الجمعة 2017-09-15 07:01:30 اخترنـــا لكـــم
رأي.. الغـوص فـي حــوض «الآن»

 

ألا تختلف مقتنيات الذاكرة وفق مشاهدتنا..؟!
استفهام استنكاري لايخلو من منح ذواكرنا ارتباطاً وثيقاً بالمكان.. فحسب محمود درويش: دون ذاكرة، لا علاقة حقيقية مع المكان..‏

ما يجعل المكان أرضاً ومستنبتاً تعرّش في رحمه جموع ذكرياتنا.‏

وكما لو أن الذاكرة تقشّر جلدها حين نغيّر أمكنتنا.. فنزيل ما يثقل كاهلها بمجرد أن نمنح أنفسنا ترف إلقاء نظرة على «الجديد»، الجديد الذي لم تألفه عدسات بصرنا وحدقات عيوننا.‏

هل نميل، وفق بول ريكور، إلى إذابة حقل الذاكرة في حقل التاريخ..؟‏

وهو ما يعني أن الذاكرة جزء لا يتجزأ من التاريخ.. أي الماضي.. وبتعبير آخر هي «المواد الأولية للتاريخ».. لتاريخنا الفردي أو الجمعي.‏

يبدو أن الذاكرة تتفنن بليّ عنق رؤيتنا إلى الوراء.. وجعلنا أسرى الماضي.‏

في كتابه «الذاكرة، التاريخ، النسيان» يورد بول ريكور توصيفاً للذاكرة، بعد التأكيد على أنها المادة الخام التي ينهض بواسطتها التاريخ، فهي «حوض السمك الذي يأخذ منه المؤرّخون».. دون أن ينسى إيراد تنبيه من التقريظ المفرط لها: «إن إعطاء الذاكرة امتيازاً كبيراً يعني الغطس في السيل العارم للزمن»..‏

وكأنما يتضمن الكلام لهجةً تحذيرية من كامل الاستغراق والخوض في ثنائيات من مثل «الماضي/الحاضر».. فنحن لاشعورياً نلج هذا النوع من المقارنات العفوية حين تجرّنا ذكرياتنا إلى زمنٍ ماضٍ.. وربما كان الأمر أخطر من ذلك بما يحمل في مضامينه من تلذذ العيش في لحظات الماضي.‏

هل لنا أن نكسّر مثل هكذا غوص في العود وراءً باستحواذ كمّ من أحلام تجرّنا إلى زمنٍ قادم..؟‏

فجميعنا يمتلك (آلات سفر عبر الزمن.. منها ما يعيدنا إلى الوراء وتلك اسمها الذاكرة ومنها ما يدفعنا إلى الأمام وتلك نسميها الأحلام).. كما يرى الممثل جيرمي أيرونز بطل فيلم (correspondence- تراسل) الذي يقدّم صيغة تلاعب بالزمن تخترق الآني.‏

البعض يرى في اندثار ذواكرنا، حالة من الضياع.. بينما يرى آخرون ومنهم إميل سيوران العكس تماماً، فحسب وصفته إن أردنا أن نعيش في سعادة علينا أن لا ننبش في الذاكرة.‏

أجد ربطاً لا بدّ منه بين توصيف شاعر إيراني ميت الحياة بقوله هي فن الاستحمام في حوض الراهن.. وبين توصيفهم الذاكرة «حوض السمك» الذي يأخذون منه..‏

وبين الحوضين، وجب تعلّم فن العوم.. والانسياق مع اللحظة الحالية استتباعاً لقول الشاعر: «الحياة... الاستحمام في حوض (الأن)»..‏

lamisali25@yahoo.com ‏

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024