الثلاثاء 2017-02-28 20:40:23 كــتب
الدّيوان السّوريّ المفتوح في مرآة النّقد

د. وسـام قبّـاني

في محراب جلّق الشّام احتشدتْ قوافي المجد تتبارى في محبّتها، وجاء الشّعر معتذراً عن توصيف رفعتها، فحيّا مقامها السّامي، وضمّد جرحها القاني، وألقى في مسامعها ( كلمة )،أجل كلمة.. وفي البدء كانت الكلمة.
ترانيم عشق انثالت على شفاه كوكبةٍ من أدباء عرب وغرب، فرّقتهم المسافات، وجمعهم حبّ دمشق الشّام، نذروا محبّتهم لبلاد الياسمينالتي خبّأ القدرُ في عينيها سرَّ الوجود، لكنانة الله التي صلّى في محرابها الخلود، لأيقونة الطّهر التي مسّها الكدر، فزادها الحزنُ وسامةً وإصراراً على الوجود.
أدباء عرفوا قيمة الوطن، فامتشقوا سلاحَ الكلمة، زرعوا في حقل الأمل سنبلة، ورسموا في يباب الوعد غيمة، وغداً ستزهر الأرضُ سنابل، وتمطر ُالدّنيا أحلاماً وعطوراً وجداول.
سوريّة اليوم تباهي بصنيع عشّاقها، إشراقات وحي ترسم فجر أمنية تزهو طروباً .. زهوَّ الماء في بردى، .. زهوَّ العطر في وردٍ تندّى من دم الشّهدا، .. زهوَّ حمائم الأمويّ أنارت دربَ من سجدا.
في الدّيوان السّوريّ المفتوح نقرأ نصوصاً توضّأت بماء الوطن، وتعمّدت بطهره،نصوصاً تنبض بحبّ الأرض، وتلتقط صوراً حيّة لواقع الحرب على سوريّة، والألم هو الأبجديّة الأولى التي يغزلُ منها الأدباء شموسَ حروفهم، فنحن أمام فرائد مدادها من جراح الوطن النّازفة. لكنّ مبدعيها يرفضون التّوقّف عند عتبة الألم، فأبصارهم معلّقةٌ بفجر الغد الآتي، ومن مداد فؤادهم يوقدون قناديل الأمل، ومن عبير حروفهم يبعثون البسمة الجذلى في مُحيّا بلاد النّور والنّار. 
نصوص تنوّعت بين الشّعر العموديّ، وشعر التّفعيلة، وقصيدة النّثر، والقصّة القصيرة، والقصّة القصيرة جدّاً. نصوص أجاد أصحابها العزف على أوتار البلاغة، فتألقوا في خلق الإثارة، وصناعة الدّهشة. 
نصوصٌ قد تتعثّر فيها اللغة أو الإيقاع أحياناً، لكنّ المعنى يبقى حاضراً بقوةّ، ربّما ليست القضيّة الأساسيّة في وقتنا الحالي أن نكتب أدباً خالياً من الأخطاء تماماً، فجوهرُ الأدب الحقيقيّ في إنسانيّته... وإذا أردنا أن نختصرَ الأدب بكلمة واحدة نقول: ( الأدب إحساس ).. وما أصدق المقولة:
( الشّعرُ هو أن تسمع صراخَ قطرة الماء على الصّخر قبل أن تجف )
وفيما يلي مقتطفات من الدّيوان السّوريّ المفتوح:
أوديب جديد 
بعد أن قتلَ أباه، وصار ملكاً، وتزوّج أمّه، وفقأ عينيه، الآن بُعِث حيّاً، سمع كيف يُقتلُ الإنسان.؟ وكيف يزني بمحارمه.؟ بإقرارٍ وفتوى...
فانفكّت عقدته، وعاد له بصره.
( فؤاد حلاوة / سورية ) 464
حُجُب للوطن والبلاد 
لو أنّني البارود
ركضتُ إلى الماء
لو أنّني الماءُ
انتحرتُ على النّار
***
مثل أبٍ فقيرٍ
مرَّ بالخطأ أمام محلّ الحلوى
يتجنّبُ الوطنُ النّظرَ إلى عينيَّ
وكما يليقُ بالرّجالِ..
يُصافحني عند الوداع
ولا يُعانقني
مخافة أن نبكي
( هاني نديم - سورية) 353
رسالة من بيدق ميّت
على رسلكَ ؛ لا تفهمني خطأ
خلِّ خنجركَ بيدكَ...
لكن انظرْ إلى صدركَ:
أقصد تماماً إلى المنطقة المُطابقةِ
لمكان طعنتكَ المتوقّعة في صدري
نعم... أنتَ تنزف ! 
( عبير سليمان – سورية ) 308 
لكَ...
أعرفُ أنّ السُّكَّرَ المنثورَ فوق وجهِ الموتِ
لا يُغيِّرُ طعمَ الفقدْ
وأنّ الصّباحاتِ التي تفيضُ بالدّمعِ
لا تحجبُ لونَ الشّمسِ،
وأنّ انزياحي عن قارّاتِ الصّمتِ لبعضِ الوقتِ 
لا يُغيِّرُ ما
