في بيئة أعمال تزداد تنافسية وتعقيداً، صار لزاماً على المؤسسات أن تتسلح بالمعلومة الموثوقة عند اتخاذ القرار، فعندما تعد مؤسسة توقعات مبيعاتها لمرحلة قادمة تستند إلى معطيات داخلية ومؤشرات السوق، وعندما تعد مؤسسة دراسة تسويقية تلجأ إلى استقراءات عن الأسواق والبيئة، وعندما تُقدم مؤسسة على الاستثمار في سورية لابد لها من تصميم استثمار يتناسب مع توقعات السوق ودينامياته، ولكن في سورية الأرقام كثيراً ما تتضارب وتتأخر مما يضعف فرص النجاح. إن تضخيم أرقام الهاطل المطري شتاءً لتحفيز المزارع، وتصغير أرقام درجات الحرارة صيفاً لتحفيز السائح تجسد رؤية قاصرة إذ إن أهمية الرقم تكمن في الدقة والمصداقية بعيداً عن النيّات الكامنة وراء تجميل الأرقام.
تصدر المؤشرات الاقتصادية عموماً عن المكتب المركزي للإحصاء والمصرف المركزي وكذلك الوزارات والهيئات الرسمية وتقارير مكتب النائب الاقتصادي وعن تصريحات المسؤولين والدراسات التحليلية التي تصدر عن مؤسسات شبه رسمية وأهلية وخاصة تستند في معظمها إلى مراجع دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي(IMF).
وفي دراسة استقصائية لجمعية رجال وسيدات الأعمال السورية (SBC) تبين أن أهم المؤشرات الاقتصادية الوطنية تختلف حسب المصدر، فمثلاً تتراوح تقديرات معدل نمو الناتج المحلي للعام 2008 بين 4.2% حسب البنك الدولي و6.8% حسب هيئة الاستثمار السورية ، وفي مؤشرات العام 2007 تفاوتت تقديرات نسبة التضخم بين 4.5% حسب المكتب المركزي للإحصاء و 9.5% حسب غرفة تجارة دمشق، ونسبة تضخم العام 2009 تراوحت بين 2.8% بالنسبة للمكتب المركزي للإحصاء و4% بالنسبة لمكتب النائب الإقتصادي ، وحتى المصرف المركزي الذي يزود مجتمع الأعمال بغلّة وفيرة ومحدّثة من البيانات قام مؤخراً بإعادة تقدير معدل نمو الناتج المحلي للعام 2009 من 3.6% إلى 5.9%.
إن هذا التفاوت الكبير يلغي كلياً جدوى استخدام هذه المؤشرات وحتى بالنسبة للإحصائيات التجميعية فهي غير دقيقة وتتغير بتغير المصدر أو الظرف، إذ تتباين كثيراً البيانات الرسمية لتجارة الأدوية بين سورية والاتحاد الأوربي مع الأرقام الصادرة عن الاتحاد الأوربي، وتتباين أكثر إحصائيات الاستثمار الأجنبي المباشر بين مكتب النائب الاقتصادي والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار والبنك الدولي، وزارة الزراعة التي وعدت بمحصول قمح وفير لن تؤثر فيه تكهنات صدأ القمح أتت تقديراتها بعيدة عن حسابات البيدر.
ومع تفهم جمعية رجال وسيدات الأعمال السورية لصعوبة استصدار البيانات نتيجة لضعف الإفصاح والتهرب الجمركي و ... إلا أن عدم توفر مؤشرات اقتصادية دقيقة وموثوقة له تأثير مباشر على تراجع ترتيب سورية في الكثير من مؤشرات تنافسية الاقتصاد السوري، والجمعية إذ تعتبر نفسها شريكاً غيوراً على الاقتصاد الوطني وأن تسليط الضوء على سلبيات إنما هدفه المشاركة في التطوير توجز فيما يلي بعض المشاهدات والتوصيات:
1. يجب تحديد تعريف واضح لكل مؤشر اقتصادي ومرجعيات إصداره وآليات احتسابه وشموليته ومواعيد إصداره وهامش الخطأ المسموح عند تقديره.
2. تحتاج المواقع الإلكترونية لمعظم الوزارات والهيئات إلى إعادة نظر شاملة ابتداءً بتحديد النطاق وحتى آليات التحديث الدوري للمعطيات، فقد اتخذت الوزارات والهيئات الرسمية نطاقات متباينة فالبعض اختار (.org) وآخرون (.net) أو (.sy)... وحتى الغرف العائدة إلى اتحاد واحد تباينت نطاقاتها، يجب أن تتحول جميع هذه المواقع من واجهات للعلاقات العامة بشكل رئيسي إلى منارات توجيه وبحث وإرشاد يتم تحديث بياناتها (بالإنكليزية قبل العربية) بشكل فعّال ، موقع هيئة الاستثمار السورية لايورد أية مؤشرات اقتصادية ولا يصل المستثمر بمصادر لها، موقع إحدى الغرف يورد معلومات خاطئة لساعات الدوام الرسمي والعطلة الأسبوعية، و بدلاً من الاجتهاد في التحديث اليدوي يقترح أن توفر جميع المواقع الرسمية وصلات لمصادر المعلومات ومرجعيات المؤشرات.
3. تعتبر تصريحات المسؤولين الإعلامية وخاصة منها المنشورة بالصحف الرسمية مرجعيات بحثية يستند إليها لذلك يقترح توخي الدقة عند الإدلاء بأية تصريحات تتضمن مؤشرات اقتصادية
