0 2017-09-15 06:57:54 أدبيات
الشام عشقي والمحبة مذهبي.. لحن الإيـاب.. للشـــاعر محمد الدمشــقي ثقافة

في شعره نطوف في دروب العشق، والدروب جميعها تفضي إلى دمشق، وفي شعره نتوضأ بماء الورد والياسمين، وندخل محراب الجمال، نلتقط صورا تذكارية لدمشق الشام، نرتشف السحر من لمى بردى ونعانق المجد في ذرا قاسيون الأغر.

يخبىء الشاعر محمد الدمشقي قلبه في ضحكات الورد ودمعات الغيم، ونجد في ديوانه «لحن الإياب» نصوصا خصبة إنسانيا وعرفيا إلى حد كبير، وهذه الخصوبة تتأتى من رهافة حس أولا، وثقافة عالية ثانيا.‏

قصائد فيها القليل من الحب، والكثير من الحرب، والألم هو الأبجدية الأولى التي يغزل منها الشاعر شموس حروفها، فنجد أنفسنا أمام قصائد مدادها من جراح الوطن النازفة والحزن المختبىء خلف الكلمات يلامس وجدان المتلقي، فيجد نفسه أمام شعر يقرأ وتجربة تسمع.‏

وفي مقدمتها تلتقط د. وسام قباني محاور عديدة لكشف أسرار الإبداع في تجربة الشاعر، منها «عناوين القصائد» التي وفق الشاعر في اختيارها واستطاع من خلالها أن يستأثر بقلب المتلقي وعاطفته، فهي عنوانات مكثفة رومانسية جذابة عامرة بالحب، نابضة بالشوق «لاترحلي، عطر الخلود، ياشعر، أنا في الحب، العقد الفريد، بكت السماء».‏

وتتميز قصائده بالخيال الخصب والفلسفة والثقافة، ففي نصوصه نجد صورا بديعة، وعبارات صوفية، وفيضا من الأساطير والأمثال والحكم، فالشاعر يمتطي صهوة الخيال ليأخذنا إلى عوالم خيالية مدهشة، حيث يغدو بردى سماء صافية تشع نقاء ودوحة تظلل قاصديها بفيء طهرها:‏

بردى سماء أستظل بطهرها‏

ليت القلوب نقية كسمائي‏

كما نجد حضورا آسرا لفلسفة العشق الصوفي حيث يتوحد العاشق بمعشوقه إلى حد الفناء، ولاتغيب الحكمة أيضا عن عالم محمد الدمشقي الشعري مستمدة من تجربته الحياتية وثقافته الواسعة، للأمثال حظ وافر في شعره يستحضرها لإضفاء طابع من الأصالة والحيوية على نصوصه الشعرية، ولإقامة حجة دامغة على صحة ما يذهب إليه:‏

سنحقق الأحلام لو نبقى معا‏

لا لن تصفق وحدها أبدا يد‏

وإذا تأملنا قصائد «لحن الإياب» فإننا سنجد الشاعر يدور في فلك ثالوث مقدس يتمثل بـ «الأنثى، الوطن، الطبيعة» فالأنثى هي الحبيبة التي سرقت قلب الشاعر، أنثى من عبير، خلقت من طينة المسك والعنبر، ومن تراتيل ضوء القمر.‏

والشاعر مسكون بالوطن متوحد به حد الفناء، وقد نذر نفسه وحبره ودمه فداء لهذا الوطن، فالشام عشقه، وهواها دينه ومذهبه يقول:‏

الشام عشقي والمحبة مذهبي‏

ولها نذرت مشاعري ودمائي‏

أما الطبيعة في شعره فهي لوحة ناطقة تموج بالحياة، والطبيعة هي الأم التي يرتمي الشاعر في أحضانها كلما اعتراه شوق أو خوف أو وهم أو حزن أو قلق، والياسمين عنده رمز لعنفوان الشام وإبائها وصفاء قلبها وطهرها، والياسمين هو عطر الشام، أكسير الحياة، لحن الخلود والأحلام.‏

وقد أبدع شاعرنا في استيحاء تراسل الحواس، فالعطر الشذي يغدو ذا كف حانية دافئة تضم وتحتوي، ويصبح العطر صوتا مسموعا وطعم حنين يذاق:‏

أشواقنا تسقي الوجود قصائدا‏

والعطر في نبضي صدى إلهامي‏

كما أن الشاعر أجاد في العزف على أوتار الانزياح، فكثيرا مانراه يغاير المألوف، ويخالف المعروف بغية خلق الإثارة وصناعة الدهشة وإشاعة الحيوية في نصوصه الشعرية.‏

وتخلص د. قباني إلى أن شعر محمد الدمشقي فيه رقة وجمالية لذا نجد أنفسنا معجبين بحرفه، تواقين إلى قراءة شعره، وفي شعره نسافر مع وجه دمشق عشقا، وتزداد فتنة طقوس الياسمين.‏

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024