في نفس الوقتْ!
وأنتَ تعرفُ أنّ دمعي لكْ، وصلواتي المشدوهةَ الملامحِ لكْ،
الخيطُ الذي أُطرِّزُ بهِ قصائدي لكْ،
قلبيَ الذي تحتَ وصاية الوردةِ لكْ،
ولكَ ما تعرفُ وأعرفْ: بدايةُ هذه القصيدةِ وآخرُ عناقيدِ عتبي..
أيُّها الوطنُ؛
كنْ لي..
( غريس العوض – الأرجنتين ) 318-319.
من كتاب الشّام..
ياحمامَ الشّام الذي لا ينام..
يا حمامَ البيوتِ التي لا تموت..
شفقٌ ... أو غسق...
سوفَ تأتي الغيومُ بأمطارها حينْ
تأتي مواعيدها .. سوسناً.. أو حبق..
لا تبوحُ المسافاتُ قبلَ نهاياتها..
والينابيعُ قبل بداياتها.. بدموع القلق..
لا تبوحُ بأسرارها
فالمناجمُ حين تكابدُ جوهرَها في الغموض..
يكونُ الأرق..
( خالد أبو خالد – فلسطين/ سورية) 166
نفخة عشتار...
البيدرُ شرقٌ في شرقي
والحَبَّةُ تخلُقُ أجيالا
والجيلُ تعودُ سنابلهُ
لتجودَ قُروناً وغِلالا
لن تحرقَ شرقي في ( كازٍ )
أو تقسمَ شرنقتي الأولى
سيكونُ عصيّاً ومُحالاً 
فحريريَ إزميلٌ سوريٌّ
أمرَ الصَّخرَ الصُّمَّ فقالَ
( حسن إبراهيم سمعون – سورية ) 165
وإلى دمشقَ طريقنا
وإلى دمشقَ طريقُنا
فهناكَ فوق هضابها رضعَ الصّباحُ نشيدَها
وغفا كظبيٍ هادئٍ
فوقَ ارتعاشاتِ النّسيم... وهناكَ..
أمّي داعبتْ يدُها جبينَ الخبزِ
واتّكأتْ على أضلاع حنطتِها
تراقبُ نبضَها
وتشدُّها من كفّها لتعانقَ المطرَ الوسيم..
وأبي على ظهر الحصان بصدرهِ العاري
تحدّى هجمةَ الإعصارِ والأمواجِ 
ثمّ مشى إلى مدنِ الغناءِ
مُدمِّراً بئرَ الجحيم...
( القس جوزيف إيليا – ألمانيا ) 161
إنّي أنا السّوريّ 
لولا الصّلاةُ وفرضُها لم أركعِ ولغير وجهِ الله لم أتطلّعِ
إنّي أنا السّوريُّ باسم حروفهِ سجدتْ ميادينُ الجهاتِ الأربعِ
شيّدتُ عليائي فما من كوكبٍ إلا تشهّى أن يكون بمخدعي
إنّي أنا السّوريّ ما كذبَ الهوى شمسُ الحقيقة لم تغادرْ أضلعي
أبلغْ مريضَ النّفسِ أنّي مُهتَدٍ ما ضرّني كفرٌ وإيماني معي 
( محمّد يحيى يونس – سورية ) 113
الشّامُ يا أمّ الرّوائع كلّها
عينُ الجميع على الشّآم لحاجةٍ عيني أنا تبكي الشّـآمَ مُصابا
ويسيلُ دمعي مثلَ سيلٍ جارفٍ كيف الهوى في القلب صارَ عذابا ؟
كلُّ الحضاراتِ التي مرّتْ بها جاءتْ لها حجّاً وليس إيابا 
يا شامُ يا أمّ الرّوائع كلّها يا مَنْ تُثيرُ بعطرها الأطيابا
يا مَن يُعاقرُ حسنَها نورُ الجما لِ ليحتسي من سحرهِ أنخابا
آهٍ على عربٍ رأيتُ طباعهم كضرائرٍ في حبّهنّ حَرابى
( محمّد عدّة الغليزاني– الجزائر ) 110
الشّام
قالوا: تخيّرْ قلتُ الشّامُ أختارُ وليس مثليَ مَنْ بالشّام يحتارُ
لي وردتانِ وحقلٌ من مباسمها ودمعةٌ صرختْ يا نارُ يا نارُ
كوني على الشّام برداً فهي غيمتنا إذا عطشْنا وقمحٌ إنْ شكا الجارُ
تمشي القصائدُ في الأحلام عاريةً حتى يُدثِّرَها في الشّام نوَّارُ
من أوجعِ الأرضِ سارٍ نحوَ أوَّلها وفي يدي قلمٌ باكٍ ومزمارُ
روحي تسابقني شوقاً، فيخطفني خوفٌ يُحاصرُها والليلُ أسرارُ
سارٍ لأقبسَ ناراً من توهّجها فما فلسطينُ لولا الشّام يا نارُ
( صلاح أبو لاوي – فلسطين ) 77
وختاماً:
هكذا هي سوريّة الأبيّة غرست في نفوس عشّاقها حبّ الفضيلة، فهبّوا يرسمون مشروعاً ثقافيّاً تنويريّاً يضيء دروب الغد الآتي. 
وهكذا هو الياسمين الشّاميّ قد يغفو قليلاً، لكنّه لا يموت، فعطرهُ الفوّاح مستمدٌّ من أنفاس الأجداد، وعبير الشّهداء.

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024