الثلاثاء 2017-03-14 23:03:02 أدبيات
الشاعر الراحل حسين هاشم يمسح غبش فوضى الشعر

سيريانديز - خضر مجر

كان ذاك الصباح الذي لم أنتظره تسحبني يد الازدحام في شوارع دمشق ذات أحد وأثناء عبوري شارع الثورة حيث تنعطف الطريق باتجاه سوق الخجا على هذه الزاوية تماما سمعت أصواتا تصرخ بشدة، تستغيث بالمارة، لقد كانت الكتب المرتبة على قارعة الطريق أسفل درج جسر المشاة مرتبكة من وحدتها وصمت أوراقها يزعجها.

وقفت إلى تلك البسطة حيث رتبت الكتب بشكل تجاري واضح وفق الأسعار ونوع الكتاب، وقد كنت من هواة التفتيش في الكتب القديمة حيث استطعت في أكثر من مرة اقتناء النادر من الكتب بعد اختفاء النسخة الأولى واليتيمة من الأسواق.

 وفي هذه المرة شعرت بيد الهضاب تخرج من بين الكتب وتسحبني نحو الركن المخصص للكتب المسعرة بـ 50 ليرة فقط وأخذت أصابعي وعيني تقلب في هذه الكتب، صوت حادي يعلو وضوء قمر ينبجس بضحكة حزينة، تلطمني أمواج الاسم وتغرقني في دهشة وسعادة دامت طويلا.

إنها المجموعة الشعرية الثانية للشاعر السوري حسين هاشم “ وصارت تضيق بي الأرض “ الصادرة عام 1982 بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب. حين التقيت بهذه المجموعة وصفعتني " فاتحة " :

 /رايتي زاهيه، ودمي مورق، وانتمائي.. تحاول تدجينه معدة خاوية/

هذه المجموعة التي تتسع بك كلما ضاقت عليك العبارة أمام انجلاء الرؤية والرؤيا، تعيد لك زمنا واضح الهوية معروف البوصلة، لتسحل آلامنا وهمومنا في أزقة السبعينيات وتلقي على عتبات عناوينها دهشة الشعر وتلقائية الطبيعة، البيئة التي نما فيها الراحل حسين هاشم كقمر حزم حقائب غيابه وظل واقفا منيرا في صدر الإبداع.

في قراءة الورق الأصفر والعناوين المفعمة بمستطيلات السواد تترقب الحروف الحزينة المثقلة بهموم الوطن والمتعكزة على حفيف الأمل المتبقي على قارعة الغد فينسج في " البشارة " وجع اليوم قارئا لغدنا منذ عشرات السنين ليبقى على أمل في عمق معنى الانتماء المزهر في ضحكة أطفالنا :

/ أبصر ضحكة طفلي ويكبر فيه انتمائي إليك افرحي يا بلادي /

قراءة المجموعة في هذا الزمن حرك الكثير من المواجع ومسح غبش الفوضى في الشعر والجهات وأعاد لشريط الذاكرة صوت الأرض وقريته الصامدة الآن في وجه الموت تحرس " قمر فريتان ". تتسع قصيدة الشاعر الراحل حسين هاشم لحقل مفردات واسع ينتقل بنا بين الطرقات والبحر والصحراء في مقطع ينز موتا، الموت الذي يرافقنا كل لحظة ليعود بنا نحو "المواكب" مع أمواج الموت المنصوب على الطرقات:

 / أتقوقع مثل محار البحر أحاول أحمي جسمي الرخو بقوقعة صلبة وأرافق في هذا الحزن الموروث قوافل موتاي، وأمشي في زحمات جنازات ترمي بالجثث المنفية للصحراء….. ثم أغني مقهوراً، وحزيناً عن الأطفال ما عرفوا أحلام طفولتهم في هذا الزمن العربي المنهوب /

بلغته السهلة وصوره العاملة في الخيال والفكر يملؤنا حسين هاشم بأحزان حملها عنا منذ سنين واليوم نحن في سغب الفرح نمر صامين آذاننا في ضجيح الشعر والخواء الفكري. "

وصارت تضيق بي الأرض " المجموعة الثانية للشاعر الراحل حسين هاشم الصادرة عام 1982 بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب.

رحل الشاعر في 10/12/2008 تاركا لنا عدد من المجموعات الشعرية منها:  

أناشيد الفقراء 1976

وصارت تضيق بي الأرض 1982

وحيدا وعاريا كان يقف 1978

مطر لبلادي وقلبي 1992

غبش 2004

حقيية الغياب 2007

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024