الثلاثاء 2009-10-27 12:07:13 كــتب
«حلـب بيـت النغـم» لجميـل ولايـة.. تاريـخ مدينـة وتاريـخ موسـيقى

الكتاب بين أيدينا لمؤلفه جميل ولاية هو «حلب بيت النغم» تليه إضافة، بل إضافات للمؤلف بحسب ما جاء في آخر الكتاب، وتكمل رحلة الكاتب في عالم النغم الحلبي، وتأخذ طريقها إلى الطباعة تباعاً، تحت العناوين التالية: «حلب أزمان وأسفار» و«حلب النغم المسافر» وكتاب ثالث في الذكريات تحت عنوان «الأماني والزمن». حلب إذاً، محور كتب ولاية، ويعنينا هنا كتابه: «حلب بيت النغم» الصادر عن «دار طلاس» الكتاب الضخم في محاولته الجادة لإظهار دور حلب الحضاري والموسيقي من خلال رصد تاريخي، يأمل منه ولاية أن يبقى مرجعاً بين يدي المهتمين والأجيال القادمة، وبخاصة في مجالي الموسيقى والغناء المتأصلين في الحياة الحلبية.
الكتاب بداية مُدعّم بالصورة الدالة على مكانة حلب الفنية، كما اجتهد الكاتب الى النصوص التاريخية مضمّنها كتابه، وتُعنى بوصف الآلات الموسيقية، وتعرّف بالعازفين والمنشدين في أغانيهم الحزينة، وتلك الفرحة، وحتى في ترنيم القيثارات في المعابد تمجيداً لآلهة وتقربا منها نشيدا وترتيلا، ما يعني أن مثل تلك الآلات الموسيقية، كانت جزءا لا يتجزأ من موجودات دور العبادة، وأثاث القصور الملكية، وبيوت بعض مترفي حلب.
«حلب بيت النغم» مقسّم إلى أبواب سبعة تحت عناوين لافتة، يستدرج كل منها الآخر: «تاريخ وحضارة» و«مجتمع حلب والموسيقى» و«مجتمع حلب ـ إنجازات وإرهاصات» إلى الموسيقى الآلية، والموروث الغنائي، والرقص، والصيغ الإبداعية، بالإضافة إلى الصور والوثائق والتدوينات الموسيقية. الكتاب على ما ذكرنا، توطئة لأعمال أكبر وأشمال، رغم وفرة فصوله، ومداخله وأبحاثه المتعددة الغايات. لا يقترب الكتاب من وقائع تاريخية قديمة، ولا يوثق مستعينا بمنجزات علمية تمتلئ بها كتب الموسيقى، لأن غاياته تفصح عن نفسها من خلال السرد.
المؤلف في الأساس مخرج مسرحي وسينـــمائي، ســوى أن علاقة المخرج بالفنون كافة، لازمــة وضرورية، ما استــدعى اهتمام الكاتب بالموسيقى والغــناء في الدرجة الأولى، وساعده في ذلك امتلاكـــه هو شخصيا صوتا جميلا وميلا للغــناء والعــزف على العود. السينما والمسرح، من اهتمــامات المؤلــف أيضا، وبهما تكتمل شمولية نظرة فنية، يجدها الكاتب جذر أي عمل فني متميز.
ثمة نص يتضمنه الكتاب، ويعني الكثير بالنسبة للموسيقيين والعارفين، مجرد ثبته في الكتاب، يصحح معلومة تاريخية هامة ظلت تُنسب إلى غير مبدعيها أكثر من ألفين وخمسمئة من السنين، وهي أن العالم قبل سبعينيات القرن العشرين كان ينسب إلى فيتاغورس، السلم السباعي (الديانوني) فيما هو معروف ومتداول في شمال الوطن العربي الآسيوي (سوريا والعراق) قبل فيتاغورس بحوالى 1200 سنة ق.م على أقل تقدير، علماً أن فيتاغورس زار البلاد العربية مصر، بلاد الشام، وبابل خلال بحثه عن المعرفة قبل تفرغه للبحث والتأليف.
