|
|
|
|
دمٌ في السماء .. دمٌ في الطريق |
حسن الهلالي سلامة: كاتب وشاعر وإعلامي فلسطيني كم كنتُ حزيناً ، كم خجلتُ ، حين نظرتُ الشجرة العارية من ثوبها الأخضر .. فقلت سلاما أيتها الأم حارسة الرصيف والعمر الذي يزرع عند الصباحات أيامه اللاهثة .. كم حزنتُ ، كم انتابني ذاك الخشوع ، حين قالت الشجرة هذا هو الله ، أراه كما أراك .. نظرتُ إلى مدى بصيرتها في السماء، فرأيتُ كفيّها النـازفين، وما رأيت العصافير ، ولا بياض الغيوم وما سمعت صدى الصوت الذي مات في رائحة الموت، بعد أن حطت خرائبه على ربيع الحـياة ..
** قـال الـراوي : سقـط مني الكلام سهواً ، وتلعثم لساني ، وتـذكرتُ صوت أمي قبـل موتها، حين قـالت حكمة: يا بني ، بعـد كل أزمة خراب أو حرب، فصدقتها ،لأنها كـانت ترى ما لا أرى، وحين رحلتْ، قلت لنفسي : ماذا تبقى لنا على عروش التراب سوى الغبـار واليـباب. وقلت لربي العظيم أحمدك، لأنني ما كنت لأحتمل أسى أمي بالذي نرى.. ** وحين ، صار الدخان هو الرئة الوحيدة ، قام كافر يوزع الجمر وأشواكه السوداء على المارة .. وكان يهذي بنبوءة ابن سبأ حين أراد له رباً مختلفاً يطلب منه مصحفاً مختلفاً ، على قياس كفره .. وصار يصدح جهاراً للذين اصطفوا وصفقوا له .. وعبأوا صرته بالدنانير، فانحنى وتلوى وتمطى ، وكاد يأكلني لولا رحمة الرحمن ، فاشعل نيرانه في الياسمين وأعشاش الحساسين.. ونحر القرابين لمعبده .. .. قلت سلاماً أيها الرب العظيم سلاماً أيها الرب الرحيم ، من أين يا رب جاء كل هؤلاء الشياطين بغواية الكفر ، وممرات النكوص عن الخليقة ..؟! وأنا الذي ما كنت باسطاً يدي لأقـتلهم ..؟
** وقال الراوي : قلتُ في لحظة شـائكة لنفسي: الحمد لله، لم تسألني أمي عن هـؤلاء الذين وزعوا أرواحـهم على تلك الأرصفة، ولونـوا السماء بالأحمـر القاني ، فأنا والله لا أحتـمل أسى أمي ولا حـزنها، فأنـا أعـرفـها تماماً حين تحزن ، تنام على جنبها الأيمن، ولا تأكل، وتعبث بأي شيء حـولها ، ثم تـزيح حزنها إلى سؤال: يـُمه ، ما أخبار أبو العـلوج (تعني الصحاف) فـذهلت حين علمت أنهـا تتـابع الوجـع العراقي ، وأخبارالغـزاة وأنها بكت فجـر ذاك العيد، فشعـرتُ بانكسار شديد، وحمدت الله، فقـد رحلت ولم تسألني عن الربيع العربي، ولو فعلت لظنت أنني أهزأ بها ، وأنني - معاذ الله - على وشك العقوق .!
** الساعة واقفة عند عقربها ، والصوت فوق الصوت ، والناس الطيبون يتخاطرون مع وقتهم وهواجسهم ، وخطواتهم . أنا أعلم تماماً أن العابرين يلقون التحية على الأرصفة والجدران والياسمين الفائض عن حاجة النوافذ وأعلم يقيناً أن النسائم تنقل الرد عطراً ، وعبقاً ، ومحبة .. سألت نفسي : كيف تنتصر الشياطين على ذاتها ، وكيف تأتيها الهواجس البشرية فيكون عصيان الرب ، وتبرق المعصية ويطل الإنتقام برأسين أسودين بعيون محملقة في الفراغ ، فتفرد سواد عباءتها وموتها ، وتوزع لكل عابر رطلين من حريق ، وقارورة موت لكل طفل ، وللبالغين عناقيد الديناميت.. فيصمت الشارع ، ويصمت المارة ، ويصمت الأطفال ، فيختلط الدم والنار، وتتعرى الشجرة من أخضرها ، من هول الفجيعة ، فتمد روحها للسماء ، تخاطب الإله الخالق ، في انتظار غيمة ، ليست عابرة بل ، محملة بالبرق والرعد في مخاض المطر .. ..
** وقال: قالت أمي : لعنة الله على الظـالمين . فأنصت لعسعسة الليل ، حين النجوم كأنها في كـدر ، وكـأن الأرصفة ثـكلى حين غـابت خطوات المارة ، فما كان مني ، قال ، سوى البحث في أشيائي كلها ، عن زاويـة للحزن ، فمـا وجدت إلا روحي أعتصرها مثل قطنة مبللة ، لكنها كانت تنز ّ دماً .. فنمت عليها .. ..
18 / 3 / 2012
|
سيريان ديز |
|
الخميس 2012-03-22 | 12:02:28 |
|
|
|
|
|
|
|