الجمعة 2017-02-17 18:11:06 حــوارات
رضوان أبو غبرة لسيريانديز : هذا الحزن هو فرحي الخاص وبه أعلن نشوة الكتابة

خاص - سيريانديز

حاوره: خضر مجر

دفعت يد أدونيس بزورق رضوان أبو غبرة في بحر الشعر حيث كانت انطلاقته بعد أن رشحه لمهرجان جبلة الثقافي الثاني لتأتي مجموعته الأولى ( أصداء الوقت الأول ) في عام 2006 كمكافأة لهذا الترشيح، شعر غزل من المفردات الحداثوية حالة شاعرية عبر بها نحو عقل وقلب القارئ ليرمي المتلقي في لجج التفكير والبحث في جمالية المقدم، فهو صاحب الشعر الرمزي الفلسفي، والتأملي لا يستطيع قارئ الشاعر الطبيب رضوان أبو غبرة المرور في دوحة بوحه دون الوقوف لقراءة ما تكتنزه القصيدة من سيميائية ومعاني وتصوير.

طبيب أسنان لم يزاول مهنته وإعلامي لمدة قصيرة وبعدها تفرغ للعمل الأدبي. له خمس مجموعات شعرية متميزة فبعد مجموعته الأولى الآنفة  الذكر نشر مجموعته الثانية ( الظل يضيف شيئا ) عام 2010 لتأتي بعدها المجموعة الثالثة عام 2014 ( غداً أتماثل إلى الضوء ) أما عام 2016 فقد شهد ولادة مجموعتين شعريتين ( الحظ في مسيله ) و ( حجر الصّفر ) ومن هذه الأخيرة كنت قد ضمنت بعض أسئلة هذا الحوار الذي أجريناه معه.

- لماذا يبتعد رضوان أبوغبرة عن المنبر؟

لا شكّ أنّ هناك أسباباً ساهمت في هذا الابتعاد؛ منها ما هو فنّي فليست العلاقة بين الشّاعر وقراءة شعره هي علاقة إلقاء وسماع وإنّما هي علاقة كتابة وتلقّي.

وربّما شعري ليس شعراً منبريّاً فمعظم ما أكتبه هو شعر شخصيّ لا يخلو من إشاعة الفكر وهذا يحتاج إلى قراءة تأمّلية أكثر منها قراءة منبريّة.

يضاف لهذه الفكرة أنّ تجربة المنبر لا تتعدى جمهوراً محدوداً غالباً ما يكون من معارف الشّاعر أو من صداقاته وليس في الأمر إذاً أيّ خروج إلى مدى أرحب ودوائر جديدة. ومن الأسباب ظاهرة تفشّي الشعراء ووجود من يدعو كلّ من حمل القلم إلى أمسية أو محاضرة أي أنّ هناك شيئاً من إبطال الشعر والشّاعريّة تحتّ مسمّى المنبر وأهل المنبر .. وكلّ هذا لا يعني القطيعة مع المنبر ولا يعني أنّي لستُ مقصّراً ولكن أنا أحتاج إلى مزيدٍ من التريّث، ولا يعني هذا أيضاً أنّي لم أشارك في أمسيات؛ فقد قمت ببعض المشاركات المحليّة ودُعيت لمهرجانٍ عربيّ لو كانت ظروفي الاقتصاديّة تسمح وقتها لفعلت.

- يتوقف القارئ لشعرك عند العناوين بدايةً من عناوين المجموعات إلى عناوين القصائد ما هي رؤيتك حول العنوان ودوره بالنسبة للقصيدة أو المجموعة ككلّ؟

