الأربعاء 2010-07-07 10:06:15 فنان وتعليق
نصر حامد أبو زيد جرأة المفكر في مواجهة الغوغاء
 
 
مثل نصر حامد أبو زيد بمشروعه الذي يعد بداية لمشروعات فكرية أخرى، يجب أن تأتي في إطار التجديد الفكري للخطاب الديني، نموذجاً للمثقف الحر، ورغم أنه لم يكن الأول في هذا المضمار ولن يكون الأخير، لكنه كان نموذجاً للمثقف الذي رفض الانطواء تحت سلطة العقلية الراسخة سواء في الشارع أو الجامعة محاكم التفتيش، كان مشروعه قائماً على نقد الثابت المتكلس وإعادة النظر فيه بما يتواءم مع اللحظة الحضارية الراهنة، لتحريك عجلات الفكر التي أصيبت منذ سنوات طويلة بالعجز والسكون، وأرادت له العناية سواء بعمله العلمي أو مسيرته الحياتية وما شهده من نفي وتغريب أن يكون محفزاً مهماً على تجديد العقل العربي، هنا شهادات عدد من المثقفين عن مشروعه ودوره الثقافي ودلالات ما حدث معه في مجتمع أصيب بالركود والتآكل لمصلحة ذهنية مثلت الصدأ والملح المتكلس على عقل الجماعة العربية ككل.
د. عبد المنعم تليمة:
آخر سلالة مدرسة البيان
يقول الدكتور عبدالمنعم تليمة: كان نصر حامد أبو زيد تجربة جديدة على ظروفنا الراهنة في هذه السنوات المضطربة من عطائنا الثقافي، فقدم جهداً يقظاً وجاداً، عاملاً بآليات الجهاد الفكري، متصدياً لتيارات التخلف، ورافعاً ألوية التنوير وتدريسه في الجامعة، فأثر في تلاميذه لأخلاقه المهنية وحرصه على سلامة العطاء، مقدماً مشروعه المهم عبر عدد من الكتب البحثية الجادة، وهو من أبناء المدرسة العقلية التي عرفتها الثقافة العربية منذ صدر الإسلام، والتي كان لها دورها المهم في ازدهار الحضارة العربية، وقد انحاز منذ دراسته العلمية لنيل درجة الماجستير إلى تلك المدرسة العقلية والبيانية في تفسير القرآن، والتي تقوم على بيان الوجوه البلاغية للنص القرآني، رافضة المدارس الظاهراتية التي قامت على التفسير الأحادي للنص، والآخذة بظاهره فقط، فضيقت على المجتمع وآليات عمله الفكرية، وقد امتدت هذه المدرسة منذ الزمخشري حتى أمين الخولي الذي يعد أشهر أبناء هذه السلالة في العصر الحديث، وكان نصر واحدا من تلامذته غير المباشرين.
فريدة النقاش:
خسارة من العيار الثقيل
بدورها تعتبر الناقدة فريدة النقاش أن نصر أبو زيد هو امتداد خلاق لكل الاتجاهات العقلانية المهمة في الثقافة العربية والإسلامية منذ ابن رشد حتى الآن، فهو الذي طرح الأسئلة الكبرى في مرحلة تعرضت فيها حركة التحرير الوطني لهزيمة ماحقة، وفي ظل هذه الهزيمة برزت التيارات الإسلامية التي يتاجر معظمها بالشعارات الدينية لغلق أبواب الأسئلة المشروعة حول حرية العقل والمرأة وارتباط ذلك بحرية المواطنة وحرية الوطن.
دعا نصر أبو زيد بصورة علمية مؤسسة تأسيساً فكرياً راقياً لفصل الدين عن السياسة، ودافع عن مفهوم العلمانية التي ليست إلحاداً، لكنها عملية إجرائية لفصل الدين عن السياسة، وليس المجتمع ولا الحياة، وقد قدم تأويلاً متقدماً تاريخياً وموضوعياً للنصوص الدينية، ودعا إلى تحرير المرأة والدولة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وتأسيس مبدأ المواطنة، مما يؤسف له، أن الثقافة العربية والإسلامية في ظل هذا البطء الشديد وسكون المجتمع، وهزيمة التحرر الوطني التي ماتت في زمن ازدهارها، لم تقدم إجابات عن الأسئلة الشائكة مثل حرية العقل والتفكير والمرأة، فكان لها أن تواجه مسلسل العزل والإقصاء للتيارات العقلانية والنقدية في هذه الثقافة، وصولاً إلى فضيحة تطليق د. نصر من زوجته د. ابتهال يونس، وكأننا