المؤسسات لديها فرق على مستوى عالٍ من المهنية والمعرفة والخبرة، إضافة إلى بعض المحترفين من الأفراد، ما يؤكد نسبة الخسارة الكبيرة لكل غير ذي علم واحتراف في الموضوع.
طبعاً هذا الجانب لاينفي عمليات النصب والاحتيال التي تقوم بها شركات الوساطة المتعاملة في الفوركس، من تزوير في تسجيل الصفقات وقيمها إلى ضمانات الحسابات المفتوحة عندها... ولكن الفكرة الأساسية هي أن الربح الكبير والقصير لا يأتي بسهولة، ولا يمكن أن يكون سهل، فتلك الخبرات والمعارف المطلوبة لتحقيقه هي عملية تراكم للمعرفة النظرية والعملية لعدة سنين أساسها الاجتهاد والمثابرة، لامكان فيها للمتهورين الذين أحاطوا ببعض من المعلومات الشكلية حول الفوركس ليتحولوا "واهمين" إلى أصحابب ثروات افتراضيين بانتظار التحقق بين يوم وليلة... كذلك من يلجأ ويثق ببعض شركات الوساطة في الفوركس الخالية من كل شيئ ما عدا النصب والاحتيال، وهكذا يتحول كل لاهث للثروة ولا يمتلك العلم والمعرفة والخبرة إلى فريسة سهلة الاصطياد من قبل تلك الشركات بمصيدة الفوركس... حيث لاتنفع تعاويذ.
علي نزار الآغا
ali-pipo@hotmail.com
