الحديث عن الذكريات بما تتضمنه من مصاعب وانجازات يعتبر الأكثر قربا ومحبة إلى النفس، فكيف سيكون عليه الحال إذا تعلق الأمر باستذكار الأيام التي تكتسب أهمية خاصة في ذاكرة مئات آلاف من المستثمرين.
الذين طالما وقفوا لساعات وأعينهم ترقب بحرص شديد شاشات عرض الأسعار في سوق دبي المالي بعدما أصبح لديهم إطار منظم للتعاملات يمنحهم قدرا مقبولا من الطمأنينة بعيدا عن أجواء الرعب التي كانت تسيطر على تجارة الأسهم في الفترة التي كان فيها لتجار (الشنطة) الكلمة الأولى في تحديد الأسعار.
كان من الطبيعي آنذاك في ظل سيادة انتهازية البعض والتغرير بالمستثمرين وعدم الاعتراف بسياسة العرض والطلب كأسلوب وحكم لتحديد القيمة العادلة للأسهم أن تتضخم الأسعار وتنتفخ حتى بلغت درجة الانفجار الذي وقع بعد ذلك وتسبب بانهيار هذه التجارة وأدى إلى تبخر مليارات الدراهم مما ساهم في حدوث كارثة بكل معنى الكلمة بما أسفرت عنه من نتائج راح ضحيتها آلاف المتعاملين الذين خسروا كل ما لديهم من مدخرات.
بعد الكارثة التي حدثت كان لا بد من تحرك رسمي لمعالجة القضية فكان أن صدرت الأوامر بتأسيس أسواق رسمية ومنها سوق دبي المالي الذي يحتفل اليوم بمرور عشر سنوات على بدء انطلاقته.
ولم تكن المهمة سهلة وقتها في إعادة الهيبة لتجارة الأسهم في ظل حالة الخراب التي تعرضت لها بعد الانهيار الكبير الذي خلق انطباعا سلبيا في أذهان الجميع عن هذا النوع من الاستثمار غير الآمن والذي أصبح الاقتراب منه مجددا ينطوي على مخاطر جمة لا تحمد عواقبها خاصة وان هذه العواقب ما زالت محفورة في ذاكرة الكثيرين.
اذكر في تاريخ مر عليه نحو عشر سنوات أننا كنا ندخل إلى قاعات التداول وقد بدت شبه خالية سوى من أعداد قليلة كانت تأتي على سبيل إضاعة الوقت أو إشباع ما لديها من فضول لاكتشاف ما تغير من أحوال بعد تأسيس سوق نظامي، عندها كانت التعاملات شحيحة للغاية نظرا لقلة المستثمرين، وكانت الشركات المدرجة أيضا معدودة لعدم الوعي بأهمية السوق كقناة استثمارية.
ومع مرور الوقت باتت الحركة تدب في قاعات التداول حتى بلغت ذروتها في عام 2005 حيث أصبح من الصعوبة بمكان على المستثمر إيجاد موطئ قدم له في ظل اكتظاظ ردهات القاعات بالمستثمرين الذين عادوا مجددا وبقوة لتجارة الأسهم بعد تنظيمها وارتفاع الأسعار إلى الدرجة التي أصبحت فيها السوق تشكل الوجهة الرئيسية للباحثين عن الثراء وتحقيق المكاسب.
وهم مطمئنون أنهم يعملون وفقا لقوانين وأنظمة تحفظ حقوقهم وأصبح بإمكانهم بعد ذلك في غضون سنوات قليلة تنفيذ تداولاتهم الكترونيا عبر الانترنت دون تحمل عناء الذهاب إلى السوق.
ليس في واردي الإشادة في ما حققته الأسواق ومنها سوق دبي المالي من انجازات منذ التأسيس، ولا يمكنني القول بأن التجربة بلغت فيما وصلت إليه من أهداف مستوى الطموح الذي من المفترض انه لا ينتهي لدى المستثمرين أو إدارات الأسواق نفسها.
ولكن من الغبن تجاهل أهمية الدور الذي لعبته هذه الأسواق في خلق حالة من الطمأنينة في نفوس المستثمرين من خلال مأسسة عمل الاستثمار في الأسهم وفقا لقوانين وأنظمة حددت للجميع ما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق.
على أن العمل مازال متواصلا من قبل القائمين عليها دون كلل أو ملل للتطوير والتحديث ومواكبة كل ما هو جديد في أسواق المال على مستوى العالم.
*عن" البيان" الاماراتية