أمام حرق جديد لكتب ابن رشد ونفيه، لأن نصر واقعياً خلال الـ 25 عاماً الأخيرة كان منفياً عن وطنه، مبعداً عن تلامذته وطلابه، ومحيطه الثقافي الذي كان ينبغي أن يتواجد فيه، ولتغييره من خلال طلابه وأعماله التي أنتجها، وإن كان قد مات في مصر أو زارها، لكن ذلك كان بشكل شبه سري، وعلى فترات متباعدة، ولأيام تعد على الأصابع، وذلك خوفاً من التهديدات والاتهامات التي كان وظل منفياً بسببها. ومن ثم فرحيله مأساة كبرى لأنها خسارة من العيار الثقيل للثقافة العربية والإسلامية.
د. محمد حافظ دياب:
سجال التأويل على
خارطة لم تتغير
ويرى الدكتور محمد حافظ دياب إن نصر حامد أبو زيد أثار في تأويلاته سجالاً حاداً وصل إلى إدانة صاحبه واتهامه بالمروق والردة، ربما لأن التأويل كفعل منطقي لم يكتب شرعيته للآن في فكرنا المعاصر، حيث يطوف عادة على جنوح بالمقاصد والدلالات، ودخول في إثبات عقائد وضلالات، أو على الأقل عدم التمييز بين المقبول والمرفوض، والمذموم في التأويل هو شريط عدم الخروج عن أصول الشريعة عبر الضوابط التي أوردها علماء أصول الفقه والدين البارزين، رغم أن التأويل هو تمثل للدلالات الكاشفة والمشتركة بين أسئلة الحاضر ومعطيات النص عن طريق تجاوز منطوقه الظاهري، والالتفات إلى كثافة معناه، والمفاضلة بين وجوه احتمالاته، ويضيف أبو زيد أن الصيغة الشمولية للنص وتعددية آفاق قارئيه هي التي تجعل التأويل المجازي ضرورة.
ونصر ابتداء طمح في كتابه «الخطاب والتأويل» إلى قراءة علاقة المثقف مع السلطة في بعدها الخطابي، أي إبراز مدى ملائمة خطاب المثقف المتكئ على تراثه التنويري مع السلطة المرتكزة على التراث نفسه، ولذلك فهو يعيد ما كان قد بدأه في كتابه مفهوم النص، والذي أثار عليه إشكالات فكرية كبيرة انتهت بتكفيره، والغريب أنه منذ قرابة القرن كتب عالم أزهري اسمه محمد أبو زيد كتاباً في التفسير عنوانه «الهداية والعرفان» فتمت مصادرته وقت صدوره، وقدم صاحبه إلى المحاكمة عام 1917، لأنه ذهب في كتابه هذا إلى أن آدم ليس نبياً ولا رسولاً، وإنما نبوته ورسالته ظنيتان، فكان هذا مبرراً ليرفع البعض شأنه للقضاء، طالبين التفريق بينه وبين زوجته بتهمة الردة، واستجابت المحكمة الابتدائية للأحوال الشخصية بمدينة دمنهور، وحكمت بالتفريق بين المدعى عليه وزوجته، لكن محكمة استئناف الإسكندرية حكمت برفض الدعوة، ونقض الحكم الصادر ضده في اليوم الأول من ديسمبر عام 1918، وبين محمد أبو زيد في القرن العشرين، ونصر أبو زيد في القرن الحادي والعشرين ظلت خارطة المشهد الثقافي العربي في المجمل ثابتة لم تتغير.
د. صلاح فضل:
أكثر أبناء جيله حساسية
الدكتور صلاح فضل في تقييمه لمشروع الراحل يقول: لم يكن مشروع نصر حامد أبو زيد معزولاً عن تيارات التجديد الفكري في الثقافة العربية والإسلامية منذ منتصف القرن العشرين، بل كان امتداداً نشطاً لأسلاف سبقوه في مجال تأويل النصوص الدينية وتطوير مفاهيمها كي تتلاءم مع مستجدات الفكر الثقافية والمعرفية، وتستوعب رؤية الإنسان المعاصر، بدءا من محمد عبده، وعلي عبد الرازق، وأمين الخولي، ومحمد خلف الله، وغيرهم، لكن الجديد في البيئة المصرية حينئذ التيار السلفي الذي أطلقه السادات ليناهض التيارات الناصرية واليسارية، واستغل هذا التيار الأصولي حداثة تعبيرات بعض صياغات نصر التي أخذها من النقد الأدبي على وجه التحديد، مثل مفاهيم النص وإنتاج الدلالات وغيرها من المصطلحات التي كنا نتداولها بيسر وسهولة في مجال الأدب، وحاول أن يوظفها في تأويل النصوص المقدسة، وتحليل تاريخيتها، وبلورة بعض أفكاره المنطقية عنها، فتسقط لها محترفو الدين، ومنتهزو التشيع له، والغيرة المفتعلة عليه، كي يصموه بالخروج عن جادته لمجرد أنه حدث لغته، وأدخل فيها شيئاً من الصياغات الأدبية والنقدية.
