الأربعاء 2010-01-06 12:40:58 أدبيات
زهرتان وعصفور
قد لا نسترسل بأحاديث الذاكرة إلا لكي ننبشها ونقلبها وننظر لها من كل جانب وننشرها حرة على شفاهنا فنتلذذ بالحديث عنها وبها ، لكننا لا نتعب أنفسنا بالتفكير بها والدخول بشقوقها.
ولأنني لا أجبر أحداً على استنهاض ذاكرته حتى لا يكرهني ، وأعتقد أنه يحبني الآن.. لا أعرف ، فان الذي سأرويه حدث معي فعلاً، فعلى من سمعة ولا يحب الاستماع له مرة أخرى علية أن يمزق أو يرمي هذه الورقة بل وأوراقه جميعا ويتخلص من كل الأشياء القديمة التي تخصه حتى الصور والدية.. 
أنا نفسي لا أدري لماذا أقول هذا الآن، وفي هذا الوقت بالتحديد، لكن الذاكرة تنشط أحيانا لتصبح جبلا كالذي كان بجانبي حين حدث معي هذا الحوار، فنحن لا ننبت إلا في المكان الذي تركنا فيه آباءنا وأجدادنا، لننبت في تلك الأرض وعلى هذا التل وبالقرب من ذلك الجبل، فأنتم تعرفون أن البذرة تنشئ زهرة والبيضة عصفورا والنطفة إنسانا.
ولكي لا أدخل في وصف نفسي لتعرفونها، أقول ببساطة، أنا زهرة نشأت من بذرة خارج البيوت البلاستيكية بل بمكان فسيح جميل ربما لم يطأه أناس كثيرون بل نستطيع أن نعدهم، على عدد أوراقي التي حملتها الرياح إلى ارض لا أعرف عنها شيئا، وبقيت أنا الزهرة عفوا بالبذرة في ذلك الوقت بنفس المكان الذي نبتت فيه أمي والحوار الذي سأنقله لكم كان في آخر كلمات لي مع جارتي :
الزهرة الأولى : لعل الفرج قريب.
الزهرة الثانية :  أي فرج، إن لم أستطع أن نختبئ فمصيرنا أسود، يا لهذه الشمس اللعينة انظري من حولك إنها تنتشر في كل مكان، انظري حتى رأس الجبل .
الأولى : نعم فانا أتطلع كل يوم إلى غيمة نختبئ في ظلها لكن الرياح لا تحمل غيما، تحمل ريحا ساخنة والشمس تلاحقنا .
الثانية : وهل نحن نتحرك حتى تلاحقنا، قال لي جدي إننا انتقلنا من ذلك الوادي إلى هذا الجبل الذي نحن علية، الرياح حملتنا ألم يكن باستطاعته أن يقول للرياح أن تضعنا في مكان لا شمس فيه.
الأولى : عليك أن تعلمي أو انك تعلمين ... لولا هذه الشمس لما نبتنا لكن هناك أمكنة تأتي عليها الشمس نصف نهار فقط وذلك أفضل .
الثانية ألم يكن لجدنا نظر حتى يقول للرياح إن تضعنا في تلك الأمكنة، ألم يسأل العصفور عن ذلك، ويعرف إن كانت الشمس طول النهار ليس لديها عمل غير حرقنا، وكانت الرياح ستنقلنا الى مكان آخر جبل او وادي، أي ارض أخرى فقد يكون هناك شمس غير هذه.
الأولى : لا تتكلمي عن جدنا هكذا.
الثانية : أتكلم أو لا أتكلم ماذا ينفعنا الآن .... إننا نهلك، وعندما تطلع علينا هذه الشمس نقول متى ستغيب وعندما تغيب لا نرى شيئا فلا نستطيع تمييز ما حولنا، انظري إنها أيبست العشب من حولنا بحرارتها، والآن جاء دورنا.
الأولى : اهدئي سنفكر في الأمر.
الثانية : جذوري ضربت عميقا في التراب، فلم أجد إلا القليل من الماء ، هل وجدت أنت شيئا.
الأولى : نعم وجدت هناك ما يكفيني من الماء لأترك بذرا يانعاً قوياً، دعينا من هذا واهدئي لنفكر لعلنا عندما تكون  الشمس منصرفة إلى غيرنا من زهور الأرض لتحرقها، لعلنا نستطيع أن نجد بقعة أخرى فيها ماء بمساعدة ضوء القمر.
الثانية : ألا تعلمين أن القمر يستمد ضوءه من الشمس وإذا أرادت حجبت الضوء عنة.
الأولى : أنت تغلقين جميع الطرق ... اهدئي.
الثانية : حسنا لعل العصفور يساعدنا.
الأولى : نعم العصفور أين هو.
العصفور : إنني أستمع لحديثكم منذ البداية .
الأولى أنت وحدك تستطيع التنقل، وتستطيع حملنا وتخليصنا من هذا الهلاك.
الثانية : لماذا لا تقف دقيقة هنا حتى نكون نحن بظلك وتحمينا.
العصفور : حسنا سأقف وماذا تريدون بعد.
الأولى والثانية : المساعدة.
العصفور : بماذا .
الأولى : كيف تستطيع أن نحافظ على أنفسنا إلى نهاية الصيف، فأنت تعلم أن بعد الصيف يأتي الخريف، وخريف الأشياء نهايتها، ومن الآن إلى الخريف.....و إلى نهاية العمر بالنسبة لنا، تقف هنا ونكون نحن بظلك، فتخفف عنا هذه الكتلة المشتعلة التي تحرق نفسها والآخرين معها.
العصفور : إننا في بداية الصيف وأنا لا استطيع أن أقف هنا ينتهي، أريد أن أجد الطعام والماء ولا استطيع إلا إذا طرت.
الثانية : دلنا على حل.
العصفور : سوف أحملكما إلى أرض أخرى، ربما نجد فيها شمساً أخرى غير هذه.
الأولى : حسنا إذا حملتنا سوف نموت، ونكون قد تركنا جذورنا هنا دون أن نترك بذورنا.
العصفور : حسنا لا مفر من موتكما سوف ادع الزمن يأتي عليكما وعندما تموتان وتصبحان بذرا آتي لأحمل أولادكما إلى مكان آخر، هل انتم موافقون.
الأولى والثانية : .............
اشتدت أيام الصيف ، وانتهت الشمس من إحراق الزهرتين، وسقطت البذرة على الأرض، أتى العصفور وابتلع البذور وطار ثم طار فلم يجد غير شمس واحدة فعاد إلى نفس المكان الذي أكل فيه البذر، ولشدة تعبة مات وترك جسده لتنبت فيه زهرتين في الربيع القادم.
جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024