للنصّ الأدبيّ مكان وهذا المكان هو الكتاب، ولا بدّ من مداخل وعتباتٍ للدّخول إلى قراءاته. فانطباعات القارئ عن مجموعةٍ ما تبدأ من الشكل الخارجيّ؛ من عنوان الدّيوان وصورة الغلاف وآليّة الإخراج والإهداء وكلّ هذه محطات مهمّة تساعده في فهم الشّعر وتتبّع دلالاته .. ولا شكّ أنّ عنوان المجموعة هو المدخل الأهمّ إليها فعنوانٌ حزين يوحي بقصائد حزينة، وعنوان فلسفيّ يوحي بمدّ فلسفيّ فكريّ وعنوان آخر قد يوحي بنمط الكتابة هل هو حديث أم تقليديّ.. وفي الدّاخل هناك عناوينُ فصولٍ وعناوين قصائد وعناوين ضمن القصيدة الطويلة، ولا شكّ أنّ هذا البناء الشّكليّ له أهداف في تأسيس المعنى الجديد للشّعر بشكل عامٍ ولمعنى القصيدة بشكلٍ خاصّ. يدخل القارئ إلى النّص عبر ثقب العنوان وربّما بحثَ عن تطابقات العنوان مع الأفكار والحالات في ثنيّات القصيدة .. هذه الفكرة الأوّليّة عن العلاقة بين العنوان والقصيدة هي ما تغني نشاط القارئ ..فقد يكون العنوان هو القصيدة المكثفة وما على القارئ إلا أن يتابع تجلي العنوان في النّصّ وقد يكون إشارةً تفكّ غموض النّصّ. وقد تخذل القصيدةُ العنوانَ فيُقرأ العنوان بشكلٍ ودلالةٍ أخرى وكأنّ القصيدة المكتوبة أغنت العنوان وكانت هي مدخلٌ إليه، وكلّ هذا في جدليّةٍ فكريّة تكسر النّمطيّة السّائدة في فهم الشّعر.

-في لغتك الشعريّة فلسفة ورمزيّة .هل يغريك الغموض والإبهام في سبك القصائد وهل في ذلك تأثر بأحد الشعراء؟

الحياة غامضة وكلّ محاولةٍ لقولها شعريّاً يجب أن تكون غامضة بمستوى غموضها، وإنّ إشاعة الوضوح لهو عملٌ مضرّ بالشعر وبالحياة والوجود وكلّ مفردات العالم. هذا الغموض بحدّ ذاته يتطلّب فلسفةً وطريقةَ تفكير لكي يخرجَ الشاعر من رتم العاديّ إلى توتّر الغامض، ولكي يبقى الغموض وسيلة ثرّة، تضيف وتغني. ولولا هذا الغموض الطّاغي لم يتلمّس الإنسان الشّعرَ وهذه الطريقة من التّأمل لزحزحة المجهول. هكذا فهمتُ الشّعر وهكذا لمسته في شعر الحياة وفي الكثير من الشعر المتبصّر الذي أخذني وخصوصاً شعر الشّاعر العالميّ "أدونيس" الذي عرفتُ مع قراءته كيف تتسّع العين وكيف يهبط الشاعر في أعماق رؤياه لكي يبتكر ويضيء ويؤسّس. ومع تطور القراءة والكتابة عرفتُ ذلك الحدّ الفاصل بين الغموض والإبهام فلا أعتقد أنّهما مفردتان مترادفتا المعنى ففي حين يكون الغموضُ نافذةً وأفقاً يكون الإبهام ظلمةً وإغلاقاً. وفي حين يشفّ الغموض لتتكشّف دلالات النص نجد أنّ الإبهام يمارس دوراً من الحجب السّلبي للدّلالة.

-الحزن توأم الكتابة, هل ترى في الحزن مادة خام لصوغ القصائد والتأثير في المتلقي؟

لكلّ شاعر صبغة يدمغ بها قوله. وأنا باكراً بدأت أعي هذه السّمة الحزينة التي يتدفّق بها شعري ..ولا شكّ أنّ لهذه السّمة أسبابها. ربّما هي من مؤثرات القراءات الأولى وربّما من بقايا ورواسب جملة الأحداث والتّجارب والحالات التي توغّلتْ في أعماق نفسي. ولكن مع الوقت تحوّلت هذه المكوّنات إلى خميرةٍ صالحةٍ لتنفّس الشّعر وولادته وأصبحتْ طبيعةً يتحرّك بها نظام القول في كتاباتي. وقد وجدتُ أنّ الحزن يتضمّن البحثَ عن الأعماقِ وعن الأسئلة الجوهريّة وعن الغامض والسرّ، لقد جعلني الحزنُ في مواجهةٍ جدّيّة مع كلّ الأشياء شعريّاً .. وهذا الحزن هو ليس حزناً اكتئابيّاً أو سوداويّاً أو نكوصيّاً يجعلني أسير التكرار والمرثيّات والنّدْب ..بل هو فرحي الخاصّ، وبه أعلن نشوة الكتابة.

- " قال: الشّعر هو اللّعب بالكلمات

قلت: الشّعر هو المناخ الذي يجعل اللعب بالكلمات حالة ممكنة."

ما هي رؤيتك للشعر وكيف تقرأ حال الشّعر في هذه الأيّام؟

كثيرٌ ممّن اقتحم عالم الشّعر بلا موهبة وبلا ثقافة يعتقد أنّ الشعر هو لعبٌ بالكلمات وأنّه يمكن أنّ يكتب قصيدةً ببعض المجاز وببعض الإبدالات والذّكاء اللغويّ ويصنع منها توليفةً شعريّة ليداهم بها الشّعر في مخدعه ويجلب له قرّاءً ومعجبين ..