كنت أعرف أن د. نصر من أكثر أبناء جيله حساسية وتحولاً عن مسار لمساره الأول، منعطفاً إلى مسار إسلامي أصيل، غيور على الدين، حريص على الاجتهاد فيه بجذوة فكرية التقطها من أساتذته الأولين، وأعرف أنه قد ظلم ظلماً فادحاً، وأبت عليه كرامته أن ينطق بالشهادتين أمام محكمة، وكأنها مسؤولة عن تفتيش ضمائر البشر، تعطي نفسها الحق في أن تتأكد من إيمانهم، كان يرى عقيدته وكرامته أكرم عليه من أن يقدم شهادة مبتذلة أمام أناس غير متعمقين في المسألة الدينية بقدر تعمقه فيها، فرفض الشهادة لأنه يسر بها لخالقه كل لحظة، ولا يقر بها إلا أمامه فقط، فخضع نتيجة لذلك لأكبر فضيحة فكرية تعرضت لها الثقافة العربية الحديثة، وهي أن يطلق رجل زوجته لأنه يجتهد في الفكر والتأويل، ولا يخضع لحرفية التأويل والفهم الاسلاموي السلفي، لكن هذه المحنة- على مرارتها- أتاحت له فرصة ذهبية لكي يعمل في وسط أكاديمي رفيع في هولندا، ويقوم بدور هائل في الدفاع عن الإسلام والكتابة المستنيرة، ويكتسب في الأوساط العلمية العربية والعالمية مكاناً مرموقاً كواحد من طليعة المجددين في الفكر الإسلامي، تاركاً بؤر المتاجرة بالدين والاسترزاق من الغيرة عليه لمن أعمتهم الغيرة عن الرسالة الحقيقية للفكر المستنير. وأشهد أن نصر كان من أشد أبناء جيله غيرة على الإسلام، والتزاماً بتعاليمه، وحرصاً على جلاء وجهها المستضيء في كل مداخلاته العلمية.
د. صلاح قنصوه:
منهج علمي بعيدا عن الرياء
من جهته يرى الدكتور صلاح قنصوه ان «أهمية مشروع نصر حامد أبو زيد ليست فقط في ما قدمه ولكن أيضاً في ما كشف عنه من سوء في الآخرين، لأنه كان يمثل بطريقته العلمية المنهجية البعيدة عن طلب الشهرة أو الرياء ـ الرأي الجريء في مواجهة الأعداء الحفظة المصابين بالعقم ولا يملكون إلا ما يحفظونه، ويحافظون عليه بسلطة مستعارة وليس حقيقية، فسلطتهم مستمدة من وظائفهم، فكل من ناصبوه العداء كانوا يمثلون النفايات، ولسوء الحظ فإن هؤلاء يمثلون أغلبية في الشارع المصري والعربي الآن، وكانت أهمية مشروع نصر حامد أنه يواجه هؤلاء، لأنه كان ضد هذا الاجتياح السيئ، وأنا اتفق مع كلمة مشروع، التي قد تعني في بعض وجوهها عملا غير مكتمل، لكنه طموح وبه دعوة للآخرين أن يواصلوا البحث والجرأة والشجاعة للوقوف أمام الغوغاء، من هنا كان مشروع نصر حامد صعباً، ومن الرائع بالفعل أنه بدأه، كي يكون نموذجاً للآخرين الذين يحاولون أن يكونوا آدميين وذوي إرادة».
 
اتحاد الكتاب: لا عزاء لنصر حامد أبو زيد!
أعلن الكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب المصريين أن الاتحاد لن يستطيع أن يفعل شيئاً لنصر حامد أبو زيد، لا لإقامة عزاء ولا حفل تأبين أو غيره، وذلك لأن نصر لم يكن عضواً في الاتحاد، وأوضح سلماوي أن الجهاز المركزي للمحاسبات يحاسب الاتحاد على نفقاته لغير الأعضاء، وأنه حين مرض الناقد الراحل فاروق عبد القادر فقد جعله الاتحاد يوقع على استمارة عضوية كي يتمكن من المشاركة في علاجه، وأضاف: إنني وبشكل شخصي على استعداد للمساهمة في إقامة عزاء له إذا كانت هناك رغبة من قبل عدد من أصدقائه في عمل هذا.
 
 
صبحي موسى
 
المصدر: القبس
 
 
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024