منجــزات حضــارية عربــية، الموســيقى أولها، حين أسس زرياب الموسيقار العربــي الكــبير في قرطبة أول معهد لتدريس الفنون الموسيقية في أوروبا، سمّاه (دار المدنيات) لأن مناهجه لم تقتصر على فنون الموسيقى والرقص، بل تعدتها إلى تعليم قواعد آداب السلوك الاجتماعي.
حلب
الحقيقة أن أغلب كتاب «حلب بيت النغم» يحكي نشأة حلب في العالم، تاريخها، عمرانها، في نصوص سردية للكاتب، شديدة الانتماء إلى بلده، ومفرطة في الحماسة عن عراقة شهدتها وما زالت حلب، معرجاً على كهوفها، ومعالمها وأسواقها ومركزها التجاري العالمي، حكامها وأهلها البسطاء وعلية القوم منهم.
في (الموشحات الحلبية) أن الموشح انتقل من الأندلس في المشرق العربي، وخاصة إلى حلب. أعجب الحلبيون بطريقة غنائه ولم يعجبوا بطريقة نظمه بسبب انتشار الزجل فيه، فأخذت طريقة غناء الموشحات، وطبقتها على الشعر القريض ما أعوزها تطابق الإيقاعين، فأدخلت على الشعر ألفاظ الترنم ليكتمل التطابق. القالب اللحني للموشح، لم يقتصر على الشكل البسيط، بل يمكن ان تتكرر صيغته المتكاملة عدة مرات، شرط الحفاظ على الترتيب الأول. الموشح الحلبي انتشر خارج حلب، وشمل أقطارا عربية عديدة صاغ ملحنوها ألحانهم على نفس القالب والترتيب. ثمة صلات أيضا بين ألحان الموشح ورقص السماح، فهو مرتبط عضويا بها، وبحسب أدهم الجندي، فإن مبتكر رقص السماح الجماعي هو عقيل المنبجي المدفون في بلدة منبج من أقضية حلب (1100م). السماح حركات خاصة منوعة بالأقدام، تؤدي الإيقاع مع مرافقة غنائية بدل التصفيق بالأيدي.
في الفصل الذي يتناول فيه الكاتب الرقص الشرقي، ان مشاهدة رقصة (هز البطن) متعة للنظر في معظم البلاد العربية، كما أن ممارسته لم تبق تقتصر على (النوريات) وحدهن، فالكثيرات من النساء العربيات مارسنه كمهنة في عدد من الأقطار العربية. (رقصة البطن التي تعتبر في أيامنا الحاضرة رقصة مبتذلة، كانت ترمز إلى آلام الأمومة). هناك تأكيد على وجود هذا الرقص في حلب قبل القرن الثامن عشر، وروى عنه شاهد عيان من الأجانب عاش مدة طويلة في حلب: (كمهنة، هناك راقصون من الذكور والإناث يؤدون رقصات في الحفلات العامة، ولا يسمح إلا للإناث بالرقص في الحرملك، في حين يسمح لكليهما بالرقص في الحفلات الخاصة التي يحضرها الرجال، أما في الحفلات العامة، فإن دور السيدات يؤديه الذكور عادة وهم يرتــدون ثيــابا نســائية، ويؤدي الرقص عادة شخــصان ويستخــدمان صناجات، ومن حين لآخر يغنيان بعض الموشحات تتبعها (جوقة) وينضم إليهما في الغناء العازفون على آلات موسيقية).
القدود الحلبية ذات الصيت الفني الذائع، عرفها خير الدين الأسدي بما يلي: القد من اصطلاحات الغناء، أطلقوها على المنظومة الملحنة حسب تلحين غيرها من عربية أو تركية، وجمعوها على القدود، وسميت بالقد، على قد غيرها نظما ولحنا.
كتاب متعــدد المعــارف الفنية، شاء له الكاتب أن يأتي على شكل مقــابلة مع الكــاتب نفــسه، سوى ان الحوار كان بين سائل مجهول، وبـين الكاتــب الذي جهد الى إجابات شــكلت نصا معرفــيا حوتــه دفتا الكتاب، يعود إليه من يحتــاج معلــومة في الفن عامة، أتقنه أهل حلب عبر تاريخها

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024