أشعر بقوّةٍ أنّ الشعر هو ذلك المناخ المؤسِّس الذي يجعل من المجاز والاستعارات والكلمات والأشياء لغةً شعريّةً ونظام قول. وهو المزيج الذي تتضافر فيه جهود الوعي واللاوعي في تحويل الأثير والشفافيّة والغموض إلى واقع مكتوب ..ولهذا ربّما يجب التفريق بين المجاز الحيويّ الحرّ وبين المجاز غير الحيويّ مثلاً ..بين الاستعارات القريبة والبعيدة، وبين الموهبة والاستسهال.

وإنّ ما يحدث اليوم على الساحة الشعريّة ليس سوى استسهال للشعر والشاعريّة حيث وجد الكثير من الشعراء ضالّته في قصيدة النثر مثلاً فاستسهلها كونها لا ضوابط لها فتحرّر باسمها حتّى من ضابط الشّعر، وكذلك ما يحدث للقصيدة الكلاسيكيّة التي تحوّلت مع لفيف المُستسهلين إلى نظمٍ جامدٍ خاملٍ لا جدوى منه.

- في مجموعتك الأخيرة "حجر الصّفر" تنبض الأوراق الصّفراء بالحبّ والأنثى .كيف تقرأ الحبّ والأنثى شعريّاً؟

في غياب الحبّ يغدو العالم كومة أصداء .. لا صوت ولا نغم ..وكذلك حين تغيب الأنثى تفقد الحياة نسغها الحيّ. لهذا إنّ وجود الحبّ والأنثى في مجموعتي هو إضفاء الحياة على اللّغة الشّعريّة. ولكن ليس الحبّ هو حبّ الأنثى المرأة فقط، ولكنّه يغدو حبّاً أكثر حين أحبّ القصيدة الأنثى والطّبيعة الأمّ وحين أبحث بعد كلّ قصيدةٍ عن قصيدةٍ أكثر جمالاً. وأحياناً أشعر أنّ الأنوثة والحبّ هما صوتي الدّاخليّ الذي يخفّف من غلواء الأيّام. وكثيراً ما أرى في الشّعر نوعاً من العنف الأنثويّ؛ ربّما لأنّ عنف المرأة يتحوّل إلى شعر وعنف الرّجل يتحوّل إلى ارتجال. هكذا أجد في الحبّ والأنوثة دعامتيْ الشّعر وجناحيه.

- في هذا الزّمن المشوّش هل لا زال للشّعر والشّاعر دوراً أم تحوّل إلى موضة في غياب النقد والنقاد؟

دائماً أشعر أنّ المهمّة الأسمى للشعر هي المهمّة الشعريّة وفي غيابها لا معنى لأداء الشّعر أيّ هدف آخر ..ففي جمال الشعر وسموّه سموّ لقيم الحياة . يفشل الشّاعر التحريضيّ ويفشل الشّاعر الذي ينقاد لتوظيف الشعر, أي تفشل لا شعريّة الشّعر.

ولهذا يكون دور الشّعر هو دوره السابق واللاحق في رصد الصّبوات وسبر الأسئلة، وليس دوره محاكاةَ الواقع أو تسجيل أحداثه أو ترقيع مثالبه أو الإطناب في مديح مآثره..

ولا شكّ أنّه في غياب النّقد يحضر الغثّ، وتحضر البطولات الفراغيّة وتكثر الفوضى ويشهد المشهدُ الشّعري سطوعَ نجومٍ ذابلةٍ أو نجومٍ عمرها قصير جداً.. نعم إنّها فوضى الاستسهال والتّلاعب .. إنّها موضة حبّ الشّهرة، وكأنّ اللغة ليست سوى زيّ وترفٍ وكرنفالات خلّبية ولكلّ هذه الأسباب يبقى دور الشّاعر في تأصيل شعريّته وفي حفظ النّسغ ريثما يزول العارض وتنفلتُ الرّوح من أسمالها.

الحياة شعر وربّما بالشّعر تغدو الحياة حياةً ..الشّعر امتلاءٌ وتحوّل وبوصلةٌ وسفر ولكلّ هذه الأشياء يبقى الشّعر بعد زوال كاتمات الشّعر من حروب وتفشي الثرثرة الكلامية وغياب النقد.. الشعر هو نبع المعرفة ويحدث دائماً أن ينفجر النّبع. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays / arts © 2024